دور المصارف الكبرى في قمع السكان ودعم طغاة العالم
عالم اجتماع، مؤلف كتاب: الحركات الاجتماعية في مواجهة التجارة الأخلاقية.
على الرغم من أنّ الأمم المتحدة قد وصفت منذ العام 1973 التمييز العنصري بأنّه جريمةٌ ضدّ الإنسانية، فقد واصل المجتمع المالي منح قروضٍ لحكومات عنصرية كثيرة، وعلى رأسها حكومة جنوب إفريقيا. تمّ تمويل جنوب إفريقيا بأموالٍ حكوميةٍ في غالب الأحيان، لكن عبر المساعدة الثنائية في العام 1993، كانت نسبة 90 بالمائة من المساعدات الخارجية طويلة الأجل تأتيها من أربعة بلدان: الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وسويسرا.
دعم المصارف وتجار الأسلحة للحرب ولديونها
طيلة فترة التمييز العنصري، انخرط ما لا يقل عن 30 مصرفاً كبيراً و230 مصرفاً أقل حجماً في تمويل نظام جنوب أفريقيا. كان يتم تحقيق هذه المساعدة المالية بالتوازي مع دعم الولايات المتحدة لتصنيع القنبلة النووية الجنوب إفريقية عبر فرنسا.
كان دعم المصارف مثار شكاوى، ولاسيما في نيويورك، قدّمها ضحايا نظام التمييز العنصري ذلك في العام 2002 عبر مجموعة دعم كوملوماني. مسّت الشكوى 21 مصرفاً وشركةً أجنبية. بين هذه المصارف، نجد باركلي ناشيونال بنك، كريدي سويس، دويتش بنك آي جي، فورد، جي بي مورغن تشيس (بنك) وبين الشركات، نجد بريتيش بتروليوم، شفرون تكساسو، شل، وتوتال فينا إلف لفرنسا. كما تمّ إيداع شكوى أخرى للغاية نفسها منذ 1992، وقام بذلك ضحايا آخرون.
أتت ديون الحرب التي تعدّ لاشرعية من قروضٍ موّلت خططاً حربيةً لأهدافٍ إمبريالية (بسط سيطرة بلدٍ على بلدٍ آخر بالقوة)، بغاية إلحاق بلدٍ أو غزوه، عبر العمليات الحربية (راموس، 2008، 86).
أدى غزو الدكتاتور الأندونيسي سوهارتو (1965-1988) لتيمور الشرقية إلى مقتل 60 ألف شخص في العام 1976، ثمّ 200 ألف شخص في العام 1979، نحو ثلث سكان تيمور الشرقية (لوموند دبلوماتيك، 2008). وقد قامت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها (أستراليا، بريطانيا العظمى...) والبنك الدولي بدعم هذا الغزو مالياً. ضاعفت الولايات المتحدة أربع مرات مساعدتها العسكرية أثناء هذه الحقبة.
سلطة المصارف في الحوكمة الاقتصادية والسياسية
حالياً، لم نعد نستخدم تقريباً المال «الوثوقي»، أي الأوراق النقدية والعملات التي تصكها الدول، بل العملة الكتابية المتجسدة بالشيكات والعملات التي تصدرها المصارف نفسها. شرح موريس آليه، الحائز على جائزة نوبل للاقتصاد، أنّه «في الأساس، تؤدي آلية الإقراض إلى إصدار وسائل دفع من لا شيء. في كلّ عملية إقراض، توجد على هذا النحو ازدواجيةٌ نقدية. في المجمل، تؤدي آلية الإقراض إلى إصدار عملةٍ من لا شيء عبر ألاعيب كتابية بسيطة». هكذا، يثري المصرفيون بأموالٍ لا تتوافر لديهم بالكامل، غير أنّه يتوجّب على المقترِض الخاص أو العام (الدولة) أن يسدّد. وعلى نحوٍ أكثر دقّةً، لا تستطيع المصارف الخاصة أن تصدر إلاّ نحو 8 إلى 9 أضعاف المال الذي لا يتوافر لديها حقاً. هكذا، إذا تلقّى مصرفٌ خاص مليون يورو من المصرف المركزي، فمن حقّه أن يصدر 9 مليون يورو عبر اقتراحها كقروض.
