مجلة «الطبيعة» تدعو إلى الاستفادة من خبرة الصين في الحفاظ على التنوع الحيوي
شكّل المقال الافتتاحي لعدد مجلة الطبيعة Nature البريطانية، في 22 أيلول 2020، أحد الانعطافات المهمة التي تعكس مساعي الجالية العلمية الدولية إلى استكشاف ومناقشة خبرات ونماذج مختلفة عن الأنماط الغربية السائدة في مقاربة مشكلات البيئة والتنوع الحيوي، والتي وصلت إلى شفيرٍ خطير يهدّد مستقبل الجنس البشري نفسه. ونقدم فيما يلي الترجمة الكاملة لهذا المقال، والذي نبّه أيضاً إلى أهمية مؤتمر دولي حول التنوع الحيوي سوف ينعقد في مدينة كونمينغ، عاصمة محافظة يونان جنوبي غرب الصين، هذا العام 2021.
مجلة الطبيعة
تعريب: د. أسامة دليقان
يتمتع باحثو الصين بخبرات قيِّمة يحتاج العالم إلى سماعها، بينما تستعد الصين لتولي دور حاسم في إدارة التنوع البيولوجي العالمي، يجب أن يتم الاستماع إلى آراء الباحثين الصينيين في هذا المجال. أكدت الأمم المتحدة في منتصف أيلول من العام 2020 أن العالم فشل مرة أخرى في تحقيق أهدافه في حماية الطبيعة. تم تقديم هذا الاستنتاج القاتم في الإصدار الخامس من «تقرير التوقعات العالمية للتنوع البيولوجي للأمم المتحدة».
كما استعرض التقرير الصادر عن «اتفاقية الأمم المتحدة بشأن التنوع البيولوجي» فيما إذا كان قد تحقق تقدّم في إنجاز نحو 20 هدفاً للتنوع البيولوجي حددتها الدول المشاركة في الاتفاقية لأنفسها في «أيشي» باليابان قبل عقد من الزمن. فتبيَّنَ أنه لم يتم تحقيق، ولن يتم تحقيق أيّ من هذه الأهداف، بحلول الموعد النهائي في نهاية 2020. وكان من بين تلك الأهداف مثلاً: الحصاد المستدام للأسماك، والسيطرة على انتشار الأنواع الغازية، ومنع انقراض الحياة البرية المهدَّدة.
مليون نوع حيّ معرَّض للانقراض!
في العام 2019، أظهر تحليل أجراه «المنبر الحكومي الدولي للعلوم والسياسات في مجال التنوع البيولوجي وخدمات النظم البيئية» أن حوالي مليون نوع من أنواع النباتات والحيوانات معرضة لخطر الانقراض. وكان أحدث مؤشر أصدرته «الجمعية الخيرية للحياة البرية التابع للصندوق العالمي للطبيعة»، والذي نُشر في وقت سابق في أيلول 2020، يدق ناقوس الخطر أيضاً، حيث أشار إلى أن أعداد الفقاريات التي تمت مراقبتها بين عامي 1970 و2017 قد انخفضت بمعدل 68%.
إنه ليس وقت الندم أو الاعتذار، بل الاستعجال بالتصرف. يجب على جميع الدول تفعيل المزيد، لكن الصين تجشّمت عناء النهوض بمسؤولية كبيرة على عاتقها: فهذه الأمة، جنباً إلى جنب مع قادة اتفاقية التنوع البيولوجي التابعة للأمم المتحدة، ستستضيف بشكل مشترك «مؤتمر الأطراف» COP القادم في كونمينغ 2021. هذه القمة، التي كان يفترض أن تُعقد أصلاً في عام 2020، مطلوبٌ منها تحديد أهداف التنوع البيولوجي للعقد القادم.
