بصراحة: نحو دور جديد للحركة النقابية

لم يكن لدى الحركة النقابية قبل الستينيات من القرن الفائت قانونٌ نقابيٌ ينظم الشؤون الداخلية للحركة النقابية ويحدد أطر عملها و شكل العـلاقة التي تربطها بالنظام السياسي وطبيعته، ونهجه الاقتصادي السائدين، ومدى توافقها معه من حيث تلبيته لمطالب الطبقة العاملة الاقتصادية والسياسية . ولكن ما كان معمولاً به أن كل نقابة لديها نظام داخلي تعمل وفقه على أساس المهنة والعرف المهني يحدد العلاقة بين أعضاء النقابة الواحدة وما يوّحد بين النقابات جميعاً هو الموقف العام من الحكومات البرجوازية التي كانت منحازة في مواقفها وبرنامجها الاقتصادي لمصلحة البرجوازية الناشئة مما دفع النقابات العمالية لاتخاذ مواقف حازمة من هذه الحكومات باعتبارها تمثل أرباب العمل ومصالحهم السياسية والاقتصادية وتعبر عن هذه المصالح في القوانين والتشريعات التي تصدرها و كانت النقابات ترى فيها أنها منحازة وغير عادلة وبالتالي لابد من النضال من أجل تعديلها بما يتوافق مع مصالح الطبقة العاملة وحقوقها وهذا تطلب من الحركة النقابية والحركة العمالية تصعيد نضالها الاقتصادي والسياسي بشكل متواز مستخدمين طرقاً ووسائل عده من أجل ذلك« التفاوض،العرائض الإضراب المحدود،الإضراب العام،التظاهر»، وقد حققت هذه الأشكال من النضال نتائج هامة يأتي في مقدمتها اعتراف البرجوازية بمطالب الطبقة العاملة وبمشروعية حقها في الدفاع عن مصالحها عبر إقرار حق العمال في استخدام الإضراب قانونياً حسب ما جاء في أول قانون للعمل أصدرته الحكومة البرجوازية بعد الاستقلال.

لقد مارست الحركة النقابية والطبقة العاملة هذا الحق بجدارة وما كان لها أن تجيد استخدامه  لو كانت أسيرة ومقيدة بحركتها ومواقفها لأي طرف من الأطراف السياسية العاملة على الأرض ولو كانت كذلك لأصبح حراكها ودفاعها عن حقوق الطبقة العاملة قاصراً وأسيراً لهذا الطرف أو ذاك مما سيفقد الحركة النقابية قدرتها على الحراك في اللحظة المناسبة التي يقتضيها ظرف التحرك.

إن الحديث عن استقلالية الحركة النقابية له أهميته  الاستثنائية في ظروف الهجوم الواسع التي شنته السياسات الاقتصادية على حقوق الطبقة العاملة ومكاسبها في القطاع الخاص والعام و منعت إلى حد كبير تأمين وتلبية المطالب العمالية التي كان يتقدم بها العمال مراراً وتكراراً دون أن يجدوا استجابة لهذه المطالب مما جعل الثقة بين العمال والحركة النقابية في أدنى مستوياتها وهذا ما تريد الوصول له وسعت لأجله القوى المتضررة من أن تستعيد النقابات دورها القوي في أن تكون مدافعة حقيقية وقائدة فعلية للحركة العمالية ولكن السؤال الذي لابد من طرحه ويحتاج إلى إجابة :« ما هي الأسباب الكامنة وراء عدم إمكانية الحركة النقابية تمثيل حقوق الطبقة العاملة والدفاع عنها خاصةً بمواجهة قوى السوق .»  

في مرحلة  تبني «مقولة التحول الاشتراكي» التي سادت واستمرت إلى ما بعد تبني اقتصاد السوق الاجتماعي في مؤتمر حزب البعث العاشر قد لعبت الدور الأساسي في إعاقة نمو وتطور دور الحركة النقابية وجعلها منصبة في كيفية الدفاع عن« التحولات الاشتراكية »   بينما واقع الحال يقول إن علاقات الإنتاج التي نشأت وتطورت وسادت هي علاقات إنتاج رأسمالية وإن كانت الملكية العامة للدولة  هي الأساس الذي نما من خلال العلاقة الوثيقة وبالتشارك معها القطاع الخاص الريعي بفعل الانفتاح الواسع على الرأسمال العالمي والعربي مما عزز من تمركز الثروة ووسع من دائرة النهب الذي قدّره الاقتصاديون ب 40% من الدخل الوطني حيث تعاظمت مؤشرات الفقر والبطالة وارتفاع الأسعار وأصبح مستوى المعيشة متدنياً جداً وهو السائد في الحياة العامة للطبقات الشعبية ومنها الطبقة العاملة .

 إن تبني الحركة النقابية لشعار النقابية السياسية هو الوجه الآخر لتبني أن ما يجري هو تحولات اشتراكية مما جعلها محكومة في توجهاتها ومواقفها لهذا التبني وأضعف العمل  تجاه الدفاع الجذري عن مصالح العمال الاقتصادية والسياسية، باعتبار أن ما هو جار يسير في طريق الاشتراكية ويحقق مصالح العمال الذين بدورهم لابد أن يدافعوا عنها سياسياً و من هنا بدأ يتسع التناقض بين مصالح العمال وبين توجهات الحركة النقابية وآليات عملها وهذا ما تؤكده وقائع إقرار قانون العمل الجديد رقم 17 الذي يحصد عمّال القطاع الخاص آثاره الكارثية والتسريح الذي تم للمئات من عمال القطاع العام وتدني الأجور الذي لا يتناسب مع ارتفاع الأسعار وتعطيل العمل في شركات القطاع العام وخنق القطاع الخاص الإنتاجي  الخ

إن على الحركة النقابية وعلى ضوء إقرار الدستور الجديد أن تعيد النظر بإستراتيجيتها وتكتيكاتها وآليات عملها وخطابها وإعادة الاعتبار لدور الطبقة العاملة وبأن لها مصالح لا يمكن تخطيها أو القفز فوقها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
542