لاجئون لـ(قاسيون): الموت أو الاستغلال..!

لاجئون لـ(قاسيون): الموت أو الاستغلال..!

يشغل موضوع اللاجئين السوريين كل وسائل الإعلام في هذه الأيام، ويتناقل الناس صور ضحايا هذه الرحلة القاسية يتساءلون عن المخرج من هذه الدوامة، أما من استطاع من السوريين الوصول إلى دولة ما في أوروبا بصفته لاجئ، يحاول جاهدا تجاوز الصعاب المحيطة لكن في بعض الأحيان دون أملٍ بذلك
التقت «جريدة قاسيون» بعض اللاجئين السوريين في النمسا وألمانيا وجرى هذا اللقاء المطول الذي تناول جميع تفاصيل رحلة اللجوء من دوافع هذه الهجرة إلى ظروفها ومصاعبها القاتلة بالإضافة إلى تكاليفها

 

تقف مجموعة من المشاكل والصعوبات في وجه الشباب السوريين اليوم تكون عصية على الحل في أغلب الأحيان نظراً لتفاقم الأزمة السورية، فتظهر فكرة اللجوء بوصفها حلاً مؤقتاً لكل هذه المشاكل، فأحمد.م «19عام» قال لـ«قاسيون» الدافع الأساسي لمغادرة البلاد كان انعدام الأمان الذي يشكل عامل قلق دائم، بالإضافة إلى موضوع خدمة العلم «لن استطيع تأجيل التحاقي لأداء خدمة العلم لوقت طويل، وكانت وجهتي الأولى الإمارات العربية المتحدة، لكن الظروف الصعبة دفعتني للرحيل مجدداً، ولكن هذه المرة إلى تركيا لكن الأمور كانت تزداد سوءاً فما كان إلا أن قررنا أنا وخمسة من أصدقائي أن نهاجر بطريقة غير شرعية». سعيد أحمد الذي كان يدرس في قسم الأدب الإنكليزي في جامعة تشرين، كانت دوافعه متشابهة إذ يعارض الدخول بحربٍ تبدو غير منتهية فحدّث مراسل «قاسيون»: «يعني الحرب عنا ماشا لله كل ما تهدى بمكان بفيقوها بمكان ثاني، ووجود أهلي بحلب زاد الأمور تعقيداً فقد كانت الأوضاع تزداد سوءاً فقررت الرحيل لحل هذه المشاكل ولكي استطيع مساعدة أسرتي فانطلقت إلى تركيا في بداية الأمر وبدأت بالعمل لمدة 8 شهور إلى أن قررت الهجرة غير الشرعية. ط.ن أضاف على هذه الأسباب التي ذكرت صعوبات إتمام الدراسة بالإضافة لخطر الاعتقال السياسي الذي يهدد الكثير من السوريين، فانطلق من سورية برحلة تعد الأطول استغرقت 7 شهور ونصف للوصول إلى الأراضي الألمانية،