كانت الأهداف السابقة محكومةً بالفشل، جزئياً، بسبب أن شكلها عسَّرَ قياسَ التقدم، ولأن البلدان لم تكن ملزَمَةً بالإبلاغ عمّا تفعله. يجب أن يتغير هذا الآن. ويجب أن تنسجم الأهداف أكثر مع نظام الأمم المتحدة للمحاسبة الاقتصادية البيئية، والذي أصبح المعيار العالمي لإعداد التقارير البيئية. فدون هذه التغييرات، من شبه المؤكد أن المجموعة التالية من أهداف التنوع البيولوجي ستفشل مرة أخرى.
وفي الوقت نفسه، يجب أن يحضر علماء التنوع البيولوجي والباحثون السياسيون في الصين على الطاولة أيضاً، حيث تبدأ خطط كونمينغ في التبلور. تمتلك الصين عقوداً من الخبرة في دراسة كيفية تحقيق– وعدم تحقيق– التوازن بين التنمية الاقتصادية والسيطرة على الأنواع وفقدان النظم البيئية. يحتاج العالم إلى الاستماع.. إلى أن يستمع من الصين إلى هذه القصص بكل تعقيداتها.
فلنَتَعلَّمْ من الصين
يؤكد تقرير التوقعات العالمية للتنوع البيولوجي: أنَّ الأنواع المعروفة تسير على طريق سريع للانقراض، مع وجود أنواع، والشعاب المرجانية من بين المجموعات الأكثر تعرضاً للخطر. [السيكادcycad نبات ينمو في المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية، يحمل مخاريط كبيرة ذكرية أو أنثوية. كانت السيكاسيات متوفرة بكثرة خلال العصرين الترياسي والجوراسي، لكنها تراجعت منذ ذلك الحين – المعرِّب].
ويظهر التقرير أنه على الرغم من تباطؤ إزالة الغابات في العقد الماضي، لا تزال الغابات مقسَّمة بسبب الزراعة وقطع الأشجار والنمو الحضري. ستؤدي هذا التجزئة إلى زيادة الإضرار بالتنوع البيولوجي وزيادة انبعاثات الكربون.
لا يزال الطلب على الإنتاج الغذائي والزراعي يشكل المحرك الرئيس لفقدان التنوع البيولوجي، دون مساعدةٍ من الحكومات. في المتوسط ، يستثمرون حوالي 500 مليار دولار أمريكي سنوياً في المبادرات التي تضرّ بالبيئة، متجاوزين تمويل مشاريع التنوع البيولوجي بمُعامل 6، كما يقول التقرير.
الشعب الصيني يستجوب قيادَتَه
لدى الصين مجموعة من الخبرات التي يمكن أن تساعد العالم على تعلم دروس قيمة. أدى نموها الاقتصادي السريع إلى انتشال جيل من الفقر؛ ومع ذلك، فقد أدى ذلك إلى سلسلة من المشكلات البيئية، ليس أقلها التلوث المرتفع في الهواء وعلى الأرض.
لقد قام الشعب الصيني باستجواب قادته حول مسألة التقليل من شأن الآثار البيئية والاجتماعية للنهضة الصناعية. واستجابةً لذلك تعمل السلطات الصينية مع باحثين من الصين ومن جميع أنحاء العالم لرسم طريق أكثر اخضراراً للمضي قدماً. على سبيل المثال: تعمل الإدارات الوطنية والمحلية على ابتكار وتجريب الأهداف البيئية، وإنشاء آليات لرصد التقدم المُنجَز والإبلاغ عنه، وإن كان ذلك بنجاحٍ متفاوت.
تتضمن إستراتيجية التنوع البيولوجي الوطنية في الصين إنشاء ما تسميه «الخطوط الحمراء»، وهي المجالات التي يتم فيها تقييد الأنشطة البشرية لحماية التنوع البيولوجي في جميع أنحاء البلاد.
