د. قدري جميل لـ«حديث البلد»: أهــم الأولويـــات اليــوم اســــتمرار «الدعم الحكومي» لمعيشة المواطنين

د. قدري جميل لـ«حديث البلد»: أهــم الأولويـــات اليــوم اســــتمرار «الدعم الحكومي» لمعيشة المواطنين

أجرت القناة الفضائية السورية لقاءً مع الرفيق الدكتور «قدري جميل» أمين حزب الإرادة الشعبية، نائب رئيس مجلس الوزراء السوري للشؤون الاقتصادية- وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك، ضمن برنامج «حديث البلد» بتاريخ 19/6/2013،

تناول جملة من القضايا المتعلقة بالأوضاع الاقتصادية للشعب السوري، فيما يلي نص اللقاء الذي تخلله عدد من التقارير والاستطلاعات:

دون الحل السياسي الشامل
لن تحل أسباب الأزمة
ما رأيك حول الأسباب التي وردت في التقرير الذي شاهدناه قبل قليل المتعلقة بتدهور الأوضاع الاقتصادية في البلاد وآخرها تدهور وضع الليرة السورية مقابل الدولار؟
أوافق على كل ما ورد في التقرير المعد من قبلكم جملة وتفصيلاً، ذكر التقرير العوامل المختلفة المؤثرة على الأزمة السورية سواءً العوامل الموضوعية أو الذاتية. أعتقد أنه من الصعب ضمن الظروف الحالية التحكم بهذه العوامل لأن لها علاقة بالظرف السياسي العام والحصار الاقتصادي الجائر والوضع العام للطرقات والمواصلات. وهي عوامل مؤئرة على الأزمة الاقتصادية والتموينية، حتى على سعر الصرف. يبقى العامل الثالث، وقد قلت سابقاً إنه يمكن تقسيم أسباب الأزمة إلى ثلاثة أجزاء:
الثلث الأول (الحصار ومشتقاته)، الثلث الثاني (الوضع الأمني- العسكري ومشتقاته)، الثلث الثالث (جهاز الدولة ودوره وإمكانياته وقدراته وبنيته وسياساته).
بالنسبة للثلثين الأول والثاني لن أتوقف عندهما، فهما يتعلقان بالحل السياسي الشامل للأزمة السورية. إن نتائج قمة مجموعة الثماني التي جرت في دبلن بأيرلندا تفيد بأنه إذا ذهبنا إلى الحل السياسي فإن كل ما يتعلق بالثلثين المذكورين (الأول- الثاني) سوف يحل.

العدو الخارجي لن يوفر
إمكانية استخدام سلاح الدولار
ولكن الجيش العربي السوري يحقق الآن انتصارات هامة؟
الانتصارات العسكرية شيء وانعكاس ذلك على الأوضاع الاقتصادية وأسعار المواد شيء آخر، لذلك الحصار بنتائجه إلى الآن يفعل فعله في الحالة السورية، ومؤخراً ازدادت الأوضاع الداخلية سوءاً، والآن أُضيف عامل آخر إلى ما سبق، وهو الليرة السورية وعلاقتها بالدولار كنتاج للحصار والهجوم الاقتصادي الذي يجري على سورية.
وساذجٌ جداً مَنْ يظن أن الارتفاع الكبير في قيمة الدولار قبل يومين مقابل قيمة الليرة السورية عوامله داخلية فقط، أعتقد أن أكثر عوامل هذا الارتفاع غير داخلية.
ولذلك عندما نتحدث عن الحصار يجب أن نتحدث عن الدولار أيضاً، وهذا يعني أن الدولار يجري اللعب فيه، وإلا كيف يمكن تفسير أن يقفز الدولار بين ليلة وضحاها إلى 240 ل.س ثم يهبط إلى مستوى 170 ل.س؟!!