يعلن موريس آليه أنّ «إصدار العملة الحالي من لا شيء عبر النظام المصرفي مماثلٌ في جوهره لإصدار عملةٍ على يد مزيّفين. وهذا يؤدّي على نحوٍ مجسّدٍ إلى النتائج نفسها. الفارق الوحيد هو أنّ المستفيدين مختلفون». لهذا، أعلن الصناعي هنري فورد، «لو أنّ أناس هذه الأمة يفهمون نظامنا المصرفي والنقدي، فأعتقد أنّ الثورة ستندلع قبل صباح الغد».
يقدّر هولبيك أنّه لو لم يلغ الرئيس بومبيدو في العام 1973 حقّ الدولة الفرنسية في إصدار العملة، لما توجّب على دافعي الضرائب الفرنسيين تسديد أكثر من 40 إلى 50 مليار يورو من الضرائب كل عام، لتم تسديد الدين الحكومي الفرنسي بالكامل منذ العام 2006! إذاً، يأتي هذا المال ليثري المصرفيين والدائنين الخواص الآخرين، في حين أنّه لو كان من حقّ الحكومة الفرنسية أن تقترض دون فائدة عبر مصرفها المركزي الحكومي، لاختفى الدين الحكومي في العام 2008.
على هذا النحو، فإنّ الأسعار التي يدفعها المستهلكون قد مثّلت ما بين 40 إلى 45 بالمائة من عبء الفوائد. بالتالي، لا تقتصر ممارسة الماليين الخواص عبر فائض قيمة الأجور، بل كذلك وعلى نحوٍ واسعٍ جداً عبر فائض قيمة الاستهلاك.
هذا هو السبب في قيام السيد فيليب بنسون، رئيس اتحاد المصرفيين الأمريكيين، وإثر إعلان توماس جيفرسون، بالقول: «لا توجد وسائل أكثر فعاليةً للتحكم بأمّةٍ من قيادة نظام إقراضها (النقدي)». واستفاض ويليام لايون ماكنزي كينغ، رئيس وزراء كندا الأسبق، قائلاً: «حتى يعاد التحكم بإصدار العملات والإقراض إلى الحكومة ويعترف بها بوصفها مسؤوليتها الأكثر وضوحاً والأكثر تقديساً، فكلّ خطابٍ حول سيادة البرلمان والديمقراطية نافلٌ وغير ذي جدوى... حين تتخلى أمةٌ عن التحكم بقروضها، لا يعود مهماً من يسنّ قوانينها... ما إن يتولّى الربا القيادة، فهو يؤدي إلى إغراق الأمة، أية أمة».
سلطة القرار العليا
في الولايات المتحدة، وعلى نحوٍ مشابهٍ نسبياً، كانت الدولة الأمريكية تمتلك بين العامين 1861 و1916 التحكم بإصدار وتحرّك عملةٍ دون فوائد. لكنّ رئيس البلاد وودرو ويلسون وقّع في 23 كانون الأول 1913 على مشروع قانون الاحتياطي الفدرالي، محولاً إياه إلى قانون. هكذا، انتقلت ملكية وسلطة القرار والقدرة على إصدار النقد من الاحتياطي الفدرالي (البنك المركزي) والكونغرس الأمريكي المكوّن من نواب الشعب المنتخبين، إلى أقوى المصارف الأمريكية الخاصة. وكان وودرو ويلسون، رئيس الولايات المتحدة من العام 1913 إلى العام 1921، قد أعلن قبل اغتياله: «أنا من أكثر الناس بؤساً. لقد دفعت بلدي إلى الإفلاس دون وعيٍ منّي. الأمة الصناعية الكبيرة يتحكم بها نظام إقراضها. أمّا نظامنا الإقراضي، فهو متمركزٌ في القطاع الخاص. بالتالي، فإنّ نموّ أمتنا، وكذلك جميع نشاطاتنا، هي في أيدي بضعة رجال. لقد أصبحنا بذلك إحدى أسوأ الحكومات إدارةً في العالم المتحضر، إحدى أكثرها سيطرةً وتحكماً، ليس بالاقتناع وتصويت الأغلبية، بل برأي وقوة مجموعةٍ صغيرةٍ من الرجال المسيطرين»، أي المصارفيين الخواص. وفق إيريك سامويلسون، يمتلك مصرف الاحتياطي الفدرالي في نيويورك منذ تشرين الثاني 1997 غالبية الأسهم. والقسم الأكبر من أسهمه ملكٌ لبنك تشيز مانهاتن الذي يمتلكه آل روكفلر بنسبة 32.35 بالمائة وسيتي بنك بنسبة 20.51 بالمائة. يتحكم إذاً: هذان المصرفان الخاصان وحدهما ببنك الاحتياطي الفدرالي، المفترض فيه أن يكون ملكاً للحكومة الأمريكية.
