سورية الدولة.. على الدريئة الأمريكية

ثمة أمزجة متصارعة، وآراء متناقضة تعبر بالنهاية عن مصالح دول وطغم مالية.. حول التدخل المباشر أو عدم التدخل في سورية، خصوصاً بعد استيقاظ «الدب» الروسي و«التنين» الصيني. فأمريكا لا تنأى عن استخدام كل الوسائل، بما فيها الحرب من جانب واحد وفق ما يذهب إليه بعض المحللين السياسيين.. وهذا ما يجب ألا ينسى، أو يتم تناسيه في إطار تأسيس الرؤى والقواعد المناهضة من أجل ردع ما يؤسس له استكمالاً للمخطط الغربي- الأمريكي... وفيما يرى البعض من المحللين السياسيين السوريين أنه تم إيقاف التدخل العسكري المباشر، ولم يجزموا في تحليلاتهم أن ذلك لن يحدث في المستقبل، الأمر الذي لا تأخذ به في كثير من الأحيان المعارضة اللاوطنية والنظام، فإن ما يجب إدراكه هو انتقال الصراع الدائر بين الدول الكبيرة، المتمثل بالصراع بين النظام والمعارضة إلى صراع بين الدول الإمبريالية والشعب السوري كمسألة وجود..

تشير الكثير من الدلائل على أن التدخل غير المباشر هو تدخل مباشر على نحو بطيء، من خلال دعم المسلحين، وعقد الاتفاقات وتأجيج الصراع الداخلي وصولاً لمناطق عازلة تصبح قواعد حقيقة في النهاية لقوات التدخل المباشر التي ستستخدم  دماء السوريين لوقود طائراتها.
 ويحلل  Stephen Lendman المحرر في مركز أبحاث العولمة الموقف بالشكل التالي:
عندما تخطط واشنطن لتغيير النظام، فهي مستعدة لشن الحروب إذا فشلت الوسائل الأخرى. فلأكثر من سنة، سعت إلى امتطاء الاحتجاجات وتأجيجها تحت أسقف مختلفة، إلا أن النظام بقي متماسكاً  ونتيجة لذلك، نتوقع خوضها لحرب لا تبقي ولا تذر، فهي الوسيلة البديلة لدى واشنطن.
ويرى بأن خطة عنان للسلام هي خدعة لتغطية ما كان مقرراً من خلال رؤيته لها كأداة إمبريالية قديمة، وأعرب بأنها جزء من حل المشكلة وليس الحل الكامل. بدلاً من توجيه أصابع الاتهام في الاتجاه الصحيح، من خلال نظرة أحادية الجانب بإلقاء اللوم على النظام وحده بالنسبة  للجرائم المرتكبة إلى حينه. في الوقت نفسه الذي وافق فيه النظام على الخطة، فقد رفض قبول يوم 10 نيسان موعداً نهائياً لانسحاب قواته، ومن جانبهم رفض المسلحون إعطاء أية ضمانات لإيقاف إطلاق النار كما جاء على لسان رياض الأسعد..
وفي الوقت نفسه يحمّل بان كي مون، المسؤولية الكاملة عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والقانون الإنساني إلى  القوات الحكومية.
ونتيجة لذلك، فالسلطات السورية طالبت بتقديم ضمانات خطية لوقف إطلاق النار. ومن جانبهم رفض المتمردون. ومن هنا نقول بأن الصراع لم ينته. رياح الحرب تهب بشكل أقوى. ورائحة  واشنطن القذرة تتصاعد معها.
أما عرابو المعارضة تحت مسمى (أصدقاء سورية) الوجه الدبلوماسي للتدخل، يسعون لإقناع الشعب السوري باستخدام كافة التدابير لحماية أنفسهم. وبعبارة أخرى، التسليح كدعم للتخريب، وليس كمقدمة للسلام.
في 7 أبريل، قبل عيد الفصح، أعرب أوباما في رسالة الغفران الخاصة به عن غضبه تجاه الحرب والعنف. متمنياً للجميع «الفرح»، وبأنه لا يمكن التسامح فالحرب لديه هي السياسة، والقتل الجماعي هو المحصلة النهائية لإنهاء المشكلة دائماً في قضيته من أجل الهيمنة العالمية. إحصاء الجثث لا يهم. ولا يحمل في جعبته تكتيكات جدية لمنع تصعيد العنف. اللوم لعبة إستراتيجية، والضحايا يحملون المسؤولية. وكل الأصابع تشير إلى أسلوبه السادي في السيطرة والتحكم.