برأيكم العدو الخارجي سيستغني عن إمكانية استخدام سلاح الدولار، والتأثير على قيمة الليرة السورية إذا أتيحت له هذه الإمكانية؟
هل يمكن اعتبار ما تقدمت به هو التفاف على عجزهم بأخذ البلد سياسياً وعسكرياً وبالتالي خيار اللجوء إلى الحرب الاقتصادية؟
نعم هذا ما يحصل بالضبط. ولكن هنا أريد أن أوضح مسألة في غاية الأهمية، السياسة تعني التنبؤ، فالذين كانوا غير قادرين على التنبؤ بأن الليرة السورية سوف تتعرض للهجوم المكثف، فهم على خطأ كبير، منذ البداية كان رأيي بأن الهجوم على العملة السورية سيحصل وكان ذلك عندما جرى الهجوم المكثف في الفترة الماضية على عملة التومان في إيران.
وبالتالي كان يجب الاستعداد الاستباقي من الحكومة لهذا الهجوم المتوقّع عبر تجهيز الدفاعات الضرورية للدفاع عن قيمة العملة الوطنية.

هجوم الدولار كان متوقعاً في ظل غياب الدفاع الاستباقي
يفهم من كلامك أنه لم يتم الاستعداد لهذا الهجوم المتوقع؟
المشكلة برأيي أن الكثيرين لم يصدقوا أنه سيجري هذا الهجوم على الليرة السورية، حتى أن البعض بالغ في تقدير إمكانياته وقدراته في الدفاع، في ظل أن الدفاعات لا تظهر إمكانياتها ونقاط ضعفها إلا بالتجريب عبر الاستطلاع بالنار.
حالياً ما جرى في سوق الصيارفة هو استطلاع بالنار لكشف مدى قوة الليرة السورية. وتبيّن نتيجة ذلك وجود ثغرات في الجبهة الاقتصادية السورية، كما جرى عملياً اختراق دفاعات العملة الوطنية. وهذا الاختراق جرى عبر الأسواق المجاورة لسورية، وهذا الأمر لا يظهر على السطح كثيراً لأنه مسموح في سورية تداول الدولار محلياً. خذي مثلاً ما جرى في سبعينيات القرن العشرين في سورية، كان التأثير على الليرة السورية في تلك الفترة يجري من الخارج (الأسواق المجاورة بالتحديد)، وكان هذا التأثير يظهر على السطح مباشرة لأنه ببساطة لم يكن مسموحاً تداول الدولار داخلياً.

«للفريق الاقتصادي»
دور كارثي في تاريخ سورية
ومن هنا يجب توضيح ما هو دور الفريق الاقتصادي، اللجنة الاقتصادية ووزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، إزاء كل ما يحصل؟
أولاً لابد هنا من التوضيح والتدقيق، مجلس الوزراء منقسم إلى عدة لجان منها اللجنة الاقتصادية، لجنة الخدمات، لجنة التنمية، لجنة طاقة... إلخ، وهذه اللجان تدرس القضايا التي هي صاحبة الاختصاص فيها، ثم ترفعها ضمن توصيات إلى مجلس الوزراء، صاحب القرار هنا إما مجلس الوزراء مجتمعين أو السيد رئيس مجلس الوزراء.
في حين أن اللجنة الاقتصادية مشكلة من /11/ عضواً بينهم /9/ وزراء، وهي لجنة تخصصية تبحث القضايا الاقتصادية، وتضع آراءها ثم ترفع توصياتها إلى من يلزم. ومن هنا لابد من التدقيق. وللعلم الآن في سورية لا يوجد «فريق اقتصادي»، سابقاً كان يوجد هذا الفريق وإذا دققنا في الفريق الاقتصادي السابق سوف نجد أن أعضاءه كانوا أعضاءً في لجان مختلفة.
أنت مع وجود فكرة الفريق الاقتصادي أم اللجان؟
الفريق الاقتصادي السابق كان تعبيراً إيديولوجياً يعبّر عن خط وبرنامج اقتصادي واضح طُبق في الفترة السابقة، وبالتالي الفريق الاقتصادي يعني أنه هناك مَنْ يعمل ضمن خط وبرنامج محدد دون أن يأخذ رأي الحكومة بعين الاعتبار، رغم أنهم (أعضاء الفريق الاقتصادي) كانوا أعضاء في لجان مختلفة. كما أن هذا الفريق لم يكن مشكلاً بقرار بل بفعل تداعي البعض إلى تشكيله بين بعضهم البعض.
