فقدان التوازن في علاقة العمل
أديب خالد أديب خالد

فقدان التوازن في علاقة العمل

نص قانون العمل رقم 17 لعام 2010 ولأول مرة في قوانين العمل السورية على منح صاحب العمل حق تسريح العامل من العمل بسبب ارتكاب العامل لأي خطأ، وكان القانون يعد ذلك تسريحاً غير مبرر يوجب التعويض للعامل بمقدار أجر شهرين عن كل سنة خدمة على ألّا يزيد التعويض على 150% من الحد الأدنى للأجور والرواتب.

وبناء على هذه المادة، أطلقت حرية يد صاحب العمل في تسريح عماله والتي ألغت الرقابة القضائية المسبقة أو اللاحقة على قضايا تسريح العمال كما كان معمولاً بالقوانين السابقة، مقابل تعويض نقدي يستحقه العامل، وقد تم تسريح عشرات الآلاف من العمال بناء على هذه المادة المجحفة بحق العامل والتي أفقدت التوازن المطلوب في علاقة العمل حيث منعت العامل من الحماية القضائية الممنوحة له وتركته رهينة لمزاجية صاحب العمل.
جعلت المادة /65/ هذه جميع الحقوق العمالية المنصوص عليها في قانون العمل مجرد حبر على ورق وفي مهب الريح بسبب سلاح التسريح المسلط على رقبة العامل الذي يتجرأ ويطالب بحقوقه، فيكون التسريح غير المبرر عقاباً له على المطالبة بحقوقه العمالية.

الثقافة الشعبية متطورة أكثر من القانون

وبحسب العرف الجاري في البلاد والثقافة المحلية يعتبر التسريح غير المبرر مرفوضاً اجتماعياً وأخلاقياً، حيث تنص الأعراف المحلية على مبدأ قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق، وهو مبدأ شعبي بسيط ينص على احترام أرزاق الناس وحرمة المساس بها لما تخلفه من عواقب وخيمة من عوز وفقر وبطالة، خاصة عندما يكون العامل مسؤولاً عن إعالة أسرة بأكملها.

تعويض غير قانوني

أما بالنسبة للتعويض والذي وضع له سقف قانوني مسبقاً يجب ألّا يتجاوزه فهذا التعويض بالتأكيد لا يحمل معنى التعويض الحقيقي المنصوص عليه في القانون من حيث إنه يجب أن يكون مساوياً للضرر الذي يلحق بالعامل أو مجبراً له، فالمسؤولية المدنية في القانون تعني إلزام المسؤول بأداء التعويض للطرف المتضرر فهي لا تحمل معنى الردع بقدر ما تفيد معنى جبر الضرر الذي تسبب فيه الشخص المسؤول.

طريقة حساب التعويض

كما المحاكم العمالية وعند تحديدها لمقدار تعويض التسريح يتم احتسابه على الحد الأدنى للأجور والرواتب وهو /93/ ألف ليرة سورية فقط وهو مبلغ قليل جداً خاصة أن المطالبة القضائية فيه ورفع قضية على صاحب العمل لدفع قيمة التعويض تحتاج إلى سنوات في القضاء وهو ما يجعل عدم المطالبة بالتعويض أوفر من المطالبة به، وبالتالي لا فائدة حقيقية منه خاصة مع تراجع قيمة العملة المستمر وارتفاع الأسعار ناهيك عن قيمة مصاريف القضية وأتعاب المحامي والتي تستغرق عادة التعويض!!!

المراهنة على الأخلاق!!!!

وبالتالي نكون هنا أمام ظلم حقيقي لحق بالطبقة العاملة، وما الحديث عن التعويض إلا ذر للرماد في العيون فحتى مع حصول العامل على التعويض فسيكون هو قد وقع في البطالة مجدداً ومن دون سبب منه وهو أكبر عنصر يُفقد الاستقرار الذي يعد عنصراً أساسياً في علاقة العمل فشعور العامل بأنه قد يتم تسريحه في أية لحظة يجعله في قلق وترقب دائم ويفقد حماسته للعمل أو قد يعرض نفسه للعمل أكثر، وفوق طاقته لينجو من التسريح، وهذا بحد ذاته استغلال بشع للعامل وكأننا عدنا بالعمال إلى مرحلة العبودية، ولكن لم ينسَ واضعو قانون العمل التنبيه في بدايته على أن العلاقة بين العامل وصاحب العمل يجب أن تكون قائمة على الاحترام المتبادل والإنسانية وبهذا يكون القانون قد ترك علاقة العمل ليتم تحديدها وفق اعتبارات أخلاقية حيث تتم المراهنة على أخلاقيات صاحب العمل في التعامل مع عماله وهو مبدأ ليس له مثيل في قوانين العمل الدولية أو الإقليمية، لأن غاية صاحب العمل معروفة وهي الربح فقط لا غير.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1112
آخر تعديل على الإثنين, 06 آذار/مارس 2023 10:06