مصدر الثقة بدور روسيا- بريكس
مع بروز الدور الذي تلعبه روسيا ومعها دول مجموعة بريكس على اللوحة العالمية يطرح مختلف المراقبين والمحللين والقوى السياسية المتعددة، بحسن نية أم بسوئها، سؤالاً عن مصدر الثقة والتفاؤل بدور القوى الصاعدة دولياً خلف القاطرة الروسية في تغيير ميزان القوى الدولي السابق- أحادي القطب، وتكريس البديل التعددي عنه.
تقول خلاصات البحث الهادئ والموضوعي للأمر إن روسيا تواصل اليوم عملياً تغيير إحداثيات "النظام الدولي" للمرة الأولى في القرن الحادي والعشرين، وهي الكتلة الجيوسياسية التي سبق لها أن غيرت اتجاهات التطور العالمي في القرن العشرين وحده ثلاث مرات على الأقل، مرة مع انتصار ثورة أكتوبر 1917، وثانية مع انتصارها في الحرب العالمية الثانية والقضاء على الفاشية بحلتها السابقة، وثالثة- ولكن باتجاه رجعي- مع انهيار الاتحاد السوفييتي، ما سمح بالتفرد غير المستدام للولايات المتحدة، دركياً أوحد للعالم. وهذا بمجمله يسمح بالاستنتاج أن الدور الروسي الاستثنائي والبنّاء هو موضوع ثابت باللوحة العالمية.
بمعطيات اللحظة السورية الراهنة، ثمة موضوع لا يتوقف عنده أحد، جهلاً أو تجاهلاً، وهو أن روسيا- بريكس رفعا منذ الفترات الأولى للأزمة السورية مقولة ضرورة إيجاد حل سياسي لها عبر الحوار، حيث عملت موسكو على هذا الأساس منذ البداية، لتواجه مع بكين عبر الفيتو المتكرر في مجلس الأمن الدولي محاولات واشنطن المتلاحقة للتدخل العسكري المباشر في سورية. وموسكو هي من كانت تقف عملياً خلف الدفع باتجاه جنيف1 بوصفه إطاراً دولياً من شأنه أن يحد من التدخل الخارجي بأشكاله المتعددة، بدليل أن واشنطن حاولت في اليوم التالي لجنيف1 الانقلاب عليه من خلال تحريك جامعة الدول العربية تحت النفوذ القطري في حينه باتجاهات معرقلة ومعاكسة. كما أن الروس هم من كانوا وراء جنيف2 وجر مختلف الأطراف، بمن فيهم واشنطن وأدواتها، إلى هذا المؤتمر الذي كان الهدف منه بالمنظور الروسي بناء المؤسسة الخاصة بحل الأزمة السورية بحكم درجة التدويل العالية التي وصلت إليها نتيجة أسباب عديدة. وها هي روسيا تقوم اليوم بتقديم جهودها في إعادة إحياء مسار الحل السياسي للأزمة السورية عبر لقاء موسكو وما سيليه، وذلك ضمن سياق طبيعي وموضوعي ينسجم مع الضرورات الوطنية السورية، ومع مرتكزات الدور الجديد لروسيا الصاعدة مع حلفائها الدوليين المنسجم مع مصلحة البشرية جمعاء في إطفاء بؤر التوتر في العالم، ومع النهج الروسي في إخماد الحرائق المؤججة أمريكياً- صهيونياً.
وهذا يعني أن هذا النهج يتطابق مع فكرة تغيير ميزان القوى الدولي، حيث يبحث المتقدمون فيه عن الحلول السياسية، بينما يتمسك المتراجعون بتثبيت الحلول العسكرية في محاولة منهم لمنع تبلور وحسم الميزان الجديد، بما يعنيه في سياق هذا التطور الموضوعي من تموضعات واستقطابات وتأثيرات وحجوم سياسية واقتصادية وعسكرية بالمحصلة لكل طرف من الأطراف.
بالملموس، بالأمس فقط وافق مجلس الأمن الدولي على مشروع قرار روسي يقضي بتجفيف منابع تمويل الإرهابيين في سورية والعراق. وبالأمس، وعلى التوازي، كان بوتين في مصر يخص سورية، هو ومضيفه السيسي، بالحديث عن ضرورة إيجاد حل سياسي للأزمة فيها على أساس جنيف1 مع التعويل الكبير على إجراء الجولة الثانية من الاتصالات في موسكو بهدف الوصول إلى التسوية السلمية للوضع في سورية، في وقت سبق لوزير الخارجية الروسي أن أكد خلال الجولة الأولى من تلك الاتصالات في موسكو من أن الحل السياسي في سورية يتطلب حلولاً وسطى وتنازلات لا مفر منها، بمعنى أن هذا الطرف الدولي الذي يحتفظ بعلاقات مباشرة مع جميع أطراف الأزمة السورية يقدم حزمة متكاملة للحل وليست أحادية النظرة بما يحافظ على الجغرافية السياسية لسورية ووحدة أراضيها وشعبها بالدرجة الأولى، وبمعنى أن مقاربات روسيا- بريكس لحل الأزمات الدولية سياسياً باتت تستقطب لاعبين إقليميين مهمين مثل مصر.
إن خروج سورية من أزمتها يعني الانخراط مع هذا الدور ومع اتجاه التطور الموضوعي نحو سورية موحدة ومتقدمة، وهو ما يتطلب من مختلف الأطراف التي تعلن قبولها بالذهاب إلى الجولة التالية من لقاءات موسكو وحتى إلى جنيف3 أن تبتعد عن حالات الإنكار التي تعاني منها وتقترب أكثر من ملاقاة استحقاقات المصالح العميقة للشعب السوري المتمثلة اليوم في «المهمة الوطنية الثلاثية رقم1» وهي أولاً إنهاء الكارثة الإنسانية، وأولاً إنجاز التغيير الوطني الديمقراطي الجذري والعميق والشامل، وأولاً مكافحة الإرهاب.