اليوم توجد حكومة، والشيء الإيجابي هنا أنه لا يوجد حالياً فريق اقتصادي لأن هذا الفريق بالمحصلة كان دوره كارثياً في تاريخ سورية، الحل البديل هو أن تأخذ الهيئات والمؤسسات الحكومية دورها. ولذلك اليوم لدينا اللجنة الاقتصادية، مشكلة بقرار السيد رئيس مجلس الوزراء وتقوم بدورها وتحل القضايا التي تطرح عليها.

ضرورة حل التناقض بين الحاجات المتنامية والإمكانيات المتناقصة
سنرى ماذا حلّت هذه اللجنة من قضايا، أقول لك وبصراحة أنا لا أستطيع إلا أن أتقيّد بالنص الذي أعدّه معد البرنامج، ولا أن أخرج من سياق الأسئلة الموجودة أمامي؟
إذا بقي دوركم كإعلاميين في المؤسسة الإعلامية الرسمية مقيّداً بهذه الطريقة الجامدة فلن تستطيعوا الخروج من هذه البوتقة. هناك مستجدات يجب مناقشتها وطرحها وبالتالي ألن تطرحوا أسئلة على ضوء هذه المستجدات؟ وبالتالي أنا احتج على هذا التقييد لدوركم كإعلاميين...
.. بعد مرور أكثر من 27 شهراً على الأزمة في سورية، المواطن يجد أن أوضاعه المعيشية تذهب من سيىء إلى أسوأ، ورغم تفهمه لجانب من المبررات الموضوعية لهذه الأزمة إلا أنه يرى أن ما قامت به الحكومة من إجراءات لم يكن على المستوى المطلوب، ما رأيكم؟
أولاً بسبب الأزمة خلال السنتين الماضيتين انخفض الإنتاج المادي، الإنتاج السلعي (الصناعي والزراعي) أكثر من 50% حسب معطيات هيئة تخطيط الدولة. ماذا يعني أن ينخفض الإنتاج أكثر من 50%؟ يعني انخفضت الثروة المنتجة، وبالتالي انخفض الدخل مما انعكس على زيادة الفقر وارتفاع مستوى البطالة وصولاً لإرتفاع الأسعار.
وبالتالي السؤال الكبير الذي يمكن الاتفاق عليه والذي يتطلب الحل: هل يمكن في ظل هذا الوضع حل التناقض الذي يعانيه المواطن السوري بين الحاجات المتنامية والإمكانيات المتناقصة؟
المواطن السوري الذي يعيش في ظل الأزمة الحالية أصبح لديه حاجات جديدة مستجدة، مثلاً مَنْ تَدمر منزله أليس بحاجة إلى تعمير لمنزله، ومنطقة انقطعت عنها الكهرباء بفعل تخريب محولة الكهرباء أليست بحاجة لمعالجة هذه المشكلة، هذه المعالجة تتطلب تأمين محولة جديدة لهذه المنطقة بقيمة 400 مليون ليرة سورية. كل هذه تكاليف باهظة على الاقتصاد الوطني.
يُقدر حجم خسائر مؤسسات الدولة اليوم بـ 2000 مليار أي 2 تريليون ليرة سورية. وبالتالي ألا تنعكس كل هذه الأمور على التطور الاقتصادي في البلاد وعلى مستوى الأسعار وعلى لقمة الشعب؟
في سورية الآن عشرات الآلاف من الضحايا نتيجة الأزمة. نحن نعرف عدد الذين قتلهم الرصاص، ولكن لا نعرف عدد الذين قتلهم الجوع والبرد والمرض نتيجة الحصار الغربي الجائر على سورية.وبالتالي هذه القضايا كيف ستحل؟
البلد كلها تدفع ضريبة الأزمة الوطنية الشاملة العميقة، تدفع هذه الضريبة بأشكال مختلفة، تدفعها دماً ونقصاً في المواد وارتفاعاً في مستويات الأسعار وجوعاً وفقراً وبطالة. فالأزمة لها أوجه عديدة. ولذلك يجب قبل كل شيء انتهاء الأزمة لأنه دون انتهاء هذه الأزمة ودون الحفاظ على استقلال سورية لا يمكن لكل مشتقات هذه الأزمة أن تنتهي.

