الاستفتاء البريطاني..أوروبا إلى الهاوية؟
إنجلترا ليس لديها الموارد ولا الرغبة ولا القدرة على لعب دور كبير حقيقي. مركز الحضارة الغربية أصبح الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية. ما كنا نراه في أوروبا في سنوات السبعينات والثمانينات من القرن الماضي عندما بدأت عملية الوحدة الأوروبية، لم تكن إرادة أوروبية، بل كانت ناتجاً عن إرادة الحضارة الأطلسية التي تركزت في الولايات المتحدة.
قرر «الأمريكيون» وضع الاتحاد الأوروبي تحت السيطرة. واليوم، في الواقع، هم يرفضون ذلك، فإنكلترا تمثل القطب الموالي للولايات المتحدة أو الأكثر ولاءً داخل الاتحاد الأوروبي. وإذا لم تعد انجلترا في الاتحاد الأوروبي فهذا يعني أنه ليس هناك حاجة للاتحاد الأوروبي القاري الفرنسي الألماني.
هل لا يزال هناك اتحاداً أوروبياً؟
القواعد العالمية لا يمكن تجاوزها من قبل أية دولة ذات سيادة، وخاصة أن إنجلترا لم تعد قوة كبيرة بعد الآن. في الواقع، إن القدرة على إدارة العالم هي فقط في يد الولايات المتحدة. إنجلترا قد تكون غير راضية عن بعض الأمور. فلها أعمالها الخاصة وهذا حق سيادي. ولكن إذا جعلت النخبة العالمية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أمراً ممكناً، فإننا يمكن أن نرى غداً انسحاب فرنسا وألمانيا وإيطاليا من الاتحاد الأوروبي.
لا أعتقد أنه من الممكن العودة إلى الدول القومية، كما كانت أوروبا تحت نظام معاهدة ويستفاليا التي نصت على سيادة الدول القومية. نحن نتحدث عن شيء آخر. فلا أحد يريد أن يسمح لأوروبا أن تعود لتلك الحالة التي كانت موجودة قبل بداية عملية التكامل في أوروبا. أعتقد أننا يمكن أن نرى عمليات أخرى مخيفة جداً في أوروبا، حرباً أهلية حقيقية. وحتى لو كان البريطانيون خارج الاتحاد الأوروبي، لكنهم ليسوا خارج أزمة سياسة الهجرة، والتي ستستمر في مواصلة الهجوم.
في رأيي، البريطانيون لم يعانوا كثيراً من أوروبا. نعم هم لم يحبوا بعض الأشياء. ولكن الاتحاد الأوروبي دون انكلترا هو اتحاد أوروبي مختلف. وإذا كان سيتم الحفاظ عليه دون انكلترا، وإذا بدأ في التحرك نحو المصالح الأوروبية القارية حقاً فسيكون لديه فرصة. ولكن هذا لن يحدث ببساطة.
تأثير الدومينو
إذا سألنا الايطاليين اليوم فهم بطبيعة الحال سوف يخرجون من الاتحاد الأوروبي. ونحن نعلم أن «رابطة الشمال» وحركة «خمس نجوم» دعوا إلى ذلك صراحةً. يجب أن نواجه الحقيقة: الاتحاد الأوروبي على وشك الانهيار. إنها نهاية برج بابل، على أساس الجغرافيا السياسية الأطلسية ونظام القيم الليبرالية.
البريطانيون كانوا قادرين على الحصول على هذه النتيجة في الاستفتاء وغادروا الاتحاد الأوروبي. وإذا أعطيت شعوب أوروبا الفرصة للتصويت على الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، أعتقد أن الايطاليين والألمان والفرنسيين سيخرجون، وذلك سيحدث في اليوم التالي.
احتمالات تفكك المملكة المتحدة
الاسكتلنديون لديهم بعض القلق تجاه البريطانيين. لقد عانوا كثيراً من العنصرية الإنجليزية، فضلاً عن الآخرين من الكلتيين والأيرلنديين الذين يتحدثون حالياً عن الوحدة مع إنكلترا. لا يمكن أن يكون هناك عودة إلى القومية الإنجليزية. كان الاسكتلنديون مع البقاء في الاتحاد الأوروبي لأنهم أرادوا الوقوف ضد البريطانيين، الذين أزعجوا الجميع في العالم بالسياسة الإمبريالية الأنجلو ساكسونية.
