تراكم العقوبات صفعة للاستعمار الجديد وحافز للاستقلال
دعماً لحكومة الدُمى في أوكرانيا، قامت الكثير من الشركات الأوروبية والأمريكية بالانسحاب من الأعمال التجارية في روسيا. الغرض المفترض من هذه العقوبات خنق اقتصاد الدولة وشعبها حتّى يخضعوا لإرادة الإمبرياليين. لكن الأحداث التي تجري اليوم في أوروبا الشرقية تدفعنا لنلقي نظرة من زاوية أخرى على العقوبات المفروضة على الاتحاد الروسي، وأن نخرج ببعض الاستنتاجات والأسئلة المنطقية.
صحيح أنّ العقوبات تخنق وتقتل، وخاصة في البلدان التي لا يمكنها الوصول إلى السلع والمواد الضرورية والتكنولوجيا المعقدة التي تحتاج لاستيرادها. لكن هناك جوانب أخرى للعقوبات: النهب من خلال «مصادرة» الأصول العائدة للبلد الخاضع للعقوبات، والقرصنة والسرقة بأسماء مستعارة... ما يترك عواقب وخيمة على الشعوب، لكنّه يفتح في الوقت ذاته آفاقاً حان وقتها.
يلقي معظم الغربيين بثقلهم في هذه الحرب الدعائية خلف حكومة أوكرانيا التي تمّت هيكلتها على أفكار تفوّق العرق الأبيض، والتي أنشأها الانقلاب المدعوم من محور الهيمنة في ٢٠١٤، بما في ذلك الأعمال التجارية الأمريكية والأوروبية. نشرت العديد من وسائل الإعلام بفخر قوائم الشركات الخاصة التي تقطع التبادل التجاري مع روسيا، أو تسحب أنشطتها منها. دأب الإعلام على إظهارهم كأبطال ينثرون خيرهم على الشعب الأوكراني.
خلال أسبوع واحد، أعلنت الشركات التالية أنّها لن تتعامل مع روسيا بعد اليوم: ألفابيت «غوغل ويوتيوب»، وإيرباص، وبوينغ، وديزني، وإكسون-موبيل، وفيسبوك، وفورد، وهارلي دافيدسون، وماستركارد، ومايكروسوفت، وآبل، ونتفليكس، وريديت، وسناب، وتويتر، وفيزا، وماكدونالد، وكوكا كولا، وبيبسي، وكثيرون غيرهم على الأرجح. بالإضافة إلى هذا «النزوح» الجماعي، تمّت إضافة فصل روسيا بشكل جزئي من نظام سويفت، وإلغاء وضعها كشريك تجاري مفضّل...إلخ، وهي الأمور التي تفرض بالتأكيد عواقب على الرفاه المالي والاقتصادي لروسيا، في الوقت الحالي على الأقل.
رغم أنّ خطورة تأثير العقوبات على الشعب الروسي واقتصاد البلاد ليس مزحة، فمن الصعب ألّا يبتسم المرء ساخراً عندما يسمع بأنّ حرمان الشعب الروسي من أفلام ديزني، أو أثاث إيكيا أو دراجات هارلي دافيدسون النارية سيعني عقاباً كبيراً للشعب الروسي. يا إلهي، كيف سيتمكن الروس من النجاة دون أثاث مسطّح يمكن تركيبه؟ تكشف هذه الأمثلة، بغضّ النظر عن مدى هزليتها، عن أبعادٍ أخرى للعقوبات على جانبيها: سواء جانب فارض العقوبات، أو جانب متلقي العقوبات.
العقوبات والنرجسيّة
من جانب القوى التي تفرض العقوبات، تظهر النرجسيّة بشكلها المطلق الذي يصل حدّ الوقاحة. تفترض هذه العقوبات بأنّ الدولة الخاضعة للعقوبات لن تكون قادرة على العمل بدون المنتجات والخدمات التي منعت عنها. بمعنى آخر، الفكرة الضمنية أنّ الدولة الخاضعة للعقوبات لن تكون قادرة على البقاء دون أن ترفع عنها العقوبات، وأنّ حكومة هذه الدولة أمام خيار التسليم والخضوع، أو السقوط. يُبنى هذا الاعتقاد على أنّ الدول فارضة العقوبات تقدّم أشياء أساسية لا يمكن للدولة المعاقبة أن تستغني عنها، وإلّا فالعقوبات لا قيمة لها.