على المجتمع التحرك والخروج من إطار الدور الأبوي لجهاز الدولة
ولكن قد تكون هناك إجراءات من الحكومة لها إمكانية الحد من هذه الأزمة؟
قلت لك في بداية اللقاء إن الأزمة لها أسباب يمكن تقسيمها إلى: الثلث الأول «خارجي له علاقة بالحصار» والثالث الثاني «داخلي له علاقة بالأوضاع الأمنية والعسكرية» والثلث الثالث «له علاقة بجهاز الدولة ودوره وقدراته وبنيته وبرنامجه». وللتوضيح لا يوجد اليوم في سورية «سوبرمان» قادر على أن يحل المشكلة. القضية تحل بالنسبة للثلث الثالث في حال توافر شرطين:
1-الشرط الأول قدرة جهاز الدولة على التفاعل مع الظروف الحالية. إن مشكلة جهاز الدولة تتجسد بأنه يسير بقوة العطالة، كما أنه لا ينسجم مع فكرة التغيير. والمشكلة تتعلق بأداء جهاز الدولة، وهذا الأداء ليس له علاقة لا بسوبرمان ولا بوزير محدد «الوزير ليس على كل شيء قدير»، هناك ظروف وتشريعات وبنية وعقلية وتطور تاريخي هذا أولاً.
2-الشرط الثاني درجة تنظيم المجتمع، المجتمع تعلّم وعلموه مع الأسف الشديد خلال عشرات السنين أن يقف بعيداً وينتظر حتى يأتي الفرج. هذا المجتمع تعوّد على دور جهاز الدولة الأبوي، الذي يجب أن يحل كل الإشكالات والقضايا. الآن دخلنا مرحلة جديدة ومديدة وطويلة، والمجتمع إذا لم يكن فعالاً ونشيطاً في الضغط على جهاز الدولة لن يستطيع الخروج من إطار الدور الأبوي لجهاز الدولة.
من سيعطي المجتمع هذا الدور الفعّال إذا لم يكن له دور في القرار؟
هذا الدور ينتزع على الأرض، لا يعطى، ينتزع من قبل مجموعات المواطنين في أماكن تجمعاتهم (اللجان الخدمية ولجان توزيع الغاز والخبز والمواد التموينية... الخ)، هي أمثلة فعلية جرت مؤخراً في بعض المناطق ونجحت في التوزيع والإشراف والمراقبة الشعبية.
هذه المناطق نجحت في الاندماج في عملية التفاعل مع جهاز الدولة، وخلقت حالة من الرقابة على أعمال جهاز الدولة، وبالتالي المطلوب من المجتمع لا أن يكون نقاط ارتكاز واستناد لجهاز الدولة بل المطلوب أن يكون (عصا الرقابة) على أعمال جهاز الدولة، لأن جهاز الدولة تاريخياً نفسه أمارة بالسوء، وبالتالي مراقبته من المجتمع المنظّم لنفسه قضية ضرورية.
أعود وألخص الشرطين هما: الشرط الأول درجة أداء جهاز الدولة، الشرط الثاني درجة تنظيم المجتمع، ودون حل هاتين القضيتين من الصعب حل الأزمة السورية لأن الذهاب باتجاه سورية الجديدة يتطلب هذه الرسمة المتضمنة الشرطين المذكورين أعلاه.