طرق تهريب محفوفة بالمخاطر

قرر أحمد.م وأربعة من أصدقائه شراء قارب مطاطي «بلم» لاستخدامه للوصول إلى اليونان وتقاسموا سعره «2000 يورو» بالتساوي والرحلة كانت في غاية الصعوبة ووصف لـ «قاسيون»: «البلم طلع مغشوش وانقلب فينا بنص البحر وموج البحر صار يزتنا ويسحبنا وخفر السواحل ما اقتربوا منا لحد ما صرنا على الشط باليونان، وكانت النتيجة انو غرق واحد من رفقاتنا وما قدرنا ننقذه» بعد هذه الرحلة الخطيرة  تابع أحمد وأصدقائه المتبقين طريقهم باتجاه مقدونيا ومن ثم مع أحد المهربين لإيصالهم لبلغراد، لكن المحاولة لم تنجح فقد ألقي القبض عليهم وأرسلوهم إلى صربيا، فأعادوا المحاولة مع مهرب آخر فنجحت المحاولة هذه المرة، أما عن موضوع التكاليف فقد حدثنا أحمد.م قائلاً «لا يمكن حصر التكاليف فهي تتوزع بين مبالغ تدفع للمهربين، وتختلف من شخص إلى آخر وتختلف حسب المسافة، بالإضافة لتكاليف الفنادق والطعام والأغراض اللازمة لقطع المسافات الطويلة سيراً على الأقدام مثل خيم وأكياس نوم...»، سعيد أحمد بدوره اختار طريقاً برياً فقد اتفق هو وبعض الأصدقاء مع أحد المهربين ليتم تهريبهم في شاحنة من استنبول إلى النمسا «كنت أنا وثلاث من أصدقائي بالإضافة إلى خمسة أشخاص آخرين كانوا في الشاحنة دفعنا 500 يورو عن كل شخص للمهرب الذي أغلق باب الشاحنة في استنبول وأخبرنا بأنه لن يفتح إلا في النمسا، وهكذا قضينا أربعة أيام لا نعرف أين نحن كنا نأكل وننام ونقضي حاجتنا في المكان نفسه لمدة أربعة أيام إلى أن فتح الباب في النمسا». رحلة ط.ن  كانت أطول فحاول حصر البلدان التي مر بها مع التكلفة وقال لـ«قاسيون»: «غادرت من سورية إلى لبنان ومن ثم إلى تركيا حيث غادرت من هناك بواسطة البلم إلى اليونان بتكلفة 1000 يورو، من ثم حاولت الخروج بالطائرة ولكن هذه المحاولة فشلت ما اضطررت للذهاب سيراً على الأقدام إلى مقدونيا مجمل التكاليف في هذه الرحلة التي دامت أربعة أيام، وصلت إلى حوالي 250 يورو موزعة على الطعام والمواصلات، من ثم انطلقنا من مقدونيا إلى صربيا، وكانت واسطة نقلنا جرار زراعي مزود بعربة للنعاج وضعنا هناك مقابل 650 يورو ومن ثم تابعنا سيراً على الأقدام حتى وصلنا إلى محطة باصات ومن هناك إلى بلغراد، وبعدها بدأت الرحلة إلى النمسا وكانت الرحلة الأطول، كلفت 1350 يورو موزعة بين الأكل والمواصلات وآجار المهربين، من ثم دخلت الحدود الألمانية ووصلت إلى بريمن حيث كان أحد أقربائي بانتظاري هناك التكلفة الإجمالية وصلت إلى 3500 يورو».


أوروبا الحلم!! ومعسكر الـ «40»

استقر أحمد.م وسعيد أحمد الآن في النمسا وفي المعسكر نفسه وتحدث «قاسيون» معهما بشكل تفصيلي حول طبيعة ظرفهم الحالي فأكدوا أنهم يأخذون إعانات شهرية تصل إلى 240 يورو وحسب سعيد أحمد فأنا هذا المبلغ لا يكفي «نحتاج حوالي 100 يورو للأكل وبالحد الأدنى في الشهر أي 25 في الأسبوع، وتكاليف اتصالات مع الأهل للاطمئنان عليهم تكلف شهرياً حوالي 20 يورو يضاف إليها 60 يورو للدخان وما تبقى نشتري به شامبو بعض المنظفات لتنظيف غرفتنا في المعسكر!!» وضحك الاثنان عند سؤالهما إن كان يمكنهم الاعتراض على المبالغ المقدمة!! فقال سعيد أحمد بعد أن ضحك «شو اعتراض ما اعتراض والله بياخدونا على المعسكر 40!»، وعند سؤالنا عن «المعسكر40» شرح لنا باقتضاب: «في هذا المعسكر لا يدفعون أكثر من 40 يورو شهرياً، صحيح أنهم يقدمون الطعام على نفقتهم، ولكنه سيء جداً ويفرض بأوقات محددة فقط وكأننا في سجن!! وهذا المعسكر مشهور بين اللاجئين في النمسا، وأنا قضيت فيه 8 شهور كانت الأسوء!»، وحسب ما أفاد أحمد.م فإن أوضاع اللاجئين السياسيين أحسن بكثير من اللاجئين الإنسانيين فحسب ما قال «اللاجئ السياسي يحصل على 1500 يورو شهرياً ويؤمنون له فرش بيت كامل».


