عن «داعش» مجدداً!
لا تزال أخبار «داعش» تحتل موقع الصدارة في معظم وسائل الإعلام العربية والأجنبية، ولا تزال تلك الوسائل تعمل على «نفخها» وتضخيمها، رغم أنّ الوقائع تؤكد أنّ انكفاء هذه الظاهرة في العراق وسورية وتقهقرها قد سارا خطوات واسعة إلى الأمام
يمكن التأريخ لبداية انكفاء «داعش» في العراق وسورية بعين العرب- كوباني حيث جرت فعلياً أول مواجهة جدية مع التنظيم، وعند أول مواجهة جدية تحوّل المارد قزماً، واستمرت عملية الانكفاء هذه وتصاعدت بالعراق بشكل عاصف وتقدمت في سورية نسبياً وخاصة بعد دخول قسم من العشائر السورية في المواجهة المباشرة مع التنظيم، ولعل التراجعات السريعة التي جرت مؤخراً في الشمال السوري دليلاً إضافياً على الحقيقة القائلة بأن «داعش» ظاهرة مضخمة، فهي من حيث البنية نواة عسكرية قليلة العدد من مقاتلين أجانب مدربين ومعدين بشكل جيد ولا يتجاوزون الآلاف. يعتمدون على توجيه ضربات مركزة وسريعة يتبعها انتشار واسع محمول على الرعب الذي ينشره الإعلام، وقبل ذلك على عدم جدية القوى التي تدعي محاربته وعلى رأسها «تحالف واشنطن» الذي يدعمها في حقيقة الأمر، والذي يقف وراء تدريبها وتسليحها.
إنّ هذه الوقائع تعيد التأكيد على مجموعة من النتائج التي تسمح بفهم أوفى للوحة الصراع الجاري وهو، أولاً: إنّ جميع القوى الرافضة لحل سياسي في سورية تستفيد بشكل أو بآخر من «داعش»، فاختصار الأزمة السورية بهذا التنظيم يعطي المبرر الكافي لواشنطن للدفع نحو المزيد من العسكرة، الأمر الذي تتلقفه أوساط التشدد الموالية والمعارضة في سورية، وتستفيد منه باعتباره المخرج من «مأزق» الحل السياسي! ثانياً، إنّ التركيز على مسألة «داعش»، يسمح بإبقاء الشأن السوري مدولاً: ويسمح بالتالي باستمرار التدخلات الخارجية بأشكالها وأنواعها المختلفة. ثالثاً: يسمح هذا التركيز أيضاً، بمحاولات التعتيم على عنصر أساسي من اللوحة، وهو المتعلق بأسباب نشوء الأزمة السورية من أساسها، أي أنّه يثبّت مقولة «المؤامرة» بشكلها الأجوف الوحيد الجانب، ويسقط منها العوامل الاقتصادية والفساد الكبير والقمع باعتبارها أسباباً أساسية للأزمة، الأمر الذي يخدم المتشددين في طرفي الصراع الداخلي والذين يتصرفون مع سورية والسوريين بوصفهم فريسة يتنازعون نهبها..