الحكومة تفتقد لسياسات اقتصادية متوسطة وبعيدة المدى
هناك انتقادات من الشارع تجاه السياسات الاقتصادية للحكومة الحالية، خاصة وأنكم كنتم من المنتقدين من البداية لسياسات الفريق الاقتصادي السابق، على صفحات جريدتكم «قاسيون»، ما رأيكم؟
وجودنا في الحكومة الحالية ليس لتنفيذ سياسة جريدة «قاسيون» بل لتنفيذ سياسة الحكومة المتفق عليها في البيان الحكومي على أساس توافقات الحد الأدنى. لو كان وجودنا في الحكومة على أساس تنفيذ سياسة «قاسيون» لما كان البرنامج الحالي بهذا الشكل ولما كانت الحكومة بهذه التركيبة.
نحن دخلنا الحكومة على أساس تنفيذ برنامج عنوانه الأساسي «المصالحة الوطنية»، ونحن ذاهبون بهذا الاتجاه. المشكلة في هذه الحكومة أنها لا توجد لديها سياسات اقتصادية متوسطة وبعيدة المدى.
البيان الحكومي ركّز على الإجراءات السريعة لحل الأزمة وبالتالي هذا البيان كان يسلط الضوء على هذه الأزمة الشديدة، أي كانت هذه الحكومة هي حكومة إدارة الأزمة ومازالت كذلك. إدارة الأزمة تعني حل الأمور الناشئة عن هذه الأزمة أول بأول، في حين حل الأزمة تتطلب إحداثيات أخرى إنطلاقاً من أن الجذر الأساسي هو الأزمة السياسية وبالتالي من هنا يجب الذهاب باتجاه إدارة الأزمة بانتظار أن نذهب إلى حل الجذر الأساسي للأزمة.
تصريحاتك الحالية وخاصة بعد دخولكم الحكومة مختلفة عن تصريحاتكم السابقة، لماذا برأيكم؟
أنا لم أتغيّر. التصريحات اختلفت لأني مضطر أن أعبّر عن الرأي الحكومي المبني على أساس توافقي بين مجموعة آراء مختلفة داخل الحكومة.
برأيك في ظل ما يحصل، مَنْ صاحب القرار فيما يتعلق بالسياسات النقدية؟
عملياً القرار يصدر عن الحكومة مجتمعة، والمصرف المركزي لديه مجلس النقد والتسليف الذي يلتزم بتوجيهات الحكومة العامة. دائماً هناك نقاش داخل الحكومة حول أفضل الطرق للحفاظ على سعر الصرف. اليوم الحكومة فتحت خطوطاً ائتمانية أولها مع إيران، كما سمح للقطاع الخاص إلى جانب القطاع العام أن يموّل مستورداته عبر هذا الخط وهذا يعني أنه لم يعد يُعمل بالدولار، الدولار فقط وحدة قياس، وهو ما سيخفف الضغط على قيمة الليرة السورية.

المطلوب حظر تداول الدولار
في الأسواق المحلية
برأيك ما السبب وراء ارتفاع سعر الدولار وانخفاضه بين ليلة وضحاها؟
السبب وراء انخفاض الدولار يتجلى في تصريحين: التصريح الأول الصادر عن رئيس الحكومة بإعلانه فتح خط ائتماني مع إيران لتمويل مستوردات القطاع الخاص. والتصريح الثاني الصادر عن حاكم مصرف سورية بإعلانه التدخل في السوق. مجرد تصريحات صدرت عن الحكومة أدت إلى انخفاض الدولار.
ومن هنا يجب حماية الليرة من خلال الدفاع عنها ومنع الهجوم عليها وحظر تداول الدولار في الأسواق المحلية لأنها أداة الهجوم على الليرة السورية. أعود وأقول المواطن السوري لا يهمه الدولار، ما يهمه هو المعاش الذي يأخذه وحجم المواد التموينية المعيشية الحقيقية التي من الممكن تأمينه من خلال هذا المعاش. وبالتالي الدولار في سوق الصيارفة شيء، والليرة السورية كقوة شرائية للمواطن تؤمن إعادة إنتاج الحياة العادية له شيء أخر.
أعتقد أن إحدى أولويات الحكومة اليوم هي استمرار الدعم الحكومي لمعيشة المواطنين.