علاوة على ذلك، فالافتراض الأوروبي- الأمريكي هو أنّه لا يمكن لأحد الاستغناء عن السلع والخدمات الغربية، فهم كما ينظرون إلى أنفسهم في المرآة أهمّ من أنّ يتمّ الاستغناء عنهم. هذا الاعتقاد إيديولوجي واقتصادي على حدّ السواء. يحتاج محور الهيمنة إلى إمكانية وصول غير مقيّد إلى الأسواق من أجل شرعنة وتبرير هذا النوع من «التميّز».
لكن لسوء حظّ الأوروبيين والأمريكيين، فالدول الأخرى الموجودة على الكوكب، وخاصة تلك الموجودة خارج مجال الهيمنة الأوروبي الأمريكي، ينتهي بها المطاف بالاستغناء عنهم. لطالما كانت هذه الفرضيّة أساساً جوهرياً للإيديولوجيا الاستعماريّة، فقد ادّعت القوى الاستعمارية على الدوام بأنّه لا يمكن الاستغناء عنها لكي تستمر المستعمرة بالأداء بشكل صحيح. حتّى في فترات التي توشك فيها المستعمرات على الاستقلال، كانت القوى الاستعمارية تستمرّ بالادعاء بأنّ الدول المستقلّة حديثاً ستفشل دون دعم قوى الاستعمار الغربية. كانت هذه هي الحجة الدائمة وراء التبرير الإيديولوجي للاستمرار في الأنشطة الاستعمارية الجديدة، والتعامل الإمبريالي مع المستعمرات السابقة.
كيف يمكن لهذه النفوس المسكينة أن تعمل وتنجح بدون أسيادها المستعمرين؟ الاعتقاد الإيديولوجي بأنّ القوى الاستعمارية لا غنى عنها لأداء المستعمرة ليس فقط نبوءة ذاتية وخاطئة، بل تعمل أيضاً كغطاء لحقيقة أنّ المستعمرين هم أشخاصٌ لا غنى عنهم لسير عمل بلد ما، وبالتالي تدخلهم مبرر. يعتقد الرأسمالي، بالطريقة نفسها، بأنّه لا غنى عنه للإنتاج، بينما الحقيقة أنّ العمّال هم من يديرون المصنع ويشغلونه ويحققون عملية الإنتاج.
هذه النرجسيّة الإيديولوجيّة لا تقلّ أهميّة عن الإيديولوجيّة الإمبريالية التي تستهدف الاتحاد الروسي منذ سقوط الاتحاد السوفييتي. فإلى جانب النهب المطلق لروسيا واستعمارها الجديد طوال فترة التسعينات، فمجموعة العقوبات المفروضة اليوم على روسيا هي استمرار لهيمنة المحور الإمبريالي. تقوم إستراتيجيته على فكرة أنّه لا توجد طريقة لأحد أن يتصورها يمكن لروسيا من خلالها أن تستمر وتبقى على قيد الحياة اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً بشكل مستقل عن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. هناك بالطبع الكثير من المبررات الاقتصادية والمالية لتبرير مثل هذا الافتراض، لكن إلى جانب هذه الافتراضات المسليّة إيديولوجياً، فالافتراض الأساسي أنّ روسيا لا يمكنها أن تنجح في البقاء دون الولايات المتحدة وأوروبا، وأنّ لروسيا دوراً ثانوياً تلعبه في أحسن الأحوال.
مبالغة دول الاستعمار في مدى قوتها قد انكشفت عند تحقيق نضالات التحرر والاستقلال المناهضة للاستعمار في جميع أنحاء العالم بعد عام ١٩٤٥. يمكننا اليوم إضافة اسم الاتحاد الروسي إلى قائمة الدول التي قاومت سياسات الاستعمار عبر مقاومتها ورفضها الهيمنة الأمريكية والأوروبية.
