محمد عادل اللحام
email عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
مع مطلع الأسبوع القادم تكون نهاية المؤتمرات المهنية التي تعقد كل عام والمفترض أنها تبحث بعمق بواقع المهن التي تمثلها، وتقدم المخرج من عنق الزجاجة لتلك الصناعات، التي أصابها ما أصابها قبل الأزمة وأثنائها، حيث عكست بعض المداخلات على قلتها واقع تلك الصناعات وما تحتاجه من استثمارات، كي تقلع وتدور عجلات إنتاجها التي تعيقها سياسات طال أمدها وتستكمل في هذا الوقت، تحضيراً لمراحل قادمة، يجري التحضير لها بكل عناية وهدوء.
ثمانية عقود مضت من عمر الحركة العمالية والنقابية منذ إعلان تاريخ تأسيسها الرسمي ولكن سبق هذا التاريخ إرهاصات مرت بها الحركتان حتى تمكنت من الإعلان الفعلي عن نفسها كحركة قائدة ومناضلة، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً مع الطبقة العاملة السورية، حيث تمكنت من فرض منطقها الكفاحي المستند تنظيمياً على حق الإضراب والتظاهر، الذي انتزعته وحققت عبره العديد من مطالبها المشروعة بالإضافة لدورها في مقاومة الاستعمار الفرنسي وملحقاته، الذين عبروا عن ارتباطهم بالاستعمار عندما جروا عربة غورو.
نشر على موقع اتحاد عمال دمشق بتاريخ 8/3/2017 خطة عمل اتحاد عمال دمشق، تحت عنوان «خطة عملنا» وفي نهاية المنشور طالب الاتحاد المعنيين بالشأن النقابي بتقديم اقتراحاتهم حول الخطة التي جاء في مقدمتها أنها مستخلصة من المؤتمرات التي عقدتها نقابات دمشق.
دائماً تشكل نقابات دمشق حالةً متقدمةً، بما يطرحه العديد من كوادرها في المؤتمرات أو خارجها، قياساً بالواقع النقابي العام السائد، وهذا طبيعي كون نقابات دمشق تعمل في قطاع واسع من المراكز الإنتاجية والخدمية، وهذا يجعل القضايا العمالية بارزةً بشكل أوضح، وبالتالي حجم المعاناة سواء فيما يتعلق بقضايا الإنتاج ومستلزمات تشغيل المعامل، أو ما يتعلق بمستوى الأجور والوضع المعيشي وارتفاع الأسعار، الذي أشار إليه المكتب المركزي للإحصاء، حيث قدر نسبة ارتفاع الأسعار بين آب 2015 – 2016 51% ونحن نعتقد أن نسبة الارتفاع تفوق تقديرات مكتب الإحصاء المركزي، ولكن مع هذا فهو إقرار من الحكومة بالارتفاع الكبير للأسعار في الوقت الذي بقيت قيمة الأجور الاسمية على حالها، بينما القيمة الفعلية انخفضت بنسب كبيرة.
(تجري الرياح بما لا تشتهي السفن) وحال العمال في مطالبهم وحقوقهم كحال السفن التي تصارع الرياح العاتية، من أجل إكمال سيرها، فإذا كانت أشرعتها قويةً بالقدر الكافي تتمكن من شق البحر وإكمال مسيرتها، والعمال كذلك. الرياح القوية التي ترسلها قوى رأس المال بالتوافق مع جهاز الدولة وآخرين لمنع سفينة العمال من العبور تجاه تحقيق مطالبها ومصالحها تمنع تحقيقها لأن أشرعة العمال وأدواتهم لم يكتمل بناؤها بالشكل الكافي والقادر على مواجهة الريح العاتية أي: إن درجة التكبيل والإحاطة بالحركة العمالية من الجوانب كافة عالية التركيز بحيث لا تستطيع هذه الحركة أن تجد المنفذ الذي يجعلها تنفذ منه في جدار الحصار المضروب حولها المتعدد الأوجه: سياسياً واقتصادياً وتنظيمياً.