فيما يتعلق بالليرة السورية أريد أن أضيف ما يلي: في نهاية سبعينيات وأوائل ثمانينات القرن العشرين كان سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية وسطياً بحدود 5 ليرات، بعد سنتين من ذلك التاريخ قفز الدولار إلى الـ50 ليرة سورية أي ارتفع بحدود عشرة أضعاف، الآن كان الدولار بحدود الـ50 ارتفع إلى 200 ليرة سورية أي أربعة أضعاف.
برأيي إن سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية بـ200 ليرة سورية مبالغ فيه، السعر الحقيقي لصرف الدولار اليوم حسب التوازن بين الكتلة النقدية والكتلة السلعية في ظل تراجع الإنتاج الحقيقي أكثر من 50% وازدياد الكتلة النقدية بنسبة 70%، هو بحدود الـ100 ل.س، ويجب أن يكون هذا الحد استهدافاً تضعه الحكومة أمام نفسها والتزاماً تسعى لتحقيقه، أي العمل على خفض سعر صرف الدولار إلى الحد المنطقي الحقيقي له.
تدعيم الجبهة الداخلية
بالدفاعات الفعّالة
ما هي الآلية لتحقيق ذلك؟
أولاً تأمين جميع المواد التموينية الأساسية بالليرة السورية للمواطن عبر الخطوط الائتمانية دون المساس باحتياطي العملات الصعبة.
ثانياً السعي إلى الحل السياسي قدر الإمكان. لأنه لا يمكن فصل هذا الأمر (ارتفاع الدولار) عن الحديث المكثف عن الكيمياوي وتسليح المعارضة والتصعيد ضد سورية. الدولار الآن هو السلاح الأخير الثقيل الذي يتم استخدامه ضد الشعب السوري لإيصال الاقتصاد السوري إلى حالة الاحتشاء.
وهو ما لحظناه مؤخراً، وليس مصادفة كل هذا التصعيد ضد سورية قبل انعقاد قمة مجموعة الثماني في دبلن بإيرلندا.
برأيي لو أخذوا بعين الاعتبار منذ البداية كل هذه الأمور إضافة إلى صعود دول البريكس وهبوط دور دول السبع الذي برز بشكل واضح في قمة دبلن، لتم تجاوز الكثير من المشاكل وحلها وتدعيم الجبهة الداخلية بالدفاعات الفعّالة من خلال الاعتراف بوجود أزمة في الداخل السوري والعمل منذ ذلك الوقت على حلها. إلا أنه تبيّن إن الجبهة الاقتصادية من الممكن اختراقها، كما تبيّن وجود ثغرة ضعيفة في الجبهة الاقتصادية يمكن اختراقها وهي الليرة السورية وتحويل الأمر إلى كارثة اقتصادية في الداخل السوري.
وفي ظل هذا الوضع قمنا في الحكومة بوقف تمويل مستوردات القطاع الخاص من احتياطي البنك المركزي وضبط سوق الدولار قدر الإمكان وفتح خطوط احتياطية برانية لتغذية شرايين الاقتصاد السوري، وأيضاً تمويل العمليات الاستيرادية التي تستند لحاجات السوق الداخلية الفعلية الحقيقية (المواد الأساسية التي تشبع حاجات المجتمع) ضمن ضوابط محددة ومراقبة من الحكومة.
برأيك دكتور قدري ما هو مصير اقتصاد السوق الاجتماعي كنموذج في ظل الأزمة وبعدها؟
برأيي اعتماد النموذج الاقتصادي المطلوب سيكون مهمة البرلمان القادم والحكومة القادمة لرسم سورية الجديدة، فالسوريون ذاهبون إلى بناء نموذجهم القادم عبر حكومة الوحدة الوطنية التي ستهيىء للانتخابات الحرة التي ستسمح بدورها للمواطنين بانتخاب ممثليهم الحقيقيين للبرلمان، وعبر ممثليهم سيرسمون النموذج الاقتصادي الأفضل.