 هيومن رايتس ووتش (HRW)

 بطانة أخرى للتدخل المباشر
بعد قيام المتمردين بعمليات القتل العمد، بحجة ودونها، والإعدام دون محاكمة وعمليات الخطف للحصول على فدية، والتعذيب، وأخذ الرهائن، وجرائم أخرى، عادت هيومن رايتس ووتش لتلعب دورها حليفاً يمكن أن تعتمد عليها الإمبريالية. كما في السابق، وللغرض نفسه، حيث ركزّت على قيام قوات النظام بجرائم ضد السكان، من خلال استخدامهم كدروع بشرية، وقتل الجرحى والأسرى من المعارضين، من خلال شهود عيان غير معروفين، وذكرت في تقريها المعنون  "بدم بارد": إن جرائم الإعدام دون محاكمة كانت من قبل قوات الأمن السورية والميليشيات الموالية للحكومة، واستبعدت جرائم المسلحين.
ونقول هنا أيضاً، رياح الحرب تهب، هيومان رايتس ووتش هي الوكيل الحقوقي كونها واحدة ممن تلطخت أيديهم بالدماء. ولعبت هذا الدور مرات عديدة في السابق
لا نهاية لأعمال العنف في الأفق المنظور
وقبيل انتهاء المهلة في 10 نيسان لكلا الجانبين لوقف العنف، يحتدم الصراع وتنتشر الجثث من كلا الطرفين، وهنا إذا بحثنا عن المستفيد، سنجد الجواب: إنه حكماً ليس الشعب السوري.
الولايات المتحدة تؤكد سيطرة "ازدواجية المعايير" وسياسات "القطب الواحد". وتدعم التسليح وتنتهك بذلك القانون الدولي ومجلس الأمن الدولي لمكافحة الإرهاب، والقرار 1373.
لا بد من التذكير بالقرار المتبني بالإجماع في 28 سبتمبر 2001، إنه يدعو إلى مواجهة الإرهاب الدولي سواءً بتمويل القمع، أو جمع الأموال لمثل هذه الأعمال".
بالإضافة إلى ذلك، ذكر أنه "يتعين على الدول أن تمتنع عن تقديم أي شكل من أشكال الدعم إلى الكيانات أو الأشخاص الضالعين في الأعمال الإرهابية؛ واتخاذ الخطوات الضرورية لمنع ارتكاب الأعمال الإرهابية؛ عدم توفير الملاذ الآمن لمن يمولون ويخططون ويدعمون ويرتكبون الأعمال الإرهابية"، وقد أعرب مجلس الأمن عن تصميمه على اتخاذ جميع الخطوات اللازمة للتنفيذ الكامل للقرار الحالي.
في الواقع، فعلت كلٌ من واشنطن وبريطانيا وفرنسا، العكس تماماً.. ساندت الإرهاب في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، وآسيا الوسطى، وتنقلت من حرب إلى أخرى.
في 8 نيسان، تحت عنوان  "التدخل العسكري في سورية ليس مستبعداً تماماً"، الذي طرحه مركز الدراسات الإستراتيجية الشرق أوسطية في أنقرة: "يمكن أن يتطور الوضع في سورية إلى تدخل عسكري بدعم من القوى العالمية." وأضاف إن تسليح المتمردين يفسد السلام. و"إذا حصلت المعارضة السورية المسلحة على الدعم، فلا يجب علينا توقع استمرار الهدنة."
في 8 نيسان أيضاً، أعرب بعض المحللين الروس بأن (خطة عنان لن توقف العنف)، لأن الداعين للسلام من المعارضين للحكومة السورية في الخارج يعملون  على تمويل المعارضة المسلحة في البلاد".
وفي وقت سابق، اتهم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف معارضي النظام بتحريضهم على العنف. وأضاف بأن الجهود المبذولة للإطاحة به قليلة الحظوظ بالنجاح من دون تدخل حلف شمال الأطلسي مباشرة.
أما يفغيني ساتانوفسكي، رئيس معهد الدراسات المهتم بقضايا الشرق الأوسط يوافق على أن النظام حتى الآن ما يزال مسيطراً على المدن الكبرى. حيث دفع المقاتلين للخروج، والذين لجؤوا بدورهم إلى حرب العصابات.
 يعتقد بعض  المحللين بأن النظام لن يكتب له البقاء على المدى الطويل إذا لم تطبق الإصلاحات الدستورية تطبيقاً حقيقياً. واشنطن لديها أفكار أخرى.. فبالرغم من تصاعد وتيرة العنف التي تدعمها، وتأخر النظام في الإصلاحات إلا أن ذلك غير كاف وحده حسب رأيها ولا بد من نمو المزيد من البدائل، ونتيجة لذلك، التدخل الغربي المباشر ضد سورية قادم. الزمن غير واضح تماماً. ولكن قد يحدث في أقرب وقت لا يمكن تصوره. واشنطن تريد تغيير النظام. عندما تفشل الأساليب أخرى، فإن الحرب هي الخيار الأخير. نتوقع ذلك.

