مهدي داريوس مهدي داريوس

الحروب (الإنسانية) الإمبريالية

الحروب الإنسانية تحت شعار(حماية المدنيين) هي القناع الحديث للإمبريالية، حيث تقوم الولايات الأمريكية وحلفاءها الإستعماريون لتنفيذ أهدافها غير المعلنة في الإبادة الجماعية والتطهيرالعرقي في شتى انحاء العالم من خلال خلال تحالف وتكالب الحكومات الإستعمارية على الشعوب تحت إطار منظماتها الدولية ووسائل إعلامها المهيمن، والمنظمات غير الحكومية التابعة لها.. وهذه المزاعم التي لا أساس لها من الصحة من الناحية العملية والتي أدت لنتائج وخيمة، وذلك بتوفير الغطاء المعنوي والديبلوماسي بمجموعة من العقوبات التي تقوض وتعزل البلد المستهدف، والذي يكون في غالب الأحيان تمهيداً لتدخل عسكري مباشر، هذا هو الأسلوب التي اتبعته الولايات المتحدة والناتو بعد انتهاء الحرب الباردة.. ولتسهيل هذه المهمة الإمبريالية الجديدة، كانت هيئة الأمم هي الإطار القانوني والأداة الضالعة للعمق في هذه المهمة القذرة والتي كانت تقاد من واشنطن بإمرة الجنرالات وأباطرة المال..

هذا، وقد تم تعيين الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان (كمبعوث خاص للسلام) لإجراء الوساطة مع سورية. هذا وكيف يمكن الاعتماد على وسيط تلطخت يده بالكثير من التسهيلات التي قدمها للحروب العدوانية الإجرامية للناتو في السابق وتسميته (بالوسيط النزيه)، بالرغم من كل الأدلة تشير بأن أمريكا وحلفاءها ليست مهتمة بالوصول لحل سلمي في سورية حسب ما يتفوه به عنان في الوقت الحالي حسب خطته المنشودة لتحقيق السلام..
 
من الحرب الباردة إلى الحروب الإنسانية
بعد أن وضعت الحرب الباردة أوزارها في 1980-1990، أصبح هناك فراغ جيوسياسي في العالم بعد تفكك الاتحاد السوفياتي والكتلة الشرقية، وأتيح للناتو ملء هذا الفراغ، حيث بدأ بالتحول من منظمة دفاعية إلى منظمة عسكرية هجومية. بتحالفه الحديدي مع الولايات المتحدة من أجل (أهداف إنسانية). ومن خلال هذه المبررات (الإنسانية)، أصبح القوة الوحيدة بل الأقوى في تاريخ العالم المعاصر من أجل التدخل العسكري في الدول..
وقد كانت أولى عمليات الناتو والأكبر عسكرياً بعد انتهاء الحرب الباردة هي حرب الخليج الأولى في أعقاب غزو العراق لدولة الكويت في عام 1991 من القوات العراقية بقيادة صدام حسين الحليف للولايات المتحدة، في وقت كانت فيه الولايات المتحدة غارقة في نزاع على النفط الأقليمي والتي وصلت تداعياتها إلى تخوم واشنطن والتي كانت تظهر اللامبالاة في ذلك، وفجأة، وبعد دخول القوات العراقية إلى الكويت، شنت الولايات المتحدة حملة إعلامية ضخمة وبدأت تتحدث عن عدم المساس بسيادة الدول، ووجوب الدفاع عن الدول الصغيرة، حيث أبلغت وسائلها الإعلامية العديد من الافتراءات حول ما قامت به القوات العراقية مثل ذبح الأطفال، وتلاعبت بالوعي الجمعي وهيأت الذهنية المناسبة لدى أغلب الدول لقبول الحرب على العراق بقيادتها.
وشنت حرب ضروس ضد العراق بقرارت تمهيدية من الأمم المتحدة، وبيد قوات حلف الناتو بقيادة الأمريكان، وبتحالف مع بعض الدول العربية، وأسست في بعض منها قواعد عسكرية، تحت مسميات (عمليات إنسانية)..وتم تطبيق الحظر الجوي وبدأ الحديث عن القانون الدولي من القوى الغربية لتبرير تدخلها في العراق، وهي الطريقة نفسها التي تم الاعتماد عليها في يوغسلافيا من القوى نفسها. وشكل ذلك ذريعة من أجل التدخل (الإنساني) لدعم القانون الدولي والأمن الدولي، وجهزت من خلالها لغزو أفغانستان عام 2001، ومرة أخرى وبالسيناريو  نفسه وفي حرب الخليج الثانية عام 2003 ضد العراق.، وقد استخدمت  التبريرات نفسها للتدخل العسكري ليهيئ لسبعة أشهر من القصف الجوي على ليبيا عام 2011 والتي أدت إلى الإطاحة بنظام القذافي. ويتم الآن تهيئة السيناريو نفسه وتضخيمه في وسائل الإعلام المهيمنة للتدخل في سورية، كما يجري الآن سراً وعلناً من الناتو والولايات المتحدة.

