هل يمكن إنقاذ المناخ عبر «إصلاح ضريبي» رأسمالي؟

هل يمكن إنقاذ المناخ عبر «إصلاح ضريبي» رأسمالي؟

وجد تقرير صادر عن منظمة «أوكسفام» نُشر في أيلول الماضي 2020 بعنوان «مواجهة عدم المساواة في الكربون»، استناداً إلى بحث تم إجراؤه مع معهد ستوكهولم للبيئة، أن «الـ 1% الأغنى من البشر على مستوى العالم يتسببون في أكثر من ضِعف انبعاثات الكربون الصادرة عن ثلاثة مليارات إنسان الذين يشكلون الـ 50% الأفقر». ومع أنّ أوكسفام تفتش عن «إصلاحات» بطريقة ما، لكن ضمن إطار «مقدّسات» الرأسمالية، لأنّ مانحيها ومموليها كغيرها من «المنظمات غير الحكومية» الكبرى، هم الرأسماليون في نهاية المطاف. ولذلك فإنها رغم وضع يدها على المشكلة لكنها تفشل في الاقتراب من أي حل حقيقي ذي معنى. تلحق أنماط الحياة الفاخرة للواحد بالمئة الأكثر ثراءً، والتي يتصدرها البذخ الوحشي لطبقة المليارديرية، ضرراً بالبيئة أكثر من نشاط واستهلاك مليارات العمال الفقراء. ومع ذلك، فإن الفقراء هم الذين تُلقى عليهم باستمرار محاضراتٌ حول الحاجة إلى تقليل الاستهلاك من أجل إنقاذ البيئة.

عن موقع «البروليتاري» بتصرّف
تعريب وإعداد: د. أسامة دليقان

يصف مؤلف التقرير (تيم جور) كيف أن «التفاوت الشديد في الكربون» يقود العالم بلا هوادة نحو كارثة مناخية. على الرغم من صياغته بلغة مواربة إلى حد ما، إلا أن التقرير يكشف مع ذلك مَن هو المساهم الرئيسي في الجزء البشري الصنع من التغيُّر المناخي.

يركز السيد جور على «كيف تُنسب انبعاثات الكربون العالمية إلى الأفراد الذين هم المستهلكون النهائيون للسلع والخدمات التي تولدت من أجلها هذه الانبعاثات»، متجاهلاً دور «الفيل الضخم في الغرفة الصغيرة» الذي ينتج أسلحة الحرب ووقودها– وهو قطاع من الإنتاج الذي لا غنى عنه لحفنة من البلدان الإمبريالية الغنية لكي تستمر بسيطرتها.

التأييد «المحترم»

يبدأ التقرير باقتباس من الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون، الذي يشير إلى أن «نموذجنا الاقتصادي الحالي كان عاملاً مساعداً للتغير المناخي الكارثي والتفاوت الكارثي بالقدر نفسه». تم إكمال الثلاثي من المؤيدين الموقرين بالسكرتير العام لـ«المؤتمر النقابي الدولي» ITUC شاران بورو، الذي يدعو، بطريقة إصلاحية حقيقية، إلى «انتقال عادل» (لكن رأسمالي) وإلى «صوت على الطاولة لأولئك الأكثر تضرراً من حالة الطوارئ المناخية».

جوهر اللامساواة «كربوني» أم «اقتصادي»؟

«بحث جديد... يكشف عن التفاوت الشديد في انبعاثات الكربون في العقود الأخيرة التي دفعت العالم إلى حافة هاوية مناخية»، كما يقول جور، قبل أن يحدد نتائجه الصارخة:

«أغنى 10% من سكان العالم (حوالي 630 مليون شخص) كانوا مسؤولين عن 52% من انبعاثات الكربون التراكمية– مما أدى إلى استنفاد ميزانية الكربون العالمية بنحو الثلث (31%) في تلك السنوات الخمس والعشرين وحدها... وأفقر 50% (3,1 مليارات شخص) كانوا مسؤولين عن 7% فقط من الانبعاثات التراكمية، ويستخدمون 4% فقط من ميزانية الكربون المتاحة».

«أغنى 1% (63 مليون شخص) وحدهم كانوا مسؤولين عن 15% من الانبعاثات التراكمية، وعن 9% من ميزانية الكربون – أي: ضِعف نسبة أفقر نصف سكان العالم. وأغنى 5% (315 مليون شخص) كانوا مسؤولين عن أكثر من ثلث (37%) من إجمالي النمو في الانبعاثات، في حين أن النمو الإجمالي في انبعاثات أغنى 1% كان ثلاثة أضعاف نمو أفقر 50%».

هذا هو العالم في ظل نمط الإنتاج الرأسمالي، حيث يتسبب 63 مليون شخص الذين في قمة الهرم الطبقي بأكثر من ضعف الضرر البيئي الذي يلحقه 3,1 مليار نسمة (وهو عدد أكبر بحوالي 50 مرة) والذين بفضل كدحهم فقط يعيش مَن هم في القمة.