في مقابل هذا النمط من الانحراف، يعتقد موريس آليه أنّ «إصدار النقود ينبغي أن يعود للدولة، وللدولة وحدها. ينبغي أن يصبح أيّ إصدارٍ نقدي غير العملة الأساسية التي يصدرها المصرف المركزي مستحيلاً، بحيث تختفي (الحقوق الكاذبة) الناتجة حالياً عن إصدار العملة المصرفية». وفق هولبيك: «كل عملةٍ ضروريةٍ لتنمية الاقتصاد ينبغي أن ينتجها البنك المركزي الأوروبي، وكل فوائد أية عملةٍ أصدرتها في الماضي المصارف التجارية والمصرف المركزي الأوروبي ينبغي أن تعود للدول في منطقة اليورو، وبالتالي السكان.. لاشك في أنّ المبلغ تجاوز 350 مليار يورو سنوياً» على المستوى الأوروبي.
السلطة التاريخية للمصارف
في أوروبا، يقدّر أصل البنك الحديث في القرن السابع عشر مع تأسيس أول المصارف المركزية. أسرّ نابوليون بونابرت (1769-1821)، والأرجح أنّ ذلك تمّ بعد تلقيه للمال من المصرفيين، قائلاً: «حين تخضع حكومةٌ للمصرفيين بصدد الأموال، فإنّ المصرفيين، لا قادة الحكومة، هم الذين يسيطرون على الوضع، بما أنّ اليد التي تعطي تعلو على اليد التي تتلقى. ليس للمال وطن؛ ويفتقر الممولون للوطنية وللياقة؛ هدفهم الوحيد هو الربح». كان بونابرت يعرف عمّا يتحدّث، فمصرفيٌّ أو أكثر من مصرفي هم الذين مولوا انقلابه ضدّ قبول قوانين بنك جديد سوف يمنح تدريجياً احتكار إصدار النقد. كان جان بيير كولو (1764-1853) رجل مال، ويعتقد أنّه أقرض 800 ألف فرنك ذهبي لتمويل انقلاب برومير، وأصبح لاحقاً مدير صنع عملة باريس في عهد الإصلاح.
تأسس بنك فرنسا في 13 شباط 1800، بعد بضعة أسابيع فقط من الانقلاب، وكان شركةً مساهمةً خاصةً يديرها أعضاء في المجلس العام للبنك. نالت حينذاك احتكار إصدار النقود الورقية في العام 1803. هكذا حصل الأعضاء المائتان لجمعيته العامة على السلطة لتعيين 15 عضواً في مجلس إدارة بنك فرنسا.
وقد أكّد أمشل ماير روتشيلد (1743-1812)، الذي كانت عائلته ضمن مديري بنك فرنسا وكانت قد ازدهرت منذ عدة عقود بفضل مصارفها الخاصة، قائلاً: «امنحوني التحكم بنقد أمةٍ ولن أقلق ممن يصنعون قوانينه». كذلك، صرّح توماس جيفرسون، الرئيس الثالث للولايات المتحدة، قائلاً في هذا الصدد: «أعتقد بصدقٍ أنّ بعض المؤسسات المصرفية أكثر خطراً على مصالحنا من الجيوش الرسمية. لقد رفعوا إلى القمّة أرستقراطيةً ثريةً تحدّت الحكومة. ينبغي أن تؤخذ سلطة الإصدار من المصارف وتعاد للشعب الذي يملكها».
سلطة المصرفيين السياسية والإيديولوجية
تشكّل بيلدبرغ النسيج الأساسي للسياسات التي يتم تطبيقها. هكذا هي الحال بالنسبة للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس في شباط، ولقاءات بيلدبرغ ومجموعة الثماني والمؤتمر السنوي لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي. يظهر نوعٌ من التوافق الدولي، ويصبح هذا التوافق النسيج الأساسي لبيانات مجموعة الثماني؛ وهو يلهم صندوق النقد الدولي حين يفرض برنامج إعادة التكييف على الدول، والسياسة التي يقترحها الرئيس الأمريكي على الكونغرس..