 يوغسلافيا: مجزرة سريبرينيتشا
مبرراً لتدخل الناتو
 في تموز عام 1995 تقدمت قوات من صرب البوسنة نحو منطقة سريبرنيستا المحمية من الأمم المتحدة، بعد أن وافق الناتو على الانسحاب منها وسمحت لقوات صرب البوسنة لحماية السكان من البوشناق، ولكن ما برح البوسنيون للقيام بـ ذبح 8000 من السكان البوشناق. والتي توصف بأنها أسوأ مجزرة في أوربا منذ الحرب العالمية الثانية. واستخدمت هذه الوقائع بعد أن تم تأويلها وتشويهها من الإعلام وخلق رد فعل عظيم، لامتطاء الغضب الشعبي. وهذه الأرقام كانت مبالغاً فيها،كما أقّر بها المسؤول الرئيسي للأمم المتحدة في البوسنة والهرسك لاحقاً،وكل ذلك لتحقيق مكاسب سياسية وخلق المبرر للتدخل العسكري.
هذا وكان قد أعلم الرئيس الأمريكي بيل كلينتون آنذاك لعزت بيغوفيتش بأنه يجب التضحية بخمسة آلاف من البوشناق حتى يعطى المبرر لتدخل الناتو وللقيام بهجمات منظمة ضد الصرب البوسنيين.

وخلال حرب البوسنة ارتكبت الجرائم المروعة بحق جميع المكونات البشرية، وادعى الصرب البوسنيون بأن هذه المجزرة ليست للتطهير العرقي وإنما للحفاظ على يوغسلافيا، واستهدفت المجازر كل من الكروات والبوسنيين الذين يريدون الحفاظ على يوغسلافيا والتجانس بين جميع الأعراق.. وتدخل الناتو في كل من البوسنة والهرسك لتغيير موازين القوى، حيث كان الصرب البوسنيون هي القوة العسكرية المتفوقة، حيث كان الناتو يهدف لتطويل آمد النزاع من أجل التدخل، ولكن استطاع الصرب البوسنيون السيطرة على البلاد وحاولوا الحفاظ عليها كجزء لا يتجزأ من يوغسلافيا، وهذا ما أوقف التوسع الأوربي في البلقان.
وفي يناير عام 1999 بدأ النزاع بين القوات الصربية وجيش تحرير كوسوفو المحظور، والتي أعلنت مراراً وزارة الخارجية الأمريكية موقفها منها كمنظمة إرهابية، والتي استخدمت لرسم سيناريو جديد  للقيام بالإبادة الجماعية والتطهير العرقي من أجل ملاقاة التبرير للتدخل العسكري. وفي الوقت نفسه قام الناتو بضرب الصرب وأظهرتهم في وسائلها الإعلامية كمرتكبي التطهير العرقي، وبذلت كل الجهود من أجل الحط من قيمة الصرب، من أجل إضعافهم. وتحالفت مع قيادة جيش تحرير كوسوفو من اجل خلق ذريعة للتدخل الإنساني، وقد اعلنوا انسحابهم من كوسوفو وأطلقت العنان لجيش تحرير كوسوفو لمواصلة هجماتهم، لتذكية التوترات العرقية، وهو ما حاولت مراراً تكراره في سورية من خلال (الجيش السوري الحر) المرتبط  عملياً مع الناتو ومجلس التعاون الخليجي الذين يعلنون دعمهم المستمر له وبالعلن.
 