كما تبدو هذه الأرقام بشكل صارخ، نعتقد أنه سيكون أكثر وضوحاً أن نرى نسبة الشريحة المئوية الأعلى التي يمثلها 0,1% أو حتى 0,01% بحياتهم الترفيهية الفاخرة، الاستهلاك والثروة التي لا يمكن تصورها، والسفر بين مساكنهم المتعددة مع حاشية كبيرة في طائرات الهليكوبتر والطائرات الخاصة واليخوت الفائقة.

تُعرَّف ميزانية الكربون العالمية المشار إليها أعلاه بأنها «الحد الأقصى لمقدار الانبعاثات التراكمية التي يمكن إضافتها في حالة الإبقاء على الارتفاع في متوسط درجة الحرارة العالمية دون مستوى معين، مثل: هدف اتفاقية باريس 1.5 درجة مئوية، وبعد ذلك صافي الانبعاثات يجب أن تكون صفراً».
يحذر جور من أنه «ما لم تستمر الانبعاثات في الانخفاض بسرعة»، كما حدث خلال شهور الإغلاق هذا العام، فإن «ميزانية الكربون العالمية 1,5 درجة مئوية ستستنفد بالكامل بحلول عام 2030».

ومن الجدير بالذكر، أن التقرير يعترف، في الوقت الحالي، بأن «عدم المساواة هذا هو من النوع الذي يجعل أغنى 10% وحدهم يستنفدون ميزانية الكربون بالكامل بعد بضع سنوات فقط، حتى لو قام كل البشر الباقين بتخفيض انبعاثاتهم إلى الصفر اعتباراً من يوم غد»!

لذا، بينما يحاضر بعضنا في الطبقة العاملة إلى ما لا نهاية حول الحاجة إلى تغيير أنماط حياتنا، والتخلص من بعض «الكماليات» المفترضة في الحياة، مثل: أكل اللحوم والسفر بالطائرة... تبين أن كل هذا الحرمان لن يحدث بالكاد سوى فرقٍ لا يُذكَر في الواقع، إذا استمرّ أغنى أعضاء هذا المجتمع المتعفِّن، في إسرافهم الجامح، وإنكار جميع آثار تضحياتنا.

ويتابع التقرير: «مع ذلك، في حين تسبب الوباء في حدوث تقلص فوضوي وغير عادل في كثير من الأحيان في الاستهلاك حول العالم، فقد أظهر أيضاً أن يغير الأغنياء في المجتمع أنماط حياتهم التي تفوق التصوّر، يمكن أن يكون ذلك لصالحنا جميعاً».

لا يشير السادة في أوكسفام هنا إلى «الثورة الاشتراكية» طبعاً (لأن التقرير يفترض بقاء أغنياء وفقراء). بل لديهم فكرة أكثر قبولاً واستساغة للأثرياء: «السياسات العامة- من فرض ضرائب على الكربون الفاخر، مثل: سيارات الدفع الرباعي، ورحلات درجة رجال الأعمال المتكررة والطائرات الخاصة، إلى توسيع البنية التحتية الرقمية ووسائل النقل العام- يمكن أن تقلل الانبعاثات، وتقلل اللامساواة وتحسّن الصحة العامة»

الاشتراكية هي الحل

يجب أن يكون واضحاً حقيقة أن الاشتراكية هي التي سوف تتخلص من ظواهر، مثل: إهدار الموارد الذي نراه اليوم في أنماط الحياة المترفة التي يعيشها الأثرياء اليوم، أو مظاهر إنتاج قطع لا نهاية لها من البلاستيك وغيرها من البضائع التي يستمر إنتاجها بالدرجة الأولى لأنها تحقق أرباحاً للشركات التي تنتجها.

أما في ظل الاشتراكية، فسوف يتم وضع العلم والتكنولوجيا في خدمة العمال حتى يتمكنوا من حل مشاكل حيوية، مثل: الحاجة إلى العيش بشكل مستدام وفي وئام مع الطبيعة.

لكي تكون «أخضرَ» حتى النهاية، يجب أن تكون أحمر!


المقال الكامل الذي اختصرناه هنا مؤرخ في 3 كانون الأول 2020 وموقَّع باسم «كُتّاب بروليتاريّون» على موقع «الشيوعيين» thecomunists.org التابع للحزب الشيوعي البريطاني (الماركسي- اللينيني). من الناحية العلمية تصرّفنا بموضوعة نسب كلّ التغيّر المناخي لعوامل بشرية، ووضعنا بدلاً منها «الجزء البشري الصنع من التغير المناخي» بسبب وجود أدلة علمية على أنّه ليس «كلّ» التغير المناخي بشري الصنع، بل يرجح وجود عوامل طبيعية كونية تتعلق بالتأثيرات المتبادلة بين الأرض والشمس على مدى دهور مثلاً– ولا نشارك كثيرين «قلقهم» من أنّ هذا قد يضعف نضال المدافعين ضد الرأسمالية، بل بالعكس يضعه على أرضية علمية أكثر رصانة، لأنّه لا شكّ أيضاً بأنّ التلوث والانبعاثات وغيرها من سموم تساهم في التغير المناخي، وبالتالي مسؤولية البشر تغيير الجزء الذي يستطيعون تغييره في معادلة التغير المناخي المعقّدة هذه.

معلومات إضافية

العدد رقم:
998