جميل لـ«الجمهورية»:   «التغيير والتحرير» تحمل إلى جنيف «المهمة الثلاثية رقم1»

جميل لـ«الجمهورية»: «التغيير والتحرير» تحمل إلى جنيف «المهمة الثلاثية رقم1»

نشرت صحيفة الجمهورية اللبنانية في عددها الصادر يوم (16/5/2015) حواراً مع د. قدري جميل، عضو قيادة جبهة التغيير والتحرير، وأمين حزب الإرادة الشعبية. وتركز اللقاء الذي أجراه الصحفي عمر الصلح على مشاورات جنيف الجارية حالياً، والتجاذبات الدولية التي تحيط بها. وتعيد «قاسيون» فيما يلي نشر الحوار كاملاً. 

وفق المعلومات المتوافرة لديكم من خلال اتصالاتكم واطلاعكم، كيف تصفون الأجواء التي تجري فيها المشاورات في جنيف؟ 

كما ذكرت في متن السؤال ذاته، هي مشاورات وليست مؤتمراً جامعاً. وبطبيعة الحال، في الأجواء التشاورية، سيأتي كل طرف حاملاً ما في جعبته حسب رؤيته المفترضة لإنهاء الأزمة، إذا كان مؤمناً بذلك وملتزماً به. ومن ثم يجب البدء بتوفير الأجواء المطلوبة لإنهاء الأزمة عبر مؤتمر جنيف3، الذي ينبغي برأينا أن ينطلق بعد المشاورات مباشرة، وبعد جمع المبعوث الدولي لملاحظاته وتقديمها بتقرير للأمم المتحدة بنهاية حزيران. من جانبنا كنا نفضل أن يجري الذهاب إلى مؤتمر جنيف3 مباشرة، ضمن هدف أسمى يتوخى إنهاء الكارثة الإنسانية العاصفة بالبلاد، مع الأخذ بعين الاعتبار حقيقة مؤلمة أن مع دقيقة تمر دون إنهاء هذه الكارثة يسقط عشرات السوريين، قتلاً واعتقالاً وفقداً وخطفاً وحصاراً وجوعاً وفقراً وتشريداً ولجوءً. بنهاية المطاف، وبعد أكثر من أربع سنوات من الصراع داخل سورية وعليها، باتت مواقف، وأشكال تورط ومسؤوليات، مختلف الأطراف، الداخلية والإقليمية والدولية، معروفة، ولا داعي لاستقصائها، بل ينبغي التوجه الجدي والحاسم والفوري، وعلى أساس بيان جنيف1 بوصفه الوثيقة الوحيدة المتوافرة والمتوافق عليها، نحو الحل السياسي الشامل، الذي ينبغي أن يضمن وقف التدخل الخارجي ووقف العنف وإطلاق العملية السياسية فيما بين السوريين.

باعتقادكم لماذا استبدل المبعوث الاممي ستيفان دي ميستورا المفاوضات بالمشاورات؟ هل أن الظروف الداخلية غير مؤاتية أم بسبب تعقيدات العلاقات الدولية بين روسيا والغرب؟ 

أعتقد أن الإجابة على الشق الأول من هذا السؤال هي برسم السيد دي ميستورا نفسه والأمم المتحدة ذاتها. بالنسبة لنا فإن مرور كل يوم وكل دقيقة وكل لحظة دون الانتقال إلى حل الأزمة يعني خسارة جديدة للشعب السوري وللدولة السورية على كل الجبهات. ونحن، في جبهة التغيير والتحرير، وحزب الإرادة الشعبية، نعتقد أن ظروف الحل السياسي للأزمة السورية مؤاتية منذ أكثر من ثلاث سنوات. وإذا كنا لسنا بصدد الظرف الدولي والإقليمي، فلننظر إلى اللوحة السورية..! ألا تعلن كل الأطراف المعنية أنها تتحدث نيابة عن الشعب السوري، وباسمه، وخوفاً على مصالحه، وتعبيراً عن تطلعاته؟ فلننظر، منذ أن سقطت شعبياً مقولات «الحسم والإسقاط»، وثبت عقمها، ماذا باتت الغالبية العظمى من الشعب السوري تريد، بغض النظر عن اصطفافاتها السياسية الشكلانية، سواء بالمعارضة أم بالنظام! لقد باتت هذه الأغلبية تقول، وبصوت يتعالى باطراد: لا نريد استمرار الصراع، نريد الحل السياسي، ونريد طرد الإرهابيين، نريد العيش والحفاظ على وحدة سورية، أرضاً وشعباً. دعك من الاستقطابات السياسية والإعلامية والمالية، فلينزل السياسيون وأحزابهم وتشكيلاتهم السياسية للشارع، ولتنزل الأمم المتحدة للشارع السوري، وليرصدوا إرادة الشعب ولسان حال المواطن العادي هناك..! 

