محمد عادل اللحام
email عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
لم يعد خافياً على أحد ما وصلت إليه الأزمة الوطنية من تطورات خطيرة سياسية واقتصادية واجتماعية باتت تهدد الوطن برمتة أرضاً وشعباً بالتفتيت لأسباب كثيرة منها الداخلي ومنها الخارجي، والأمر أصبح يحتاج إلى مواقف واضحة وصريحة من القوى التي يهمها حماية الوطن مما هو مرسوم له من مخططات أقل ما فيها تجعله ضعيفا، ولا حول ولا قوة له تجاه الحاضر والمستقبل، حيث المطلوب من الشعب السوري أن يرفع الراية البيضاء ويستسلم لقدره الذي يكتبه له الآن أعداؤه في الداخل والخارج، ولا نعني فقط من يحمل السلاح او من يمول هذا السلاح بل هناك قوى كثيرة لا تحمل السلاح، ولكنها تُكمل دور المجموعات المسلحة في إعاقة، ومنع ايجاد مخارج سياسية للأزمة الكارثية التي يعيشها وطننا، وفي تدميرها للبنية التحتية التي هي ملك للشعب السوري دفع ثمنها من عرقه ودمه و جوعه وحرمانه من أبسط احتياجاته التي تُمكَنه من القول أنا موجود على قيد الحياة.
الأزمة الوطنية الراهنة التي فجرت التناقضات السياسية والاجتماعية والطبقية الكامنة في المجتمع السوري، وأظهرتها إلى السطح دفعت قوى المجتمع السوري إلى حراك سياسي اجتماعي غير مسبوق من حيث الاتساع، والعمق يقابله ضمور في دور القوى السياسية التي كانت من المفترض أن تقود الحراك باتجاه مطالبه التي بدأ بها، وهي مطالب مشروعة من حيث الأساس بغض النظر عن المألات التي سار بها الحراك لأسباب كثيرة ليس مجال تناولها في هذه العجالة، ولكن ما يجب التأكيد عليه هو الدور الذي لعبته قوى الفساد في الدولة والمجتمع بتبني السياسات الاقتصادية الليبرالية التي لعبت الدور الأساسي في تجميع الحطب الذي أوقد الأزمة بكل تفاصيلها، ومازالت متقدة، لدخول عوامل إضافية خارجية وداخلية لها ارتباطاتها بالمشروع الإمبريالي الرجعي العربي الذي يريد ليس إسقاط النظام فقط بل يريد إسقاط سورية كجغرافيا وموقع سياسي، ومن هنا نفهم حجم الإصرار على إدامة نزيف الدم السوري بكل الوسائل والطرق السياسية منها والعسكرية، وهذا ما يجعل من الأهمية بمكان، الدور الذي من المفترض أن تلعبه القوى الوطنية في مواجهة القوى الداعية لإدامة الاشتباك، واستمرار نزيف الدم السوري داخل النظام وخارجه، وفي مقدمة تلك القوى الحركة النقابية التي تملك رصيداً تاريخياًمهماً في النضال الوطني، والدفاع عن الوطن منذ نشأتها الأولى التي كانت في خضم المعارك الوطنية التي خاضها شعبنا في مواجهة الاستعمار الفرنسي.
أظهرت التجربة بقوانين العمل خلال الفترة المنصرمة و إلى هذه اللحظة عدم تطابقها مع حقوق الطبقة العاملة بالشكل العام لهذه الحقوق بل كانت تعبر إلى حد بعيد عن مصالح قوى رأس المال وقوى الفساد في الدولة والمجتمع التي سعت بكل إمكاناتها السياسية والاقتصادية لإخراج قوانين العمل بما يتلاءم وطبيعة التوجهات الاقتصادية المتبناة من قبل قوى رأس المال والحكومة المنسجمة مصالحهما إلى حد بعيد والمتوافقة أهدافهما في تقليص المساحة الحقوقية للطبقة العاملة سواء في القطاع العام أو الخاص، وتقييد حركتها بالدفاع عن حقوقها ومصالحها بكم كبير من المواد مما جعل الطبقة العاملة السورية رهينة و أسيرة للقيود المكبِلة لحركتها حيث سيف العقوبات مسلطاً على رقاب العمال إذا ما تجاوزوا الخطوط الحمر التي وضعتها قوانين العمل وفي مقدمة ذلك عقوبة التسريح التعسفي التي اسُتخدمت على نطاق واسع خلال السنوات الفائتة لعمال القطاع العام تحت حجة مكافحة الفساد ولعمال القطاع الخاص تحت حجج كثيرة تفتقت عنها ذهنية أرباب العمل الضليعين في إيجاد الحجج والمبررات المختلفة لتسريح العمال من منشأتهم وخاصةً في ظروف الأزمة الحالية التي كشفت هشاشة نظرية الاعتماد الكلي على القطاع الخاص في الاستثمار والتشغيل التي روجت لها الحكومات السابقة للأزمة الحالية، و قدمت الإغراءات التي اعتقدت أنها ستجلب المستثمرين وفي مقدمة ذلك قانون عمل «عصري ومرن» يتوافق مع قوانين السوق التي تُخضع كل شيء لها حتى قوة العمل«العقد شريعة المتعاقدين»، والعرض والطلب التي تحوَل قوة العمل إلى سلعة خاضعة كغيرها من السلع لقوانين السوق الجائرة المعتمدة في السياسات الاقتصادية الليبرالية حيث فعلت فعلها في الاقتصاد والمجتمع.