ثم هناك «مبادرة الحزام والطريق» BRI الصينية البالغة قيمتها 6 تريليونات دولار أمريكي، وهو برنامج ضخم لبناء الطرق والموانئ والبنية التحتية، والتي ستمر عبر الموائل الطبيعية في جميع أنحاء آسيا وأوروبا وإفريقيا. لم يأتِ الكثير من هذا الاستثمار في البداية مع ضمانات للتخفيف من المخاطر البيئية، ولكن تتم الآن دراسة هذه الضمانات بنشاط.
مؤتمر كونمينغ 2021
وأخيراً وليس آخراً، توجد في الصين مجموعة كبيرة من الباحثين الذين يعملون على التحديد الكمي، من الناحية النقدية، لقيمة رأس المال الطبيعي وخدمات النظام البيئي، بحيث يمكن للأشخاص وصانعي السياسات أن يفهموا بشكل أوضح أنَّ خدمات الطبيعة للناس لا تأتي مجاناً.
في 30 أيلول 2020، التقى رؤساء الحكومات في الأمم المتحدة ليومٍ من المحادثات حول التنوع البيولوجي، قبل مؤتمر كونمينغ لعام 2021. تحدثت مجلة «الطبيعة» Nature إلى عدد من ممثلي الوفود الوطنية الذين خططوا لحضور هذا الاجتماع، بمن فيهم باحثون ومراقبون غير حكوميين. يريد الجميع أن ينجح مؤتمر كونمينغ في الجمع بين الدول والتوصل إلى اتفاق بشأن أهدافٍ قابلة للقياس وذات مغزى. لكنهم أعربوا عن قلقهم إزاء الإشراك المحدود للحكومة الصينية بشأن أهدافها أو إستراتيجيتها لكونمينغ، والمشاركة المحدودة نسبياً لباحثيها في العملية حتى الآن.
كان للعلماء في الصين دورٌ محوري في رحلة الحفاظ على بلادهم والتنمية الاقتصادية. يمكن أن توفر خبرتهم الجماعية- حول ما ينجح وما لا ينجح- فرصاً تعليمية مهمة للبلدان، لأنها تتطلع إلى إبطاء وعكس عملية فقدان التنوع البيولوجي والنظام البيئي في نهاية المطاف. هؤلاء الباحثون في أكاديمية العلوم، في الجامعات، في أكاديمية التخطيط البيئي، وفي مجتمع المنظمات غير الحكومية الصينية والدولية.
ينشط الكثيرون أيضاً في «المجلس الصيني للتعاون الدولي بشأن البيئة والتنمية»، وهي منظمة تقع مقرّاتها في كلٍّ من كندا والصين، والتي اختتمت الأسبوع الماضي مؤتمراً استمر على مدى يومين لتقديم أحدث مخرجاتها البحثية. هذه الهيئة الاستشارية المهمة، ولكن غير المعروفة، والتي يبلغ عمرها الآن ما يقرب من ثلاثة عقود، كان لها دور فعال في ربط مجتمعات العلوم البيئية والسياسة البيئية في الصين مع نظرائها الدوليين.
في العام 2021 ستكون المرة الأولى التي تستضيف فيها الصين اجتماعاً بيئياً دولياً (على غرار اتفاقيات باريس المناخية لعام 2015) والتي إذا فشلت سوف يترتب عليها مخاطر أكبر من كلّ ما سبق. يجب أن تعتمد البلاد على تنوعها الثري من المواهب والخبرة. يجب أن يكون باحثو الدول الأخرى صريحين على قدم المساواة مع معارفهم. يجب على جميع الأطراف تنحية الخلافات السياسية جانباً من أجل الاتفاق على أهداف طموحة، وطرق لتحقيقها وطرق لقياس التقدم.
أفضل طريقة للحفاظ على التنوع البيولوجي وإحيائه هي الاعتراف بالمكان الذي فشلنا فيه جميعاً من قبل، والتعلم من ذلك والمحاولة مرة أخرى معاً.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 999