التدخلات الخارجية في الأزمة السورية.. ما الفرق؟

التدخلات الخارجية في الأزمة السورية.. ما الفرق؟

يتفق السوريون الراغبون بالحوار الوطني على أنّه لا شروط مسبقة عليه. بل له مبدآن أساسيان هما رفض التدخل الخارجي، ورفض العنف. وتختلف الأطراف في مبدأ رفض التدخل الخارجي حول تقييم الدور الروسي والصيني من جهة والدور الأمريكي-الغربي من جهة أخرى. من وجهة نظر موضوعية، فإنّ الأزمة السورية تمّ تدويلها، لكنّ أي الدورين يعتبر «تدخلاً خارجياً» بالمعنى المرفوض مبدئياً بالنسبة لمنطق الحوار الوطني، وأيهما يعتبر «تدخلاً» مفيداً، إذا جاز استخدام هذا التعبير؟ الجواب يتعلّق بتفسير معنى التدخل الخارجي، أو بالأحرى تحديد توصيفه بالسلبي أو الضار، مقابل الإيجابي أو المفيد بالنسبة لحلّ الأزمة السورية ومستقبل سورية شعباً ووطناً.

الدور الأمريكي-الغربي

ساهم الدور الأمريكي-الغربي وأدواته العربية والإقليمية، وعبر مراحل الأزمة، بالتوتير الإعلامي والعسكري والاجتماعي والاقتصادي، وثمة الكثير من التقارير من مراكز أبحاث عالمية وغربية، لا علاقة لها بـفهم النظام ودعايته التي قدمها حول «التضليل» و«المؤامرة»، كشفت تفاصيل عن هذه التدخلات، وخاصة عمليات الاستخبارات الأمريكية والبريطانية، ودعمها المالي واللوجستي والمسلّح للعنف بين السوريين، سراً وعلناً، فضلاً عن التحكم بالتفجيرات الإرهابية عبر التنظيمات التكفيرية غير السورية، مثل «جبهة النصرة» وأشباهها من تنظيمات «القاعدة»، بدليل توقيتاتها واستهدافاتها ومجازرها ضدّ السوريين المدنيين والعسكريين، والتي تخدم المصالح الأمريكية-الغربية عن طريق توليد شحنة عالية من العنف، سعياً استباقياً لركوب موجة الحراك الشعبي السلمي بدايةً، ثمّ لإجهاض إمكانية تجذيره وتطوره بمنحى تقدمي ووطني. وقد نجحت في استدراج النظام إلى الانزلاق إلى عنف مضادّ ومزيد من الضحايا والتأزيم، الأمر الذي أرادوا منه خلق الذرائع للتدخل العسكري المباشر للناتو، على الطريقة الليبية، عبر محاولاتهم لاستصدار قرار دولي يغطيه شرعياً، مما يخدم أيضاً قوى الفساد الداخلية، والتي طالما صفّقت وهللت لهذا العنف تحت ذريعة «الحسم» وما شابه، ذلك الحلّ الأمني البحت الذي لم يألُ كثير من الوطنيين السوريين جهداً في التحذير من خطورته وعواقبه، والعمل بالمقابل على خطّ الحلّ السياسي السلمي، ولعل من أوائلهم «حزب الإرادة  الشعبية» الذي اعتبر باكراً أنّ أمريكا تدعم ذلك الحلّ الأمني.

الدور الروسي-الصيني

برز الدور الروسي الصيني منذ الفيتو المزدوج الأوّل في مجلس الأمن الدولي ضدّ مشروع القرار الأمريكي-الغربي، والذي قطع الطريق على التدخل العسكري المباشر في سورية، الأمر الذي تكرر وقدّم عملياً حماية للشعب السوري من غزو بلادهم وقصفها البربري من قبل قوات حلف شمال الأطلسي. أما عن الدوافع والأهداف الجيوسياسية للروس والصينيين وراء هذا السلوك، أو«التدخل» كما يحبّ البعض أن يسمّيه، فلا يمكن تفسيرها بتلك السذاجات الإعلامية التي يسوّق لها الإعلام الغربي والعربي، وما يصورونه على أنه عشق الروس والصينيين للنظام السوري ودعمهم للدكتاتورية، لأنّ سلوك الدول والقوى العظمى لا يمكن تفسيره بالاستناد إلى علم نفس الأطفال المَرَضي، فما بالك بالشعوذات التي لا يسلم من الوقوع فيها جزء من النظام، وجزء من المعارضة ممن يعتقدون أنّ الأرض لا تدور حول الشمس، بل تدور حول سورية! إنّ سلوك الدول الكبرى يمكن تفسيره بشكل صحيح فقط بالاستناد إلى علم السياسة والاقتصاد السياسي. ملخص الموقف يتعلق بالتطور التاريخي للنظام العالمي الجديد أحادي القطب، بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، والذي أفضى إلى تغيّر ميزان القوى الدولي بشكل تدريجي وصولاً إلى انفجار الأزمة الاقتصادية العالمية الكبرى للرأسمالية منذ العام 2008،  وتداعياتها الاجتماعية والسياسية، والتي تشكل الأزمة السورية واحدة فقط من تجلياتها الكثيرة عبر العالم اليوم. إنّ ما تريده روسيا والصين ومعهما كتلة دول البريكس، باعتبارها رأسماليات صاعدة، هو إعادة التناسب المنطقي بين نفوذها السياسي عالمياً، ليتطابق مع نسبة إسهامها بالإنتاج الاقتصادي العالمي، وهذا يتطلب تراجعاً هادئاً ومنتظماً للدولار الأمريكي المفرط التضخّم كعملة عالمية، دون سقوطه الحادّ المفاجئ الذي قد يجرف معه المنظومة الرأسمالية جمعاء، بما فيها دول البريكس أيضاً. إنّ هذا الهدف الجيوسياسي لدول البريكس عموماً، يجعل سياسياتها الخارجية، بما فيها سياساتها فيما يتعلق بالأزمة السورية تسعى إلى التدخل من أجل دعم التسويات السلمية للنزاعات بشكل عام، وموقعها في تقدّم من الناحية الاستراتيجية، فليس لها مصلحة في الحروب والتدمير عموماً، وهذا يؤمن فرصة استمرار وجود سورية ككيان جغرافي سياسي موحد، إذا استطاع السوريون الاستفادة منها, يمكن أن يحققوا تغييراً حقيقياً شاملاً وديمقراطياً وجذرياً، على عكس السياسات الخارجية الأمريكية, سياسات المُفلس والخاسر، أو «النّمر الجريح»، وتدخلها الذي تكمن خطورته في سعيه المتخبط إلى التدمير والتفتيت، لإنقاذ نفسه كونه الطرف الخاسر عالمياً بالمعنى الاستراتيجي.