كان المصرفي ديفيد روكفلر مؤسس بيلدبرغ، ثمّ مؤسس اللجنة الثلاثية. مجموعتا الضغط هاتان هما المهندسان الحقيقيان للعولمة النيوليبرالية. أعلن ديفيد روكفلر لصحيفة نيوزويك أنترناشيونال: «ينبغي أن يحلّ شيءٌ ما محلّ الحكومات، وتبدو لي السلطة الخاصة الهيئة المناسبة لفعل ذلك». كان هذا الشخص نفسه قد أعلن قبل ذلك بثماني سنواتٍ أمام اللجنة الثلاثية قائلاً: إنّ سيادة نخبةٍ من المثقفين والمصرفيين متجاوزة للقومية هي أفضل من مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها. لتجنيب الشعوب ارتكاب أخطاءٍ تضرّ بمصالحها، تقترح النخب إقامة الحوكمة، على يد الخبراء والنخب الاقتصادية والسياسية. غالباً ما يدير البنك الدولي أعضاء قدامى، أتوا من أكبر المصارف الخاصة في الولايات المتحدة، أو من شركاتٍ كبيرةٍ عابرة للقومية. بالتالي، تتمتع المصالح الرأسمالية للمصرفيين والنخب الاقتصادية بحرّاسها المتجولين في قلب السلطات الحكومية الدولية.
الإيديولوجيا النيوليبرالية مهيمنة في البنك الدولي، وفي إطار هذه السياسة، ينوي ممارسة ما يدعوه «الإدارة الرشيدة». و«الإدارة الرشيدة» هي بالنسبة للبنك الدولي رديفٌ لحسن إدارة التنمية.
تمارس مؤسسات بريتون وودز سلطةً سياسيةً وثقافية. الدور المالي والاقتصادي ليس سوى الجزء البارز من جبل الجليد، في حين أنّ الجزء المغمور يتصل بالإيمان والتصديق والعقيدة والزعامة الفكرية. ومثلما كان بيير بورديو يقول، البنك قويٌّ لأنّه قادرٌ على المبادلة الدائمة بين رأس المال الاقتصادي وبين رأس المال الرمزي، والعكس بالعكس.
هنالك أداةٌ أخرى للهيمنة الإيديولوجية للنيوليبراليين، وهي قدرتهم على النهوض مجدداً وعلى التلاعب المفاهيمي، القريب نسبياً من اللغة المشوّهة للواقع. يستخدم البنك كلماتٍ مهيبةً وصيغاً سحريةً لتحويل الحقيقة.. خلف سياسة «الإدارة الرشيدة»، يسعى البنك الدولي كذلك إلى إرغام البلدان ذات الأجور المنخفضة على القيام بإدارةٍ جيدة، أي تطبيق خطط التكييف الهيكلي (خصخصة، تقييدات في الميزانيات الاجتماعية...)، المستندة إلى سياسةٍ اقتصاديةٍ نيوليبرالية. هكذا، وبفعل مبدأ الشرطية الذي تخضع له الدول لتلقي قروضٍ من البنك الدولي، تخسر سيادتها على سياستها القومية. هذا اللي لسيادة الشعب مخبأ تحت أوصاف التمكين (المشاركة) والتوافق مع المجتمع المدني.
يحدّ الفساد دمقرطة الدول. على الرغم من ذلك، لا تقوم المؤسسات المالية الدولية بالكثير ضد فساد الحكام (حين يتم اختلاس القروض التي تمنحها). نادراً ما يشكّك البنك الدولي بسياسته الاقتصادية النيوليبرالية، اللهم إلا في الخطاب. وهو لا يكتفي على سبيل المثال بإضافة بعض شبكات الأمان للأشخاص الأكثر فقراً على الهامش. هكذا، طور البنك مقاربةً تتمتع بقدرٍ أكبر من السياسة: «الإدارة الرشيدة».
أمّا مديرو البنك الدولي، فقد أوقفوا قروض مختلف البلدان حين كانت تصطدم بمصالح الولايات المتحدة حتى إذا كان ذلك لأسبابٍ أخرى رسمياً. في نظام الأفكار نفسه، حاول البنك الدولي منهجياً إفشال الأنظمة التي تعدّ تهديداً للمصالح الأمريكية. كانت هذه هي الحال على سبيل المثال بالنسبة لحكومة جاكوبو أربينز في غواتيمالا في العام 1954. على العكس من ذلك، سيدعم البنك الدولي بعد ذلك الطغمة العسكرية التي ستطيح بجاكوبو أربينز. بين أكثر الأمثلة الأخرى شهرةً في إفريقيا، لنذكر دكتاتورية موبوتو في زائير، ودكتاتورية عيدي أمين دادا في أوغندا، وهابياريمانا في رواندا بدءاً من العام 1973، وإدريس ديبي في تشاد.