فرض الاستعمار وإنهاء الاستعمار
من جانب البلد الخاضع للعقوبات، يمكن أن تكون الأمور صعبة على أقلّ تقدير. يحتاج المرء فقط للنظر إلى حال كوبا وإيران وفنزويلا وينكارغوا وسورية وكوريا الشمالية وغيرها، ليشهد الصعوبات والكفاحات التي تواجهها شعوب هذه البلدان بسبب العقوبات. تجعل العقوبات الحياة صعبة بالنسبة للناس، خاصة عندما يتمّ تطبيق العقوبات على الإمدادات الطبية وغيرها من الموارد المنقذة للحياة، والموارد الأساسية. كما يقال: العقوبات قاتلة.
مع ذلك، ليست جميع الدول الخاضعة للعقوبات متساوية. تختلف العواقب الاقتصادية بشكل طبيعي من بلد لآخر. فإذا ما تحدثنا عن كوبا أو فنزويلا أو حتّى إيران، فهي تتعامل مع العقوبات بشكل مختلف عن بلد مثل روسيا. تختلف روسيا عن هذه الدول في حجمها وإمكانية وصولها إلى الموارد، وتاريخها، وغير ذلك من العوامل. إنّ عواقب فرض عقوبات على روسيا بالنسبة لفارضي العقوبات لن تكون نفسها عواقب فرض عقوبات على نيكارغوا. في ضوء ذلك يأتي السؤال: هل استهان محور الهيمنة بالهدف الذي صبّ عليه جام غضبه؟
دون تجاهل أيّ شيء يتعلّق بالشرور التي تولّدها العقوبات، يمكننا النظر إلى العواقب التي ستنشأ عنها على المدى الطويل. في الوقت الحالي، لا شكّ أنّ العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي سيكون لها ضريبة بالنسبة لروسيا، وستحمل تأثيراً سلبياً على رفاهية الشعب الروسي. مع ذلك، فالانسحاب الذي قامت به الشركات الغربية من روسيا، والذي تمّ الترحيب به، قد يخدم عمليّة إزالة الاستعمار الجديد من روسيا. إنّها عملية صعبة ومؤلمة، لكنّها في النهاية عمليّة تحرير.
ربّما لم ترغب روسيا في حصول مثل هذا الانسحاب التجاري والاستبعاد من العديد من الأسواق، ولكن مع ذلك فقد تستفيد من فرض هذه العقوبات على المدى الطويل. كيف ذلك؟ من وجهة نظر الاقتصاد السياسي، فقد تفوق المزايا طويلة الأجل التكلفة المؤلمة قصيرة ومتوسطة المدى، لأنّ هذه العقوبات قد «تجبر» روسيا على أن تصبح مستقلّة عن المصالح الغربية ذاتها التي تخرج من البلاد. بعبارة أخرى، فإنّ العزلة المستمرة للاتحاد الروسي واستبعاده من جميع الأنشطة التجارية الغربية، وما يترتب على ذلك من انسحاب المصالح الغربية من روسيا، قد يشير بالفعل إلى عودة روسيا المستقلة وذات السيادة الكاملة، وهو الاستقلال الذي فُقد بأكثر الطرق مأساوية باعتراف الجميع: سقوط الاتحاد السوفييتي.
ربّما يمكننا حتّى أن نفترض أنّ هذا الحصار التجاري والعقوبات الأخرى هي ردود فعل رجعية على رفض روسيا الانصياع لحكم محور الهيمنة ومؤسساتها الإمبريالية العابرة للوطنية. من وجهة نظر الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، هذا أمر لا يطاق إلى أكبر حدّ ممكن، فهو يعني بأنّ الإمبريالية لم تعد حصينة وقويّة كما في السابق، بغض النظر عن أمنيات الإمبرياليين.
علينا أيضاً أن نفترض بأنّ روسيا ستجد حتماً طرقاً للنجاة من العقوبات، فمن غير المرجح أن تخضع لعقوبات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. يبقى أن نرى ماذا سيعني ذلك لمستقبل روسيا وبقيّة العالم. لكن هناك شيء واحد مؤكّد: لم تعد هيمنة الولايات المتحدة الكاملة قويّة كما كانت منذ وقت ليس بالبعيد.
