ما ينطبق على البضاعة لا ينطبق على قوة العمل

ما ينطبق على البضاعة لا ينطبق على قوة العمل

يبلغ الحد الوسطي للمعيشة وفقاً لمؤشر قاسيون ما يزيد عن 3,000,000 ليرة شهرياً لعائلة تتألف من خمسة أشخاص، في حين أن متوسط الأجور يتراوح ما بين 150,000– 200,00 ليرة شهرياً، وعلى فرض أنه يوجد فردان عاملان من كل خمسة أشخاص فإن دخل هذه العائلة لا يتجاوز 500,000 ليرة شهرياً، وبالتالي فإن نسبة تغطية هذه الأسرة ذاتها لتكاليفها ومحددات بقائها لا تتجاوز 15.6% وذلك بناء على المعطيات والوقائع الحالية.

على الجهة المقابلة يخرج أحد المسؤولين والمعنيين بشؤون البلاد ويدلي بتصريحاته المبهرة– التي تدل على مدى فهمه العميق لألف باء الاقتصاد– ويقول: إن الحكومة تبيع اللتر من مادة المازوت بسعر أقل من تكلفته، دلالة منه على كفاءة الدور الوظيفي للقطاع العام المتمثل بالحكومة المبجلة، إضافة إلى ذلك وكما هي العادة فإن هذا النوع من التصريحات عادة ما يدل أيضاً على قصف تمهيدي يسبق موجة ارتفاع أسعار المادة المعنية بالتصريح، وهذا إن دل على شيء فهو يدل على ما ذكرناه آنفاً بمدى فهم هذا المسؤول وتمكنه من قوانين الاقتصاد، وبالتالي فإنه يعي تماماً أن الاستمرار ببيع أية بضاعة بسعر أقل من تكلفتها سيؤدي حتماً إلى عدم توفرها وانقراضها، وبالتالي وانطلاقاً من ضرورة استمرار الدور الوظيفي للحكومة لا بد من رفع الأسعار سعياً منهم إلى تـأمين هذه المادة وتوفرها بالشكل المطلوب، وإلا فإن هذه المواد سوف تموت ولن تعود الدولة قادرة على إعادة إنتاجها وتوفيرها مع الأخذ بعين الاعتبار بأن المادة حالياً ومنذ سنوات عديدة هي ليست متوفرة أبداً بالسعر المدعوم الذي يعاني منه هذا المسؤول (بس يعني بكفي إنو في نية).
ولكن للأسف فإن هذا المسؤول يعاني من اضطراب ثنائي القطب، فتارة يكون محللاً اقتصادياً فذّاً يفهم القوانين التي تحكم الظواهر الاقتصادية، وتارة أخرى يتحول إلى جاهل لا يفقه شيئاً بهذا العلم، فعندما يكون الحديث عن أسعار المواد والبضائع يأخذ دور آدم سميث بطريقة تعامله وتحليلاته الاقتصادية، أما عندما تكون المشكلة لها علاقة بالأجور والرواتب فيأخذ دور (شاهد ما شفش حاجة)، وتصبح القوانين الاقتصادية منتهية الصلاحية ولا تصلح لأي شيء، ويبدأ بصياغة قوانينه الخاصة التي تتناسب ومصالحه ومصالح من وراءه.
فإذا كانت مادة المازوت مهددة بعدم توفرها وفقدانها من الأسواق بسبب بيعها بسعر لا يغطي حتى تكاليفها الإنتاجية، ماذا سيحدث بقوة عمل الطبقة العاملة التي لا تغطي تكاليف تجديدها بنسبة تتجاوز 15% وذلك بأحسن الأحوال، أليس من البدهي أن الحسابات التي تنطبق على مادة المازوت أن تنطبق على حسابات قوة العمل، من يشعر بخطر فقدان مادة المازوت بسبب أسباب معينة، ألا يجب أن يشعر بانقراض الطبقة العاملة للأسباب ذاتها، إلا إذا كانت الإستراتيجية العامة للإدارة الحكيمة هي تدمير ممنهج للطبقة العاملة والقضاء على وجودها وذلك في سبيل زيادة الأرباح وتعبئة الجيوب المتخمة بتعب وعرق وقوة الطبقة العاملة.
انطلاقاً مما سبق نوضح قصة هذا الأسبوع، قصة العم أبي خالد الذي يعمل بإحدى وظائف القطاع العام، علماً أنه يتقاضى راتباً شهرياً لا يتجاوز 100,000 ليرة فقط لا غير. العم أبو خالد أب لثلاثة أولاد، أكبرهم ملتحق بالخدمة الإلزامية، وبالتالي فإنه المعيل الوحيد لهذه العائلة البائسة، 100,000 ليرة تشكل حوالي 3.12% من الحد الوسطي للمعيشة، تعيش هذه الأسرة بمعدل دخل 3.12% من إجمالي الاحتياجات الأساسية. يعمل العم أبو خالد يومياً حوالي 8 ساعات أي إن أجرته اليومية تقدر بـ 3846 ليرة فقط لا غير، وأجرته الساعية تقدر بحوالي 480.8 ليرة يتقاضها كل ساعة. وبمقارنة بسيطة بين حجم الدخل وحجم الالتزامات يتضح لنا مدى خطورة هذا الموقف، يتضح لنا حجم التدمير الذي تتعرض له الطبقة العاملة (المحرك الأساسي للاقتصاد الوطني)، إن استمرار هذا الحال سيؤدي حتماً إلى انقراض الطبقة العاملة وفنائها تماماً كما سيؤدي بيع مادة المازوت بهذا السعر. ولكن على ما يبدو (ما ينطبق على البضاعة، لا ينطبق على قوة العمل).

معلومات إضافية

العدد رقم:
1098