الصوت العمالي وسؤال الفقر
قدمت دار الخدمات النقابية والعمالية في مصر تقريراً مطولاً عن أحوال الطبقة العاملة في مصر، من حيث الحريات النقابية وحق الإضراب للعمال المصريين، وموقف الحكومة المصرية من الإضرابات العمالية التي تتسع وتتطور في المعامل الكبيرة، وهي تنظم نفسها وتقدم مطالبها العادلة التي ترفضها الحكومة وأرباب العمل. ليس هذا وحسب، بل يلجأ الطرفان إلى معاقبة العمال إما بالاعتقال لقادتهم النقابيين أو بالطرد من العمل، وهي أساليب تتبعها الحكومات جميعها في كل البلدان نصرة لأرباب العمل شركائهم في استغلال ونهب منتوج العمال والفلاحين وأصحاب الأجور، أما النقابات الرسمية فمواقفها لا تتعدى التهدئة وإقناع العمال بعدم اللجوء إلى الإضراب والتصعيد.
التقرير مطول، واقتبسنا منه بعض الأجزاء لتشابهها بأحوال الطبقة العاملة السورية ومعظم العمال أينما وجدوا.
لماذا يغيب الصوت العمالي وسؤال الفقر؟
ما هي أحوال العمال معيشيّاً، والحدود بينها وبين الفقر؟ هو سؤال مهم سعينا إلى تضمينه في تقريرنا إجمالاً، وبشكل خاص، في فصلنا هذا.
بالرغم من أن العامل سببٌ رئيسيٌّ في أية خطوة تُعنى بالنمو الاقتصادي للمجتمعات، فالعناية بأحواله، ومتطلباته، ليست بالقدر نفسه من الأهمية لدى المهتمين بالنمو الاقتصادي، حيث لا يتم احتساب ميزاته المادية على قدر ما يمنح العمل من عمره، أو حسابات التضخم، التي تبتلع أجره بالكامل، وتقضي على أية قوة شرائية ممكنة لتلك الأجور الزهيدة.
في الواقع يعيش العمال أزمة الأجور منذ عقود، والتي لا تحتسب على قدر احتياجاته، وإنما بحسب مزاجية صاحب العمل، وأعلى ربح ممكن له، فالحد الأدنى للأجور الذي بدوره وصل إلى 4 آلاف جنيه، أي ما يوازي 80 دولاراً شهريّاً حسب سعر الدولار غير الرسمي (يطبق فقط في القطاع العام الذي يمثل أقل من ثلث مجموع القوى العاملة في مصر).
جديرٌ بالذكر أن الحد الأدنى للأجور، يتم احتسابه مشمولاً بالمقتطع التأميني الذي يفترض أن يدفعه صاحب العمل لا العامل.
أما الوضع في القطاع الخاص فحدث ولا حرج، حيث العمال لا يسمح لهم بإنشاء النقابات التي تحميهم، ولا وزارة تراقبه، ما يخلق وضعاً جائراً يجعلهم من الفقراء، أو على الأقل من المهددين بالجوع، الذين يعملون لساعات طويلة، بلا عائد يقيهم العوز.
للوقوف على حجم الأزمة التي يعيشها العمال، وفروق العملة، والتضخم، يمكننا الاستعانة بعام 2013 كسنة قياس، إذ كان الحد الأدنى للأجور 1200 جنيهاً مصريّاً، وكان يعادل 172 دولاراً تقريباً، حيث كان الدولار أقل من 7 جنيهات، وعليه فالزيادة في الحد الأدنى التي تروج لها الحكومة والتي أصبحت تعادل 80 دولاراً، ليست زيادة حقيقية، بل أوهاماً تفضحها نسب التضخم التي تآكلت معها الدخول.
فيما يخص أصحاب المعاشات، فالأمر بالغ العوار، على سبيل المثال من المفترض أن تزيد المعاشات بشكل يرتبط بنسب التضخم، وبقانون واضح، لا بقرار سنويّ من السلطة التنفيذية، إذ تقتصر الزيادة على نسبة الـ 14 %، في حين أن نسب التضخم تصل إلى أكثر من 35%.
ومن المعروف أن صندوق التأمينات قد تعرض للنهب منذ سنوات، في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، ووزيره بطرس غالي، الذي ضارب بأموال المعاشات في البورصات العالمية، وضمها إلى ميزانية الدولة.
حتى قرار الحكومة منذ أعوام كان برد أموال التأمينات على دفعات، وفي طريقها إلى هذا الرد تستعمل كل الوسائل في التضييق على الصندوق، ولا تجعل من أصحابه، أي أصحاب المعاشات ينعمون بأي من نجاحاته.
ويحقق الصندوق فوائض بشكل مستمر؛ على سبيل المثال حقق الصندوق في 2021 فائضاً بقدر 6.28 مليار دولار، حيث بلغت مصروفاته الإجمالية 16.5 مليار دولار، في حين بلغت إيراداته نحو 22.79 ملياراً.
كما نجد التكريس لوضع فجوة معاشات مثل فجوة الأجور، وجاء ذلك في أسوأ صوره بتقسيم القانون أصحاب المعاشات إلى درجات، حيث عِلية القوم أصحاب المادة 27 من رئيس الوزراء والوزراء ورئيس مجلس النواب ونوابه والمحافظين ونوابهم يحتسب معاشهم بالمعامل الاكتواري 10 /1 للموظفين والعمال العاديين على أساس 45 /1 رغم دفعهما للنسبة نفسها من الاشتراكات.
وعبر قانون التأمينات نفسه رقم 148 لعام 2019، نفضت الدولة يديها من أبناء العمالة غير المنتظمة تماماً، وحرمتهم من الحصول على أي معاش مستقبلاً، عبر إلزامهم بدفع مبلغ شهريّ، وهو ما يعجز عنه أغلبهم، حيث لا دخل ولا عمل مستقراً. الحد الأدنى لأجر الاشتراك 2000 ج يقوم المشترك بدفع %9، أي يبلغ إجمالي الحد الأدنى لما يجب أن يقوم المشترك بدفعه 200 ج في يناير 2024 وقد زادت الطين بلة محاولات الدولة التخلي عن مسؤولياتها، عبر رفع الدعم، وتقليص المساعدات الخاصة بها للمواطنين الأكثر فقراً، والمتمثلة في صندوق «تكافل وكرامة».
وخلال عام 2023 أصدر رئيس الوزراء مصطفى مدبولي قراراً بتحديد الفئات المستفيدة من معاش «تكافل وكرامة» تنفيذاً لقرار كان الرئيس عبد الفتاح السيسي قد أصدره أوائل آذار 2023 يقضي بزيادة نسبة 25% على قيمة هذا المعاش المخصص لأفقر فقراء البلاد، وطبقاً للقرار المنشور في الجريدة الرسمية، بلغ معاش الأسرة المستفيدة من برنامج «تكافل» 406 جنيهاً شهريّاً، وبلغ معاش المطلّقة أو الأرملة أو زوجة السجين 437 جنيهاً، ومعاش المعاق أو المُسنّ من الذين يستفيدون من برنامج «كرامة» نحو 562 جنيهاً شهريّاً، وهي أرقام تجعل متقاضيها من الجوعى الذين لا يستطيعون تلبية أي بند من بنود الحياة الأساسية بما فيها الطعام. والحقيقة أنه حتى مع هذا المبلغ الزهيد فإن حجم تغطية الصندوق للفقراء لا يتجاوز 50% منهم.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1162