نسعى جاهدين للعمل ولكن!

كل من تحدثت معهم قاسيون أكدوا أنهم جادون بالبحث عن عمل، فهم يفضلون العمل على أخذ المعونات، ولكن إمكانيات العمل تعد ضئيلة، وتختلف من مكان إلى آخر فاللاجئين في النمسا على سبيل المثال لا يمكنهم العمل قبل أخذ الإقامة إلا إذا كان العمل لصالح البلدية (أي أعمال خدمية يقومون بها لصالح بلدية المكان الموجودين به) لكن حسب ما قال سعيد أحمد «الكل يعتقد أننا نعيش بنعيم ولكن الواقع مختلف، فأنا بحاجة لإرسال النقود إلى أهلي وسداد بعض الديون، فحاولت العمل لصالح البلدية وكان العمل قانونياً وبطريقة نظامية ولكنني كنت أتقاضى أجرة 3 يورو للساعة الواحدة فقط لأنني لا أملك إقامة، بينما أجرة ساعة العمل نفسها للمواطنين أو اللاجئين الذين حصلوا على إقامة تصل إلى 15 يورو! هذا يعني أنني إذا عملت لمدة 16 ساعة باليوم فلن أحصل على أكثر من 48 يورو وهو مبلغ قليل، لكن بعض أصدقائي يعملون الآن 14 ساعة يومياً لكي يستطيعوا أن يرسلوا بعض النقود ليسددوا ما اضطروا لاستدانه لتأمين تكلفة السفر!!»، أما ط.ن فأكد أن الوضع في ألمانيا يعد أفضل من غيره «طلب اللجوء يأخذ وقتاً وهذا صحيح، اضطررت للبقاء في معسكر كان سابقاً ثكنة عسكرية ويدار حالياً من قبل الصليب الأحمر، وعملت بأجر متدنٍ قبل حصولي على الإقامة، فكنت أعمل لصالح (السوسيال) بآجار رمزي وهو 1.50 يورو بالساعة لقاء مساعدة غيري من اللاجئين، لكن الإعانة كانت كافية، وبعد أن أخذت الإقامة بإمكاني أن أحصل على عقد عمل نظامي، وقبل ذلك إن كنت لا أزال في مرحلة تعلم اللغة فيسمح لي بعدد ساعات عمل محددة بالإضافة للإعانة»

 
 عائدون بعد انتهاء الحرب

كل من تحدثت معهم «قاسيون» أكدوا أنهم سوف يعودون عندما تكون الظروف مواتية أكثر، فحياتهم الآن غير مستقرة وليست مريحة كما يظنها البعض.
 لا مجال للشك بأن أزمة اللاجئين ما هي إلا نتيجة موضوعية لتفاقم الأزمة السياسية والإنسانية في سورية، وهي إحدى نتائج الأوضاع الأمنية غير المستقرة والتدخلات العسكرية الغربية المباشرة وغير المباشرة التي ساهمت بتعميم هذه الظاهرة على أغلب دول المنطقة التي تشهد صراعات دامية، أما سورية والتي شهدت أضخم حالة نزوح منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية فبات واضحاً أن تأخير الحل السياسي أكثر من ذلك يعني جريمة حقيقة بحق الشعب السوري، ويعني بالضرورة تضخم هذه الأزمة بجميع جوانبها، وتضع السوريين في مواجهة الموت من القصف العشوائي للمدنيين والأوضاع الأمنية المتقلبة من جهة، واستحالة تأمين الحد الأدنى الذي يؤمن الغذاء الضروري للأسرة من جهة أخرى، أو تدفعهم إلى الموت في البحر، أو في أحسن الأحوال أن يكونوا ضحيةً لتجار البشر والاستغلال.