في العالم العربي: ليبيا وسورية
وفي عام 2011،تم اللعب ببطاقة الإنسانية مجدداً على طاولة قمار الناتو، ولكن هذه المرة في دول شمال أفريقيا من ليبيا، واتهمت القذافي بذبح شعبه، ولاسيما في بنغازي. ومهد ذلك لهجمات بالطائرت وإدخال المرتزقة الأجانب، وقام الأمريكان والناتو بفرض منطقة حظر جوي، كما هو الحال في العراق ويوغسلافيا، وبطريقة غير مشروعة، وأعطيت صلاحيات لا متناهية للناتو وفقاً لقرار مجلس الأمن 1973، ووصولاً لقصف جوي باكثر من 10000 عملية بالتعاون مع القوات العميلة على الأرض، حيث استهدفت السكان المدنيين والبنى التحتية، مثل مراكز المواد الغذائية والمياه والطاقة، وهذه الأعمال تصنّف وفق القانون الدولي كجرائم حرب. والتي كان لها الدور الرئيسي في إسقاط النظام في طرابلس، وتأسيس النظام البديل المركب من خليط من الانتهازيين، والإرهابيين وعملاء مخابرات الناتو، وهذه الحملة الفاحشة كانت عنواناً للإرهاب الدولي وباسم (حماية حقوق الإنسان)، أمراء الحرب القبليين. وتظهر التقارير الأخيرة تفجّر العمليات الانتقامية التي تؤدي لإراقة الدماء في جميع أنحاء ليبيا، وتشير إلى الطبيعة الإجرامية للناتو من أجل تغييرالنظام في ليبيا والتي ارتكبت تحت ستار حماية المدنيين.
وسعت من أجل السيناريو نفسه في سورية، لإحياء مجزرة سريبرنيتسا، وبنغازي في مدينة حمص، وطبقوا التكتيك نفسه من خلال التحريض الطائفي ومن ثم إلقاء العتب على النظام السوري وحده لقيامه بإرهاب وحشي، حيث دعمت الولايات المتحدة والناتو كل من الجيش السوري الحر والمجلس الوطني السوري وأطلقت العنان له في شن الهجمات، كما دعمت سابقاً جيش تحرير كوسوفو في يوغسلافيا، في وقت طالبت فيه كل من روسيا والصين بالتزام الطرفين بوقف إطلاق النار.
ومن الجدير بالذكر أن كلاً من الموقفين الروسي والصيني قد أعاق عملية التدخل المباشر في مجلس الأمن، إضافة للتحالف السوري- الإيراني، دمشق وحلفائها. ويجب أخذ الحيطة والحذر من الفخاخ التي تحضّر لتقويض هذه العراقيل أمامها من خلال مخاتلة سورية من الناحيتين السياسية والقانونية من خلال اتفاقات وحيدة الجانب من خلال إقصاء المعارضين للتدخل، كما يجب على السوريين أن لا يضعوا ثقتهم في الأمم المتحدة كطرف نزيه في العملية الجارية.
 