أما عن العلاقات الدولية، فلا شك أنها معقدة، ولكنها واضحة الاتجاه في الوقت ذاته. بمعنى أن الملفات مترابطة ومتشابكة ولها تأثير متبادل، تأزماً، وانفراجاً كذلك. ولكن ثمة وضوح في الميل العام نحو إطفاء بؤر التوتر تباعاً، على قاعدة ازدياد تبلور ميزان القوى الدولي الجديد، والذي لم تعد فيه واشنطن القوة الآمرة الناهية في العالم، مقابل صعود دور ووزن روسيا، ومجموعة دول «بريكس»، وحتى أمريكا اللاتينية. أي أن واشنطن، المأزومة اقتصادياً ودولارياً وسياسياً وعسكرياً وداخلياً اجتماعياً بالمحصلة، تجد نفسها مضطرة للوصول مع موسكو إلى توافقات، تحفظ لها دوراً ما في القضية المعنية، لأن ما قد تحصل عليه اليوم، قد لا تحصل عليه غداً، مع اكتمال أخذها لمكانتها الطبيعية في ميزان القوى الدولي الجديد. وهذا لا يعني بطبيعة الحال أنها سترفع راية الاستسلام مباشرة، أو تبتعد كلياً عن الأشكال المباشرة أو غير المباشرة للتدخل والتوتير، على أمل تحسين مواقعها أو تأخير مآلها الطبيعي. 

وفي كل الأحوال أعتقد أن تصريحات وزيرا الخارجية الروسي والأمريكي مؤخراً في موسكو كانت واضحة باتجاه التوافق على الحلول السياسية، حتى وإن كان كل طرف يطرحها من منظوره ولأهدافه.        

ما هو الملف الأبرز الذي تحمله «الجبهة» إلى جنيف؟ ولماذا؟ وماذا تنتظرون من هذه المشاورات؟

تحمل جبهة التغيير والتحرير إلى جنيف رؤيتها وسياستها المتكاملة المتعلقة بحل الأزمة، وضمان عدم إعادة إنتاجها. ونحن نعتقد أن أمام كل الوطنيين السوريين، اليوم ومباشرة، ما نسميه «المهمة الثلاثية رقم1» المتمثلة في: إنهاء الكارثة الإنسانية، والذهاب للحل السياسي، ومكافحة الإرهاب. 

ونحن نؤكد أنه دون الحل السياسي الذي ينبغي أن يحقق التغيير الوطني الديمقراطي الجذري والعميق والشامل، سياسياً واقتصادياً اجتماعياً، لن تنتهي الأزمة، ولن تجري مكافحة جدية للإرهاب باتجاه اجتثاثه. أي أن الحل السياسي هو الضمانة لتوحيد سورية وإعادة توحيد السوريين وتأطير جهودهم كلهم باتجاه الانخراط مع مؤسسة الجيش العربي السوري في مكافحة الإرهاب، والإرهابيين التكفيريين الوافدين، ومن بحكمهم من السوريين. ونحن نعتقد أن الحل السياسي ينبغي أن يسير جنباً إلى جنب مع مكافحة الإرهاب.

أما فيما يتعلق بمشاورات جنيف ذاتها فسندفع باتجاه تعميم رؤيتنا هذه، والضغط للإسراع نحو الحل السياسي الحقيقي للأزمة، وتقريب آجاله الزمنية، حقناً لدماء السوريين. 

باعتقادكم هل ستؤثر سلبا عدم مشاركة الائتلاف في المشاورات؟ وإلى ماذا تردون عدم مشاركته؟

نحن نقول منذ البداية أن الائتلاف كان ولايزال أداة التدخل الأمريكية غير المباشرة بالأزمة السورية. في كل الأحوال فإن التقلبات في مواقف الائتلاف (مرة يريد الذهاب وأخرى لا يريد) إنما تعكس في الحقيقة مواقف رعاته الدوليين والإقليميين. 

