متشددو الطرفين.. الاصطياد بالشباك ذاتها!
تتقاطع الدعاية السياسية- الإعلامية لمتشدّدي الموالاة مع متشدّدي المعارضة في الهجوم على عناصر الحل السياسي ومفرداته. ذلك الهجوم يتخذ مؤخراً شكل التشكيك و«الطعن» في «أهلية» المعارضة وقدرتها على الخوض في قضايا الحوار والحل السياسي، في ظل التحولات التي تشهدها منذ انفتاح أفق الحل السياسي من جديد
من المرجح أن تُستكمل خلال الأسابيع القادمة الجولات التشاورية والحوارية بين القوى السياسية السورية، المعارضة والنظام، لتمهد الطريق لإطلاق الحل السياسي عبر «جنيف-3». في هذا الوقت بالذات، ترتفع نبرة الهجوم على الحل السياسي في خطاب متشدّدي النظام والمعارضة لدرجة الالتقاء فيما بينهم، والاقتباس المتبادل لمفردات هذا الهجوم. ففي الآونة الأخيرة، أصبح موضوع الهجوم هو المعارضة الداعمة للحل السياسي، من حيث «أهليتها» للذهاب إلى طاولة الحوار، وقدرتها على أن تكون شريكاً في الحل السياسي؛ ففيما اتخذ الهجوم على المعارضة في إعلام الموالاة المتشدد، شبه الرسمي، نبرة «انقسام المقسم» في المعارضة، وافتقادها القدرة على «توحيد» صفوفها، فضلاً عن الاقتناص الفضائحي للتحولات التنظيمية والسياسية في بعض فصائل المعارضة، يعيد متشددو المعارضة تدوير الخطاب ذاته، من خلال صيغ ونعوت مشابهة.
اللافت في كل هذا هو الاستعارة المكشوفة بين متشددي المعارضة والموالاة لمفردات الهجوم على المعارضة، كأن تنقل صحيفة موالية متشددة حديثاً لمعارض متشدّد مضمونه «عجز» المعارضة، وانقسامها و«ذهابها إلى الهباء». أو أن يقتبس «معارض» سؤالاً من متشددي الموالاة، ويطرحه على كل المعارضين الداعمين للحل السياسي، بما مفاده «هل يستطيعون إقناع عشرة مسلّحين بالمشاركة في الحياة السياسية في سورية الديمقراطية الجديدة؟»!. خلاصة المشهد أن الغاية لدى كل من الطرفين هي إظهار المعارضة المؤيدة للحل السياسي على أنها عاجزة مهلهلة مغلوبة على أمرها، وفي المقابل ظهور المتشدّدين في الطرفين متماسكون أقوياء، راسخون و«واقعيون» في عدائهم للحل السياسي.
يسعى الهجوم المذكور، من الموقعين، إلى تشويه ما يجري فعلاً في صفوف الحركة السياسية السورية بأكملها، معارضة ونظاماً، وهو أن فرزاً نشأ وينشأ على أساس استحقاق الحل السياسي موضوعياً، وأن مقومات نجاحه قد اكتملت ونضجت، داخلياً ودولياً، وبالتالي فإن التحولات في المعارضة وغيرها من القوى ليست أمراً منطقياً فحسب، بل ضرورياً أيضاً، لكونها تعكس في الجوهر تبلور القوى الأقدر على إنجاح الحل السياسي، وإنقاذ البلاد من الكارثة الكبيرة التي جاءت بها «الحلول العسكرية» للمتشدّدين، في اتجاهي «الحسم والإسقاط». وبالتالي، فإن المشهد مرشح باتجاه تحولات أخرى، لن تقتصر على المعارضة فحسب، بل هي شملت فيما مضى وتشمل الموالاة، والحركة الشعبية أيضاً. ذلك أن انطلاق العملية السياسية في البلاد من شأنه تغيير كل إحداثيات الفرز القائمة، وعلى رأسها الانقسام الوهمي «موال- معارض»، والذي يمثل حصيلة التشويش الذي تمارسه كل القوى المعادية للحل السياسي، الداخلية والدولية، لمنع الوصول إلى ذلك الحل.
أما بخصوص «توحيد» المعارضة، فعدا عن أن هذه المفردة كانت بالأساس بدعة غربية، تستهدف توفير الغطاء السياسي و«الشرعي» لسيناريو التدخل العسكري في سورية، والذي طرح منذ ثلاثة أعوام تقريباً، فإن هذه المفردة اليوم لا تعدو عن كونها أداة تستخدم لممارسة التبخيس والتشكيك بقوى المعارضة الداعمة للحل السياسي. فكما هو معلوم، أن لقاء موسكو التشاوري، الذي انعقد في أواخر الشهر الأول من العام الجاري، كان قد طرح فيما طرح من نقاشات هذه المسألة على شكل «معارضة أم معارضات؟»، وفي حينه أجمع ممثلو المعارضة على أن وجود معارضات في سورية ليس مذمة بحقها، بل هو تعبير استشرافي عن التعددية السياسية المطلوبة في البلاد. أما المطلوب في حقيقة الأمر فهو توحيد موقف المعارضة من الحل السياسي، ورفع درجة التنسيق بين قوى المعارضة على هذا الأساس، وهذا أمر يختلف عن «توحيد» المعارضة بطبيعة الحال، الوارد في خطاب المتشدّدين. وفي هذا السياق، يمكن القول أن المعارضة توحدّت على نحو أكبر بكثير من السابق، في موقفها المؤيد للحل السياسي، الأمر الذي ظهر جلياً في الجولة الأولى من لقاء موسكو التشاوري، والذي شهد حضوراً وازناً ومتوازناً للمعارضة الوطنية.
وأياً يكن من أمر، فإن الهجوم على المعارضة، من خلال تصوير التنوع في هياكلها التنظيمية على أنه افتقاد للأهلية في الحوار والحل السياسي، ليس إلا ذراً للرماد في العيون؛ فليست الهيكليات والبنى التنظيمية هي التي تحدد نجاح الحل السياسي، فهي ليست في نهاية المطاف سوى أشكال مؤقتة لإدارة العمل المعارض، فرضها الواقع المتصل بالأزمة، والذي إحدى أهم مثالبه أن أحداً لم يسأل الشعب السوري عن رأيه بكل الحركة السياسية وهياكلها، بموالاتها ومعارضتها. المهم اليوم هو أن يعبر من هم داخل تلك الهياكل عن إرادة السوريين في الوصول إلى حل سياسي، والذي بدوره سيفسح المجال لكي يبدي الشعب السوري رأيه العمل السياسي وما ينجم عنه من هياكل وتنظيمات. إن المعارضة الوطنية الكفؤة والقادرة على لعب ذلك الدور موجودة موضوعياً وعملياً منذ بداية الأزمة، وهي اليوم تعمل على فتح آفاق الحل السياسي مع نضوج ظروفه وتوفر أساساته العملية.