كوفي عنان ومسؤولية الحماية
تولى حالياً ثقة كبيرة بكوفي عنان بصفته مبعوثاً خاصاً لكل من الجامعة العربية والأمم المتحدة، ومن الضروري الانتباه لتطبيق الاتفاقيات معه فيما لو نظرنا في تاريخه (المشرّف) السابق في التدخلات الإنسانية.
ووفق ما سرده الدبلوماسي الأمريكي ريتشارد هولبرك المعني ببلقنة يوغسلافيا، بأن عنان كان واحداً من الشخصيات الداعمة للسياسة الخارجية الأمريكية آنذاك،فهو الذي لعب الدور الأساسي  في المساعدة على إنتاج فكرة (مسؤولية الحماية) مع منظرين كندييين. وكذلك يجب البحث في  سبب صعوده إلى السلطة في واشنطن بعد الأحداث الدامية سريبرينيتسا وحرب يوغسلافيا، حيث جهدت واشنطن وسعت لتنحي بطرس غالي وتسليم زمام الأمور له.
ومن الجدير بالذكر أنه كان من الداعمين العلنيين لمسؤولية الحماية، وكان من ضمن المشاركين الأساسيين في مؤتمر حول مناقشة مسؤولية الحماية تحت عنوان (مسؤولية الحماية – 10 سنوات من التأملات في الماضي والحاضر والمستقبل) الذي عقد في جامعة اوتاوا في 4 نوفمبر 2011، وقبل أسبوع من هذا المؤتمر، كان قد قدم كل من آلان روك رئيس جامعة اوتاوا والسفير الكندي السابق لدى الأمم المتحدة مع لويد أكسوروتي رئيس جامعة وينيبغ وهو وزير خارجية كندي سابق مقالة عن مسؤولية الحماية، وقد أشاد كلاهما برؤية عنان في هذا السياق، واعتبرا بأن الحرب على ليبيا انتصار لهذا المؤتمر.
هذا وقد تم دعم رؤية عنان من قبل كريستوفر الكسندر في البرلمان الكندي والدبلوماسي الكندي في روسيا لعدة سنوات خلت، والسفير السابق للناتو في أفغانستان، ونائب الممثل الخاص للبعثة التابعة للأمم المتحدة في أفغانستان، والذي نشر رؤية (مسؤولية الحماية) بواسطة ليز دوسيت مراسل لهيئة الإذاعة البريطانية وصديق لكريستوفر الكسندر، وهو السكرتير البرلماني لبيتر ماكاي وزير الدفاع الكندي الحالي، وعبروا مجتمعين عن تأييدهم لخوض حرب مفتوحة ضد كلاً من إيران وسورية.
ويتوجب علينا دعمه الكبير لمسؤولية الحماية، حيث أعرب دعمه للتدخل العسكري في ليبيا من قبل الناتو، ورداً على سؤال وجه إليه حول مسؤولية الحماية في سورية، لم يبد أي جواب مؤكداً على دعمه الضمني للتدخل في سورية، واقترح مع أوكسوروتي أن يعطى التدخل للمنظمات الإقليمية عوضاً عن الناتو، فمثلاً يتدخل الاتحاد الإفريقي في البلدان الإفريقية مثل اوغندا والسودان، والجامعة العربية في بلدانها مثل سورية.
هذه النقاط الاستفهامية جميعها هي المدخل لكشف رؤية عنان ودوره الحقيقي ولا ينبغي التغاضي عنها، بل يجب ان تكون محوراً أساسياً في تقييم نزاهته في سورية على ضوء موقفه من التدخل العسكري في ليبيا وموقفه من التدخلات العسكرية التي قام بها الناتو مسبقاً.
 
النزعة الإنسانية – وجه الإمبريالية الجديد
إن التدخلات العسكرية للناتو في كل من يوغسلافيا،أفغانستان وليبيا والغزوات الإستعمارية هي دحر للمساعي الإنسانية. فما تم تطبيقه في يوغسلافيا كان تدخلاً تدريجياً لتقسيم البلاد واحتلالها. لأن أمراء الناتو كانوا مقتنعين بأن تدخلاً مباشراً وشاملاً في يوغسلافيا من شأنه أن يؤدي لحرب عصابات تزيد من تكاليف الناتو، بالإضافة لاحتمال حدوث رد فعل عكسي يؤدي لتوحيد البلاد لا تفتيتها.كما أعلن جون غالفين القائد الأعلى السابق للناتو.
في بداية عام 2011 كانت كل من ليبيا وسورية على دريئة الناتو، ولكن كان هناك تحفظات من الاتحاد الأوربي من أجل المتوسط (الاتحاد من أجل المتوسط)، وهذا يدل على وجود مقاومة واسعة للهيمنة الأور- أطلسية. في حين تغاضت النظر عن الاحتجاجات في كل من البحرين والأردن، ووجهت كل السهام نحو ليبيا وسورية من خلال وسائل الإعلام، لأنها تشكل العائق امام المصالح الغربية، بينما دعمت أنظمة البحرين والأردن على الرغم من كل القمع الموثّق ضد مواطنيها.
الأطلسية على الخارطة، وتهدف العمليات العسكرية سواء في البلقان أو في العالم العربي إلى توسيع الهيمنة الأوربية – الأطلسية.
وهنا يجب لفت نظر جميع المراقبين وبشكل مفصل إلى السعي لإعادة بناء الدول، التي تم قصفها من طائرات الناتو وإعداد العدة  لمقاومته... وهكذا تصبح الإنسانية الوجه الجديد للإمبريالية الجديدة، ويصبح كوفي عنان الأمين العام السابق للأمم المتحدة، الرجل الذي يناسب وجهه جدول المؤامرة الممنهج على طاولة أمراء الحروب الاستعمارية..