ديون البلدان النامية أداة إثراء للبلدان المصنعة
على العكس مما يعتقده الرأي العام عموماً، تأتي التدفقات المالية الأكبر من الجنوب إلى الشمال. في نهاية المطاف، الأشخاص الأكثر فقراً هم الذين يساعدون الأشخاص الأكثر ثراءً. في العام 2002، مثّلت التدفقات تحويل الموارد (هبات وقروض) من الجنوب إلى الشمال 200 مليار دولار. وفي العام 2004، حين بلغت المساعدات العامة للتنمية من بلدان التنمية والتعاون الاقتصادي الممنوحة للبلدان النامية 78 مليار دولار، مثّلت خدمة ديون البلدان النامية 374 مليار دولار. بالتالي، بلغت التدفقات المالية من الجنوب إلى الشمال 4.7 ضعف التدفقات المالية من الشمال إلى الجنوب (البنك الدولي، 2005). في العام 2004، بلغت مساعدات التنمية 54 مليار دولار، في حين بلغ التسديد 436 مليار دولار، أي ثمانية أضعاف.
حين استقلت الغابون في العام 1960، حوّل البنك الدولي لهذا البلد الديون التي تعاقدت عليها فرنسا لاستعمار الغابون، في انتهاكٍ كاملٍ لقواعد القانون الدولي. منذ ذلك الحين، لم تنفكّ قبضة القادة الفرنسيين على اقتصاد الغابون: عمر بونغو هو قبل كلّ شيءٍ الضامن لذلك. «ينبغي عدم تسديد دينٍ تشكّل في هذه الظروف لأنّه غير شرعي» (توسان، 2006).
دولارات المخدرات في خدمة الديون
أخيراً، يبدو أنّ العديد من البلدان التي تعدّ تلاميذ مطيعين لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي لم تنجح في موازنة اقتصادها إلاّ بفضل إنتاج المخدرات وبيعها. في ما يخص بوليفيا على سبيل المثال، لم يخدع أي اقتصادي بهذه المعجزة، فبفضل الكوكا والكوكائين، لم يتشظّ البلد. لقد قدّمت تجارة المخدرات للبلاد العملات الصعبة اللازمة لتسديد الديون. كما أنها سمحت بتجنّب انفجارٍ اجتماعي، عبر منح وظائف لعشرات الألوف من العاطلين عن العمل..
لقد استعلم قادة بلدان منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية حول هذه الحقيقة. لكنّ خدمة الدين تبقى ذات أولويةٍ على ما يبدو بالنسبة إليهم، بالمقارنة مع تطبيق إعلانهم الهادف إلى مكافحة تطور سوق المخدرات وتبييضها في فراديس ضريبية.
الخلاصة
السلطة والأسباب السياسية ـ الإيديولوجية هي التي تستطيع تفسير التفاوتات العالمية الحالية، بقدر ما تستطيعه السلطة والأسباب الاقتصادية. بصورةٍ خاصة، السلطة السياسية لدى أصحاب الخيرات الاقتصادية (التمويل ووسائل الإنتاج)، (الرأسماليون) هي التي تسيطر على السلطة السياسية لزعماء السلطات العامة. الأمر يتعلق بالحوكمة الاقتصادية والمالية الإيديولوجية والحوكمة على السلطات العامة (الوطنية والدولية).
إذاً، يأتي البعد اللاشرعي ليعزز عثرات الحوكمة اللاديمقراطية، لكنه يبقى في نهاية المطاف ثانوياً على الصعيد الكمي، حتى إذا بدا تقييمه مبخوساً على نحوٍ كبير. فضلاً عن ذلك، فإنّ جنحةً، حتى لو كانت صغيرةً ونادرة، يرتكبها نائبٌ انتخبه الشعب ينبغي أن يدفع المواطنين ووسائل الإعلام إلى التفاعل. والحال أنّ هذا الأمر يمرّ في كثيرٍ من الأحيان بصمت، لاسيما في فرنسا.
أخيراً، إذا كانت الرأسمالية الاقتصادية والسياسية تستطيع تفسير الوضع العالمي الحالي المتمثل في أقصى أشكال اللامساواة، فالليبرالية (بنزعها للقيود) لا تفعل سوى تعزيزه، عبر مفاقمة الميول نحو عدم احترام بعض النخب للقواعد (الفساد).