السياسات الليبرالية التي جرى تبنيها اقتصادياً واجتماعياً كان لها دور مهم في التحضير للأزمة الوطنية العميقة بكل تفاصيلها المأساوية التي يعيشها الشعب السوري، منها الأزمات المعيشية المتتالية حيث يكتوي بنارها الفقراء، والفقراء حصراً، الذين هجروا وشردوا مراراً وتكراراً بفعل الأوضاع الأمنية التي تفرض نفسها بقوه على الحياة اليومية للمواطنين القاطنين في أماكن الأشتباكات مما زاد من حجم المعاناة وخاصةً في تأمين إحتياجاتهم اليومية من غذاء وخلافه الذين يجدون صعوبة بالغة في تأمينها أو الحصول عليها من خلال لجان الإغاثة الأهلية أو الحكومية العاملة في تقديم المساعدات لهؤلاء الذين حكم عليهم القدر، والمتقاتلون بأن يصبحوا مهجرين في أوطانهم لا معين لهم سوى صبرهم لحين الخلاص من الأزمة التي ابتلي بها الشعب السوري حيث لا خلاص منها إلاِ بإرادة المتضرر الأول والأخير الرافض للأقتتال الذي في النهاية هو تدمير للبشر والحجر، ولن يكون هناك رابح سوى القوى التي لها مصلحة في استمرار نزيف الدم السوري وهي قوى الفساد عند الطرفين.
الأزمة الوطنية السورية نقلت المجتمع السوري بما فيها القوى السياسية من حالة ما يشبه السكون إلى حالة أخرى تشبه إلى حد ما الحراك السياسي الواسع في مرحلة الخمسينيات من القرن الفائت، حيث كان النشاط السياسي، والمطلبي للشعب السوري عالياً، وهذا يعكس إلى حد كبير مستوى الحريات السياسية الذي كان سائداً في تلك المرحلة التي كانت تسمى العصر الذهبي للديمقراطية في سورية، حيث أطلقت طاقات الشعب السوري ومكنته من إسقاط المشاريع الاستعمارية المتعددة التي طرحتها القوى الامبريالية، والرجعية العربية لإعادة ترتيب المنطقة بما يتوافق مع المشاريع المطروحة آنذاك، والتي يعاد طرحها الآن، ولكن بصيغ وأشكال أخرى تتلاءم مع المتغيرات السياسية وموازين القوى العالمية والإقليمية والمحلية.
بنشتغل بناكل... مابنشتغل ما بناكل! وإذا حكينا أكثر بننحط بالقنينه!
هذا ما قاله أحد العمال الذين التقيناهم مؤخراً، وفي قلبة حسرة وألم لوضعه وأوضاع أمثاله من الفقراء والمحرومين، والمآل الذي أوصلوا إليه العمال في مستوى معيشتهم.
الحصار الاقتصادي المفروض على سورية منذ بدء الأزمة له نصيب مهم في تضييق الخناق على شعبنا من حيث توفر المواد الأساسية التي يحتاجها في غذائه اليومي، وما كان هذا ليحدث لولا السياسات الانفتاحية التي تمت مع الغرب مما أدى إلى ربط الاقتصاد السوري برمته «تقريباً» مع هذه الأسواق الأمر الذي جعل الاقتصاد الوطني يتأثر تأثراً خطيراً بالحصار الجائر المفروض، وبالتالي انعكاسه على قدرة الدولة على تأمين الحاجات الضرورية للمواطنين من خبز، وغاز، ومازوت، وغيره من الحاجات الأخرى التي أصبح تأمينها يشكل عبئاً مضافاً للأعباء الأخرى التي يعاني منها شعبنا وخاصةً الفقراء منهم المكتوين بنار الأسعار المتحكم بها من كبار الفاسدين والمحتكرين المسيطرين على الأسواق والمخازين من البضائع، وهذا الفعل الشائن يصب في طاحونة الحصار
«معقول راتبنا 20 ألف بالشهر؟!.. كيف بدنا نعيش فيهم؟ .. تجي الحكومه تأخذ الراتب كله وتشرف تصرف علينا لنشوف كيف بدها تقدر تعيشنا!»
النظام العالمي « الجديد » الذي ابتدعته القوى الاستعمارية والذي عبرت عنه اقتصادياً بالليبرالية الجديدة، هو النظام الاقتصادي الآتي مع التغير الذي جرى في موازين القوى والذي من خلاله يجري مركزة الثروة بأبشع أشكالها أي هو نظام أعلى نهب لمقدرات الشعوب وأوسع هجوم تشنه القوى الرأسمالية على حقوق ومصالح الطبقة العاملة بعد أن انتزعها العمال في مرحلة توازن القوى بين المعسكرين الأساسيين المعسكر الاشتراكي والمعسكر الرأسمالي ومازال الهجوم مستمراً وتعزز في الأزمة العميقة للرأسمالية.
مع مطلع كل شمس يُصدم العمال، والفقراء عموماً، بقائمة أسعار جديدة لضرورياتهم وحاجاتهم اليومية، التي تتقلص مع كل ارتفاع جديد في أسعار المواد الحكومة الطرف عنه تغض، أو بالأحرى يكون لها يد في تداوله، ليصيب هذا الكم الكبير من الفقراء مقتلاً
نعم يصيبهم مقتلاً؛ طالما هم عاجزون عن تأمين حاجاتهم وعائلاتهم بأبسط أشكالها وأنواعها، ومعرفة هذا الواقع لا تحتاج إلى استطلاعات ودراسات وأبحاث، كي يتحقق أولي العقد والحل من واقع الحال الذي وصل إليه الناس بمعيشتهم بسبب سياساتهم.