معارك أربع تغيِّر وجه البلاد
في غمرة اكتمال الميل العام، على الصعد الدولية والإقليمية والداخلية، نحو إيجاد الحل السياسي للأزمة التي تمر فيها سورية، وبعد التحقق من فشل أوهام «الحسم العسكري ـ إسقاط النظام»، يبدو البعض مرتاباً مما سيؤول إليه مستقبل سورية،
ومما سيخلّفه هذا الصراع من نتائج. وفي هذا السياق تتبدى معاركاً أربعة لم تزل رحاها تدور حتى الآن، وعليها يجدر التعويل في صياغة ورسم معالم سورية ما بعد الأزمة.
الحل السياسي الآمن
ليس الذهاب إلى «جنيف»، بكل التعنت الذي تبديه القوى السياسية الساعية لكسب الوقت المرتبط بتجميع أكبر عدد من أوراق الضغط اللازمة في المؤتمر الدولي المزمع عقده، سوى إحدى الإرهاصات التي تؤكد على صحة الطرح القائل منذ البداية بأن الحل السياسي معركة أشد وطأة من تلك العسكرية. فبات البعض يروج اليوم لما مفاده أن مجرد جلوس الجميع على طاولة الحوار هو الغاية القصوى التي يمكن تحقيقها، ويتعامل بالتالي مع الحوار على أنه غاية بحد ذاته وليس وسيلة لإنجاز التغيير الحقيقي في المجتمع..
ولن تساهم عرقلة هذا التوجه سوى بالمزيد من الدمار والنتائج الكارثية للأزمة، وسيساهم من حيث يدري أم لا بتأخير التغيير الذي باتت مهمة تسريعه ضرورة وطنية ملحة، من شأنها أن تحافظ على ما تبقى سالماً في البلاد حتى اليوم، وهذا ما يجعل من معركة الحل السياسي معركة حقيقية تتطلب تضافر جهود الوطنيين الساعين لإنقاذ سورية..
لقمة العيش.. أمّ المعارك
لا تغيير في سورية، ولا في غيرها، إن لم يكن التغيير الاقتصادي دعامته الرئيسية. وإذا ما أردنا البحث جدياً في الأسباب التي ساهمت بإنفجار عوامل الأزمة، لكان التهميش والتجويع الناتجين عن السياسات الاقتصادية الليبرالية التي اعتمدها فريق «الدردري» الاقتصادي أولى هذه الأسباب، إذ لطالما شكّلت الليبرالية البوابة الحقيقية للجهاد، وخلقت البيئة الحاضنة للتطرف الذي يدفع الشعب السوري وحده ثمن تفاقمه وانتشاره.
كذلك لا وجود لتغيير ما لم يكن المجتمع قد أنجز صياغة النموذج الاقتصادي الجديد الكفيل بلجم أسباب الأزمة، وإنهاء التبعية الاقتصادية. وهو ما يتجسد في الحالة السورية بإنهاء العمل بالتوجهات السابقة نحو الغرب، واكتمال تحقيق استراتيجية الاتجاه شرقاً التي تم اعتمادها مؤخراً. وهنا كذلك تظهر المعركة الاقتصادية ومحاربة الفساد الكبير على كافة الصعد كمحرك رئيسي في صورة التغيير المطلوب..
استعادة الأرض المحتلة
إن العمل على تحرير الأراضي المغتصبة، وعلى رأسها الجولان السوري المحتل، من شأنه أن يعيد تسليط الضوء على الإنتماء الحقيقي لأبناء المجتمع السوري. ومن شأنه كذلك أن يؤمن مستوى عال من الوحدة الوطنية التي يتطلبها التحرير بالطبع، ولن تكون معركة التحرير مفصومة عن غيرها من المعارك، فالفساد الكبير متضرر حتما من قضية التحرير المرتبطة بالضرورة بقضية التغيير..
ويدلل ما سبق على أولوية هذه المعركة، وأهميتها من حيث ارتباطها وشمولها على كافة الصعد المطلوب إنجاز التغيير فيها، لتحويل سورية برمتها إلى دولة مقاومة قائمة على أساس اقتصادي مقاوم بحق، وكذلك العمل على إنهاء الأسباب التي ساهمت على طول الخط بتقويض الدولة السورية، وحالت دون تبوءها موقع أفضل في معادلة الصراع ضد الكيان الصهيوني.
القضاء على مسلحي الخارج:
إن المسلحين غير السوريين القادمين من الخارج، ومن في حكمهم، لم ولن يكترثوا لسورية كلها، فهم من حيث المطالب غير آبهين بمصير سورية. ولك يكونوا سوى أداة بيد الغرب وأمريكا، مهمتها الأساسية خلط الأوراق، والعمل على تجذير الفوضى في المجتمع السوري عبر العنف والتسليح. وعليه فإن الحسم ضد هذا النوع من المسلحين مطلوب.
والحسم هذا لن يبصر النور ما لم يتفق عليه المجتمع السوري بكافة قواه الوطنية، ومن هنا تتبدى قضية ملاقاة المسلحين القابلين للحوار والذين يشكلون جزءاً من الحراك الشعبي الذي ما زالت له مطالبه المحقة حتى اليوم. وهذا ما يتطلب الرغبة الصادقة والاقتناع التام بالحل السياسي حلا وحيدا للأزمة الراهنة.
إن المعارك الأربعة التي أسلفنا ذكرها سابقاً ليست مفصولة عن بعضها البعض، وما جعلها في مقدمة النضال هو ذاك الرابط الواضح بينها من حيث أنها تعيد للصراع الحقيقي داخل المجتمع دوره ووضوحه المطلوبين من أجل إنهاء التأثير الكارثي للثنائيات الوهمية على سورية، فلا الحل السياسي، ولا لقمة المواطن، ولا الأرض المغتصبة، ولا إنهاء العنف مطالب يُطرب لها الفساد الكبير. وهي كذلك عمق المطالب التي تحملها القوى الوطنية مهما كان موقعها الحالي من الصراع. إن المعارك الأربعة السابقة تكفل إعادة فرز المجتمع برمته على أساس الثنائية الحقيقية «وطني ـ غير وطني»..