الحركة النقابية ومهماتها الراهنة

الأزمة الوطنية الراهنة التي فجرت التناقضات السياسية والاجتماعية والطبقية الكامنة في المجتمع السوري، وأظهرتها إلى السطح دفعت قوى المجتمع السوري إلى حراك سياسي اجتماعي غير مسبوق من حيث الاتساع، والعمق يقابله ضمور في دور القوى السياسية التي كانت من المفترض أن تقود الحراك باتجاه مطالبه التي بدأ بها، وهي مطالب مشروعة من حيث الأساس بغض النظر عن المألات التي سار بها الحراك لأسباب كثيرة ليس مجال تناولها في هذه العجالة، ولكن ما يجب التأكيد عليه هو الدور الذي لعبته قوى الفساد في الدولة والمجتمع بتبني السياسات الاقتصادية الليبرالية التي لعبت الدور الأساسي في تجميع الحطب الذي أوقد الأزمة بكل تفاصيلها، ومازالت متقدة، لدخول عوامل إضافية خارجية وداخلية لها ارتباطاتها بالمشروع الإمبريالي الرجعي العربي الذي يريد ليس إسقاط النظام فقط بل يريد إسقاط سورية كجغرافيا وموقع سياسي، ومن هنا نفهم حجم الإصرار على إدامة نزيف الدم السوري بكل الوسائل والطرق السياسية منها والعسكرية، وهذا ما يجعل من الأهمية بمكان، الدور الذي من المفترض أن تلعبه القوى الوطنية في مواجهة القوى الداعية لإدامة الاشتباك، واستمرار نزيف الدم السوري داخل النظام وخارجه، وفي مقدمة تلك القوى الحركة النقابية التي تملك رصيداً تاريخياًمهماً في النضال الوطني، والدفاع عن الوطن منذ نشأتها الأولى التي كانت في خضم المعارك الوطنية التي خاضها شعبنا في مواجهة الاستعمار الفرنسي.

إن هذا التاريخ المجيد، والمحترم يؤهل الحركة النقابية للعب دور متقدم في إيجاد مخرج آمن، سلمي للأزمة إلى جانب القوى الوطنية، والاجتماعية التي تسعى في حراكها السياسي لتأمين المناخ من أجل البدء في العملية السياسية والحوار الواسع بين القوى المختلفة التي ترى في الحوار مخرجا حقيقيا للأزمة يؤمن الحفاظ على الوحدة الوطنية وعلى وحدة البلاد كجغرافيا، وهذا يتطلب من الحركة النقابية إعادة توليف عملها على أساس ما تتطلبه المهمة الحالية التي تحدثنا عنها مستفيدة من التنوع الواسع الاجتماعي والسياسي في صفوفها، وفي مقدمة العمل المفترض القيام به الدفاع عن المواقع الإنتاجية التي تتعرض لهجمات مستمرة من المجموعات المسلحة مما يتسبب بتعطيل لهذه المنشآت وبالتالي تكون الخسائر مضاعفة للاقتصاد الوطني وللعمال الذين لا مورد رزق لهم سوى عملهم في هذه المنشآت، ولهذا فإن العمال لهم مصلحة حقيقية في الدفاع عن مكان عملهم، ويحتاجون لمن يؤازرهم في مهمتهم الوطنية هذه، والأولى بهذا الحركة النقابية باعتبارها ممثلة الطبقة العاملة والمدافعة عن حقوقها، وضرب المثل أمام العمال في التضحية والدفاع عن المنشآت الإنتاجية، سيلعب دورا مهما في شد عضد العمال من أجل الدفاع عن مكان عملهم، وسيؤكد للعمال بالملموس أن النقابات الممثل الحقيقي والمدافع الفعلي عن الاقتصاد الوطني وحماية الوطن التي أرادت قوى الفساد التفريط به من خلال تبنيها للسياسات الاقتصادية الليبرالية، وللعنف الذي يجعل نزيف الدم مستمراً، وهنا لا فرق بين قوى الفساد في الداخل والأخرى التي في الخارج لأن برنامجها الاقتصادي والسياسي قائم على الارتهان للخارج والاستيلاء على الثروة في الداخل، وهذا يعني أن الأزمات الاجتماعية المستعصية لن تحل، بل ستزداد استعصاءً مما يتطلب أوسع مواجهة مع قوى الفساد والنهب، وسد المنافذ التي عبروا منها وأشعلت الداخل تحت شعارات ظاهرها غير باطنها الغاية منها تجيش الفقراء  المكتوين بنار الفساد والنهب، بالضد من مصالحهم الحقيقية التي خرجوا من أجلها في بداية الحراك الشعبي السلمي.

إن الظروف الموضوعية للحوار بدأت تنضج بسبب وصول الحل العسكري بالاتجاهين إلى مأزق حقيقي لا مخرج منه سوى بالحوار الوطني الذي يحتاج فيها إلى جهود القوى الوطنية بما فيها الحركة النقابية التي يجب أن يتطور دورها، وفاعليتها بما يتناسب مع المخاطر المحدقة بالوطن.