انتهى عقد المؤتمرات في معظم المحافظات، وكان التفاوت واضحاً بين مؤتمر وآخر من حيث عدد المداخلين أو من حيث نضج المداخلات، التي طرحت، لكن ما أظهرته المؤتمرات بمستوياتها كافة تؤكد على عدة قضايا لابد من إعادة طرحها كونها تعبر عن واقع عكسه العمال بدون روتوش .. الواقع كما هو واقع منشآتهم ومستوى معيشتهم وأجورهم التي لا تكفي غلاء معيشة والمهم بما جرى طرحه رفضهم لما يُبيَّت للمنشآت الإنتاجية تحت دعوى إعادة الهيكله و«التطوير» المستند لمراسيم الاستثمار، وفي مقدمتها قانون التشاركية، الذي يجري الترويج له في الصحف المحلية كونه خياراً أساسياً لدى الحكومة بسبب «قلة» الموارد، التي هي موجودة في جيوب وبنوك من قاموا بنهبها وهذه الموارد قادرة - إذا ما جرى تأميمها - على تحقيق نقلةٍ نوعيةٍ في إعادة تدوير عجلة الإنتاج وتأمين مستلزماته التي تتعطل الآن.
يوماً بعد يوم تمضي المؤتمرات النقابية، ويتوضح من خلالها حجم المأساة الكبرى، التي تعيشها الطبقة العاملة، كما هو حال شعبنا الفقير، الذي يعيش المأساة نفسها، وربما الطبقة العاملة أكثر، لاعتبارات كثيرة كونها معنية مباشرةً في الدفاع عن مكان عملها وحمايته، والنهوض به وهذا بحد ذاته موقف سياسي ووطني، يقوله العمال لأصحاب المواقف الذين لم يعودوا يرون في قطاع الدولة الإنتاجي تلك البقرة الحلوب، التي كانت تدر الغنائم والمغانم، وبالتالي، فإن الخلاص التدريجي منه عبر إضعافه، وعدم الاستثمار فيه يأتي تحقيقاً لمقوله قديمة، قالها أحد جهابذة الاقتصاد السوري في مرحلة سيئ الذكر عبدالله الدردري «لندع القطاع العام يموت موتاً سريرياً»
المراقب لسير انعقاد المؤتمرات النقابية يلاحظ مباشرةً أنها تفتقد أهمّ عنصر من عناصر النضال النقابي والعمالي وهو: أن يعبر العمال عن قضاياهم الأساسية المتعلقة بواقع وشروط العمل في منشآتهم الإنتاجية ومستوى معيشتهم الذي وصلوا إليه وربطاً بذلك مستوى أجورهم وعلاقته بمستوى الأسعار هذا بالأغلب ولا يخلو الأمر من أحد لامس تلك القضايا هنا أو هناك ولكنها تبقى قليلةً ولا تعبر عن الواقع العام الذي تعيشه الطبقة العاملة.
نقابات دمشق تاريخياً، هي بوصلة الحركة النقابية ورافعتها، وهذا له أسبابه العديدة، يأتي في مقدمتها تمركز معظم الصناعات فيها، وبالتالي فإن عدد العمال المنتسبين إليها هو الأكبر عدداً، مما يكسب مؤتمراتها أهميةً من حيث الطرح وصياغة المواقف المطلوب اتخاذها، المعبرة عن المصالح والحقوق الأساسية للطبقة العاملة السورية، خاصةً، وأن العمال يتعرضون لهجوم كاسح يمسّ حقوقهم ومطالبهم، سواء عبر التشريعات، التي تنظم علاقتهم في أماكن عملهم، أو التعليمات التي تصدرها الحكومة، التي تدعو إلى تقليص تلك الحقوق تحت حجة تقليص النفقات، وهذا التقليص يمسّ العمال، والعمال فقط، ولا يمس من بيده الحل والعقد من المسؤولين الحكوميين عن إدارة العمل، بما فيها شؤون العمال.
تنشط مكاتب النقابات في التحضير والإعداد لتقاريرها، المفترض تقديمها للمؤتمرات، وفق المواعيد المحددة لكل نقابة، وتشمل تلك التقارير جوانب مختلفة من العمل النقابي والعمالي، والمطلوب تقديم إجابات عنها، تكون مقنعةً للعمال الحاضرين لهذه المؤتمرات، ولكن ما هو جارٍ في المؤتمرات السابقة والحالية كلها، والمزمع عقدها، أنها تكرر نفسها من حيث المطالب نفسها والقضايا المستمر طرحها، وتبقى المؤتمرات بدون قرارات تمس الحقوق الأساسية للطبقة العاملة، وفي مقدمتها أجورها ومستوى معيشتها وواقع منشآتها الإنتاجية والخدمية، حيث تسير معظم التوجهات الحكومية بما يخص إعادة تشغيل المعامل أو دعم ما هو قائم وينتج بحدوده الدنيا إلى عدم تقديم الدعم المطلوب لها، وتركها تصارع من أجل البقاء، إن تمكنت من ذلك.