من جهتنا نتفق مع وجهة نظر الوزير لافروف، الذي قال عشية لقاء موسكو الأول، أن من لا يذهب للمشاورات سيفقد دوره في المفاوضات اللاحقة، وقال على هامش لقاء موسكو الثاني أن 60% من المعارضة السورية تحضر هذا الاجتماع. وأعيد التأكيد هنا على موقف حزبنا القائل بأن أي طرف يتوخى من المقاطعة أو زيادة الضغط الميداني تحسين مواقعه التفاوضية على الطاولة، بمعنى أنه يسهم في تأخير الحل، فإن ذلك سينقلب عليه لاحقاً بالمعنى السياسي في ذاكرة السوريين ومحاسبتهم لأدوار ومواقف القوى المختلفة على حساب دمهم النازف.

تدل المؤشرات التي رافقت مباحثات وزير الخارجية الأمريكي جون كيري مع كبار المسؤولين الروس أن هناك تقارباً بدأ يظهر بين القطبين الدوليين، ويرى مراقبون أنه يجري الإعداد لتفاهم بين موسكو وواشنطن حول الكثير من الملفات الدولية ومنها السوري، ما هو رأيكم بذلك؟ 

رأيي أن هذا صحيح، في إطار فهم والتقاط ميزان القوى الدولي الجديد وتجلياته، بالمعنى والأبعاد التي تحدثت عنها سابقاً.

وما رأيك ببعض الطروحات التي تتحدث عن موسكو باتت تئن تحت وطأة العقوبات الغربية الأمريكية، ولذلك تلجأ هي للتوافق مع واشنطن والتنازل لها، وليس العكس؟

الموقف الروسي كان منذ البداية وحتى اليوم يدعم الحل السياسي في سورية ولذلك وقف خلف إطلاق مؤسسة جنيف وخلف بيان جنيف1 ووراء عقد جنيف2 رغم كل مساوئه وعيوبه، بهدف جر كل الرافضين للحل نحو الحل، وفي مقدمتهم الأمريكيون.  ثم عمل الجانب الروسي على إحياء مسار الحل السياسي عبر دعوته لاجتماعين تشاوريين في موسكو أكد فيهما أن هذا الحل يتطلب جهوداً مضنية وتنازلات متبادلة. وهذان الاجتماعان هما من قرّبا مشاورات جنيف اليوم، التي من المفترض أن تفضي سريعا إلى جنيف3 الذي نأمل أن يكون منصة جدية لحل نهائي. إن ثبات الموقف الروسي وإعادة تثبيت موسكو لتحكمها بمقدراتها وثرواتها وقرارها المستقل، ناهيك عن التغييرات في موازين القوى الدولية في غير المصلحة الأمريكية، كل ذلك يؤكد أن روسيا باتت تشكل اليوم دولة عظمى مجدداً، لا تنال منها ومن رؤاها ومواقفها وسياساتها، لا العقوبات ولا محاولات الضغط والابتزاز.

وهذا يعني أن أية عقوبات ضد روسيا، كما يتبين اليوم، وكما تثبت التجربة التاريخية، كانت تعطي نتائج عكسية، خلافاً لما كان يتوقع صناع هذه العقوبات، رغم كل أضرارها المأساوية المؤقتة. فالحصار الشامل على روسيا السوفياتية الناشئة في العشرينيات من القرن الماضي ساعد موضوعياً على نشوء الفضاء الاقتصادي السوفياتي العملاق الذي قضى على النازية، وصنع توازناً دولياً جديداً، اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً، وأدى في نهاية المطاف إلى اقتحام الفضاء الكوني. واليوم يكرر التاريخ نفسه، ولكن بصورة مهزلة, مهزلة العقوبات الغربية التي تحولت إلى حافز لروسيا كي تعتمد على نفسها بقدراتها الهائلة وتعيد بناء منظومتها الاقتصادية الاستراتيجية الخاصة المستقلة عن الغرب نهائياً، بعد عقدين من التراجع والتبعية الاقتصادية إثر تفكك الاتحاد السوفياتي. وفوق ذلك تئن أوروبا الغربية من وطأة هذه العقوبات عليها هي نفسها. إن المخطط الغربي الأمريكي- الأوروبي للسيطرة العالمية يشهد انهياراً، متدرجاً شاملاً، وينهض القطب الآخر، قطب الشعوب التي تريد الانعتاق من الهيمنة الإمبريالية، ومثال البريكس أكبر دليل على ذلك. وإن احتفالات عيد النصر الأخيرة في موسكو التي حضرها رؤساء 30 دولة رغم المقاطعة الغربية، وانبعاث الشعور الوطني الروسي بشكل لافت للنظر، تدفعني للقول: شكراً للغرب على غبائه الذي أعاد روسيا لنفسها وأعادها سنداً متصاعداً للشعوب المستضعفة جميعها، التي ذاقت الأمرين من هيمنة القطب الأوحد خلال العقدين الأخيرين.