 تركيا، الشرطي الغربي في الشرق الأوسط
تشارك تركيا من خلال رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان في  إصدار قرار جديد من مجلس الأمن بحجة استمرار العنف، ووجود اشتباكات عبر الحدود، وضرب مخيم اللاجئين. اتهم أردوغان النظام السوري بانتهاك أراضي بلاده، وحذر من ان أنقرة "سوف تستخدم حقوقها التي يكفلها القانون الدولي". ورأى بأن كل الخيارات مفتوحة وليس مستبعدة. وقد يكون ذلك بإتباع أوامر صادرة من واشنطن وقوى حلف شمال الأطلسي الأخرى. يمكن القول بأنهم ربما يخططون لنوع من التدخل على الطريقة اليوغسلافية في عام 1999، دون تفويض من مجلس الأمن، بعد القتل الجماعي والتدمير الذي لحق بالبلاد من خلال النزاعات المحلية  التي سبقت التدخل المباشر.
ومن المعروف بأن العنف لن ينتهي ما لم يتفق كلا الجانبين. سورية تريد ضمانات لوقف إطلاق النار بشكل مبرر مكتوب. قوى المعارضة ترفض. وتؤكد المتحدثة باسم وزارة الخارجية فيكتوريا نولاند رفضها لهذا الطلب لصرف الانتباه عن حقيقة بأن النظام لا يفي بالالتزامات."
ومن جانبه يؤكد لافروف بأن سفارته حصلت على معلومات موثوقة حول الألغام الأرضية والمتفجرات واستخدام الأسلحة الثقيلة، والهجمات الإرهابية على المدنيين وقوات الأمن الحكومية، كانتهاك صارخ لخطة عنان للسلام.
لافروف يريد ضغوطاً على المسلحين لوقف العنف، ويؤكد بأن واشنطن تشارك في تسليحهم.
جاء وذهب 10 نيسان والعنف لا يزال مستمراً. العلامات تشير إلى مزيد من التدخل. واشنطن تعيق أي شيء لا تريده. وبالرغم من الهيمنة الإقليمية لكل من الصين  وروسيا، وبغض النظر عن عدد القتلى. نتوقع بأن حرباً قادمة لا محالة.
 