تحرر واسع النطاق
إن نظرنا إلى لأمر في سياق آخر، لنأخذ مثالاً دول غرب إفريقيا. هل سنعتبر خروج الشركات الفرنسية وغيرها من الشركات الغربية الخاصة من دول غرب إفريقيا تحرراً؟ كيف نفسّر الوضع إن كانت هذه الدول الإفريقية معزولة عن العلاقات الاقتصادية والمالية عن المصالح المالية والاقتصادية الفرنسية والأوروبية؟ يمكننا بالتأكيد اعتبار ذلك بمثابة خطوة تحررية نحو الاستقلال الاقتصادي والسياسي الكامل من المصالح الغربية، ومن تحت مظلّة المؤسسات الإمبريالية «صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، والمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا إيكواس...إلخ» في غرب إفريقيا. هل ستكون هذه ضربة لدول غرب إفريقيا؟ ستعاني هذه الدول على الأرجح، فالخبرة التكنولوجية والعلمية اللازمة لاستخراج واستغلال المواد الخام معقدة للغاية ومكلفة. بالتأكيد يمكننا أن نفترض أنّ خروج مثل هذه الخبرة سيكون له عواقب على هذه الدول أثناء تحررها من هذه الشركات الخاصة والمصالح الاستعمارية الجديدة. يمكن قول الشيء نفسه عن التمويل والبنية التحتية. الانتقال سيكون صعباً دون شك.
لكن من ناحية أخرى، وهذا أمر بالغ الأهميّة، ستكون هذه الدول الإفريقية الآن بالتأكيد حرّة في البحث عن مصادر أخرى للخبرة والتفاوض على شروط تعاقدية مواتية وغير استغلالية لاستخراج واستغلال المواد الخام. من سيؤمّن مثل هذه الشروط التي تناقض القوى الاستعمارية الجديدة والمصالح المالية الغربية الخاصة؟ تماماً، إنّها روسيا وغيرها من الدول ذات الحجم الأكبر والقدرات التكنولوجيّة والعلمية، والتي بات عليها مقارعة الهيمنة الغربية دون خيار آخر.
سيكون لدى هذه البلدان الإفريقية فرصة إعادة هيكلة القيود الاقتصادية التي تفرضها عليها المؤسسات الإمبريالية العالمية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ولن تضطرّ للانتظار خارج التاريخ لأنّ الإمبرياليين يريدون ذلك. على الأرجح هذا ما يخشاه معظم الإمبرياليين في إفريقيا وبقيّة أنحاء العالم: أن ترفض الدول العمل تحت سيطرة أسيادها الاستعماريين السابقين، ومؤسساتهم العابرة للوطنية، وأن تزدهر دونهم.
يواجه الإمبرياليون تناقضاً متأصلاً في بنيتهم عندما يتعلّق الأمر بالعقوبات. ففي حين أنّ الهدف من العقوبات هو إخضاع دولة مستهدفة، تقدّم هذه العقوبات نقيضها لهذه الدولة: إمكانية قيام الدولة المستهدفة بإجراءات لتحقيق درجة أكبر من الحرية الاقتصادية والسياسية. إن لم تنجح العقوبات بإخضاع الدول المستهدفة فلن تكون ناجحة ولن تحقق أهدافها الاقتصادية والسياسية، بل ستعطي دولاً أخرى الحافز لمقاومة مطالب سلطات العقاب، والتحالف مع بعضها أيضاً. يمثّل رفض روسيا اليوم الخضوع للعقوبات الغربية ضربة كبيرة للإمبريالية لم تشهدها منذ أعاق الاتحاد السوفييتي التوسّع الرأسمالي والاستعماري الجديد.