بريطانيا لا تغادر الاتحاد الأوروبي وحسب، إنها تختفي من التاريخ. ولكن مصير إنجلترا ومصير كاميرون ومصير اسكتلندا وأيرلندا المتحدة ليس الشيء الأكثر أهمية الآن. نحن نراقب نهاية أوروبا، شيئاً ما، كما قال شبنغلر وسلافوفيل. ستقع أوروبا في الهاوية بسبب ايديولوجيتها فائقة الليبرالية، وأعتقد أن حلاً ناعماً للخروج من هذا الوضع- كحل الاتحاد الأوروبي- لن ينجح.
منظمة شنغهاي للتعاون.. بديل للاتحاد الأوروبي
الأمر مفاجأة حقاً، ولكن الناس على حق، وفي الوقت نفسه فإن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، يخلق مركزاً بديلاً للحضارة متعددة القطبية- منظمة شانغهاي للتعاون، والتي تشكل أكثر من نصف العالم- وتملك الغالبية العظمى من السكان، والقوة النووية. انضمت الهند وباكستان إلى منظمة شانغهاي للتعاون، وبات من المتفق عليه دخول إيران إلى المنظمة.
ما يحدث اليوم: استفتاء حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ومنظمة شنغهاي للتعاون تصبح ذات أهمية أكبر، وتسبب التحولات في مركز الحضارات، مركز النظام العالمي يتحول إلى النصف الآخر من العالم. هذا هو التحول من الغرب إلى العالم الأوراسي. هذا في الواقع احتفالنا. لقد قال مؤسسو الأوراسية: «الغرب وبقية العالم». الاستفتاء حول خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي هو انهيار الغرب، وهو انتصار للإنسانية، ولكل الذين يعارضون الغرب ويسعون ليشقوا طريقهم بأنفسهم. والمشروع الرائد للبشرية هو منظمة شانغهاي للتعاون، والتعدد القطبي، وروسيا الحالية الدولة الحرة ذات السيادة، وأولئك الذين يعملون في النادي الأوراسي.
الاتحاد الأوروبي والناتو.. بداية النهاية
أشعر بوجود بعض التباين العميق بين النخب السياسية ومصالح الناس العاديين في العالم. النخب فرضت أجندتها، والناس يريدون شيئاً مختلفاً تماماً. يفهم الناس بشكل حدسي كيف تحررت انجلترا اليوم من إملاءات الاتحاد الأوروبي وبروكسل، وغداً سوف تتابع بلدان أوروبية أخرى الطريق نفسه. ونحن لسنا بعيدين عن اليوم الذي يبدأ فيه الناس بتحقيق مصيرهم الخاص.
ألمانيا هي حالة أكثر تعقيداً. فلديها حريات ديمقراطية أقل، وهناك المزيد من النفوذ الأميركي في السياسة الألمانية. إذا كانت انجلترا هي حليف الولايات المتحدة الطوعي، فألمانيا مجبرة على ذلك، وبالتالي فمن الخطورة بمكان أن نتحدث عن انسحابها من الاتحاد الأوروبي.
ومع ذلك فإن هناك الآن العديد من السياسيين الذين يتمتعون بشعبية كبيرة وسيكون لهم شعبية أكثر في المستقبل. هذا هو البديل لألمانيا - فروك بيتري، زعيم الحزب الذي أشاد بالبريطانيين الذين قدموا لهم مثالاً في الخروج من الاتحاد الأوروبي. الناتو هو القادم. البعض ترك الاتحاد الأوروبي، والبعض الآخر سيترك منظمة حلف شمال الأطلسي، لقد بدأ الغرب يفقد صورته حتى أمام نفسه.
الآن شمس الحياة في الاتحاد الأوروبي قد تجاوزت الظهيرة وبدأت بالغروب. هذا لا يعني أن الأمر قد حدث بالفعل. الناس الذين يفهمون هذا التوجه يسعون للاطمئنان بأن شيئاً سيئاً لن يحدث – وهذا غير مؤكد. ولكن أولئك الذين يفهمون التوجهات، يفهمون ما حدث ويفكرون بالفعل على هذا الأساس. بالنسبة للمحللين على نطاق عالمي، فإن الاتحاد الأوروبي قد انتهى. ولا رجوع عن ذلك. لا يمكن للبريطانيين إعادة التصويت. لقد تم تجاوز المرحلة الحرجة من تسوس أوروبا.