نشر المراقبين
 قنبلة موقوتة لعبور التدخل العسكري
يبدي المحلل نيل غرين قلقه حيال إرسال 30 من المراقبين العسكريين بتفويض من الأمم المتحدة إلى سورية بأنه وسيلة أمريكية جديدة حتى التدخل العسكري. وكان من المفترض أن وقف إطلاق النار قد يدخل حيز التنفيذ، ولكن هناك تقارير عن استمرار القتال في مناطق عدة من البلاد.
وعلق ستيفن كول، مدير PIPA، "من الواضح أن الأميركيين يشعرون بالقلق إزاء الوضع في سورية، ومن مصلحة الولايات المتحدة المشاركة في فرض العقوبات وقواتها الجوية دون إرسال قوات برية".
من جانب آخر، على الرغم من التقرير الذي أعدته  هيئة الإذاعة البريطانية وما تم ذكره من كلمة لأوباما حول استبعاد التدخل العسكري: بأن واشنطن لن تتدخل في سورية من جانب واحد، ولكن لم يستبعد عدواناً مشتركاً عليها. مذكرة بمناورة براغماتية من أوباما القائل:
(إن الفكرة القائلة بأن الطريق إلى الحل دفعة واحدة هي نشر قواتنا العسكرية، فان ذلك لم ولن يكن صحيحاً).
 ومن هنا يجب أن لا ننسى بأن أوباما وهو الابن المعاصر للأزمة الإمبريالية الأمريكية، والأكثر عداءً لكل من سبقوه لقضايا الشعوب، ونضالها من أجل الديمقراطية والتحرر من الهيمنة الإمبريالية، عبر تصريحاته المتناقضة والتي أثبت بحق غوغائيتها، واستطاع أن يلعب دور الممثل المخادع..
تم الحديث في لقاء سري في البنتاغون بين شخصيات أمريكية وفرنسية وبريطانية بأن واشنطن لها قدرة عالية على تحّمل القتال، ولكن لن تبدأ الهجمات حتى قيام وسائل الإعلام بدورها المنوط بها كاملاً من أجل تأسيس تلك الذهنية لكسب الرأي العام من أجل التدخل. كالإيهام بحصول مجزرة على غرار بنغازي.
 عندما تخطط أمريكا لتغيير النظام، كل شيء يطرح على الطاولة لتحقيق ذلك، بما في ذلك الحرب.
دعا السيناتور الأميركي جون ماكين الولايات المتحدة للقيام بضرباتها الجوية لحماية المراكز السكانية وخلق ملاذات آمنة للاجئين السوريين. حيث أبدع في حله معبراً بأن: «هناك الكثير من الناس سيموتون إذا سمحنا باستمرار الوضع الراهن»، وأضاف بأن الولايات المتحدة لديها التزام «أخلاقي» واستراتيجي لوضع حد للأزمة في سورية.
من جانبه، في 3 شباط، أدان الرئيس أوباما النظام السوري في عملياته «بأنها ازدراء لحياة الإنسان وكرامته»، وأعلن أن «المواطنين الذين يعانون في سورية يجب أن يعرفوا: نحن معكم، والنظام يجب أن يصل إلى نهايته المحتومة».
 أما وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون فقد نددت بالأمر ذاته، إضافة إلى أن هناك دعوات من قبل قادة بارزين في الولايات المتحدة للتدخل العسكري، لوقف المذبحة، والسماح للشعب السوري بتحديد مصيره بنفسه.
 
تعليق
وفقاً لكل ما ورد من الأصدقاء والخصوم، ولأن الحوادث ذاتها تتكرر، فمن التجربة الأمريكية في العراق وأفغانستان ويوغسلافيا وليبيا، وجهودها الرامية للخلاص من أزمتها الداخلية والخارجية لا بد من الحيطة، وإنشاء تلك الدروع التي تصد العدوانية والسادية الأمريكية ومحاولتها لتفتيت المفتت، بالاعتماد على القوى الحية والنظيفة هنا وهناك، دون الإبطاء في الحل الشامل، ومحاولة استباق الطلقة الأمريكية زمنياً، كي لا تكون الدولة السورية دريئة بل مشعلاً من أجل الحرية والخلاص من العدو الأكبر الإمبريالي..وتبقى الحرب الرئة التي تتنفس منها الرأسمالية؟!