الإمبريالية تدمّر نفسها
عند مواجهة دولة ما للعقوبات، تسعى الدول الإمبريالية لفرض المزيد من العقوبات. من المفارقات أنّ تراكم العقوبات– مهما كانت وحشية– قد يزيد من وتيرة وسرعة إنهاء الاستعمار وحصول الدول على استقلالها عن الغرب وكياناته المالية والاقتصادية. هل يمكن للقوى الإمبريالية أن توقف عقوباتها وتستدير للتراجع عنها؟ يمكن من حيث المبدأ ذلك لكنّه غير متوقّع، فمثل هذا النهج سيجعل إستراتيجية العقوبات الاقتصادية عديمة الجدوى على الإطلاق. لهذا فالقوى الغربية اليوم في مأزق وتواجه وضعاً لم تواجهه منذ وقت طويل، وهي المرة الأولى للاتحاد الأوروبي بكل تأكيد.
لم يعد من الممكن إنكار الانحدار الذي لا رجعة فيه لدى القوى الإمبريالية. يسلّط الوضع الحالي لهذه القوى الضوء على حدث ذي أبعاد تاريخية. نحن نشهد وصول محور الهيمنة إلى حدّ لا يمكنه تجاوزه. أدّى رفض روسيا للعمل كدولة كومبرادورية تابعة، في خدمة مصالح الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، إلى زيادة قدرة الدول الأصغر على اتخاد هذه السابقة كقدوة يحتذى بها، والأهم التمسّك بها كحليف، الأمر الذي سيزيد عدد الدول التي تقاوم السيطرة الاستعمارية الجديدة المتمثلة بالإمبريالية، مثل كوبا، وكوريا الشمالية، وإيران، ونيكارغوا، وفنزويلا...إلخ.
لم يعد هيكل السلطة الإمبريالي ذاته. فبينما كان الشكل الأولي لهذه الإمبريالية متمثلاً بعلاقات ما يسمى دول المركز بدول الأطراف «المستعمرات والمستعمرات الجديدة»، فقد وسّعت الإمبريالية اليوم انتشارها إلى العالم بأسره، بما في ذلك دول المركز. بعبارة أخرى، عملية التدمير والاستغلال والاضطهاد الوطنيين في جنوب الكرة الأرضية، وإفريقيا على وجه الخصوص، قد توسعت ونفذت إلى جميع أنحاء العالم. ينطبق هذا التوسّع على السياسات الاقتصادية للولايات المتحدة والاتحاد الأوربي، وممارسة السيطرة من قبل المصالح الإمبريالية على روسيا في حقبة التسعينات، وكذلك على الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي نفسه.
هل يمكننا الآن صياغة مصطلح «اقتصاد العقوبات الكلي» وربطه بعملية التحرر من الاستعمار الجارية؟ قد توفّر الإجابة عن هذا السؤال إطاراً نظرياً لفهم عملية التحرر من براثن القوى الإمبريالية: الولايات المتحدة وحلفاؤها، والكيانات فوق الوطنية مثل الاتحاد الأوروبي والناتو وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي...إلخ. حتّى الآن كانت القوى الإمبريالية بارعة في تأجيل مواجهتها لتناقضاتها، لكن فرض العقوبات على روسيا اليوم يكشف مدى التدمير الذاتي المتأصل في الإمبريالية نفسها.
أخيراً، علينا أن نفكّر في كيفية امتصاص تأثير هذه العقوبات على الاقتصادات الغربية نفسها. هل سيتمكنون من التسامح مع تحوّل العالم وظهور بديل عن الهيمنة الإمبريالية؟ كيف ستواجه القوى الإمبريالية زوال مبدأها الذي يحكم وجودها؟ هل سنشهد اشتعال حرب عالمية ثالثة شاملة في محاولة تأخير سقوط القوى الإمبريالية، أم إنّ المدى الذي تهالكت فيه القوى الإمبريالية سيجبرها على التسليم كارهة بالأمر الواقع؟ هذا السؤال شديد الأهميّة بالنسبة لنا «شعوب المركز الإمبريالي»، فمن واجبنا أن نتأكّد بأنّ نظام التفجيرات الانتحارية الذاتي هذا لن يأخذنا جميعاً معه.
بتصرّف عن:
Sanctions Anyone?
Imperialist Contradiction or the Unintended Consequence of Involuntary Decolonization
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1062