تدمير رأس المال البشري
بحسب أرقام المكتب المركزي للإحصاء في سورية والذي انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي فإن الاقتصاد السوري خسر خلال سنوات الأزمة حوالي خمسة ملايين عامل في القطاعين العام والخاص، وبينت الأرقام أن عدد العاملين عام 2010 زاد على ثمانية ملايين عامل في القطاعين، متراجعاً بنسبة 63%.
وأكد المحلل الاقتصادي علي أحمد أن تيارات الهجرة السورية اتجهت نحو الجوار الجغرافي القريب بالدرجة الأولى العراق والأردن ولبنان، ومن ثم إلى البلدان مختارة حسب شروط العمل والتسهيلات المقدمة للمهاجرين، وأوضح أنه من واجب الحكومة مواجهة الظاهرة وليس تجاهلها لأن النظرية الاقتصادية ونظريات التنمية تؤكد على الدور الهام الذي يلعبه رأس المال البشري في النمو طويل الأمد والمستدام منتقداً في الوقت نفسه وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل لعدم امتلاكها أية بيانات عن توزع القوى العاملة السورية سواء في الدول العربية أو الأجنبية.
الأسباب الجوهرية
قبل البحث عن وجهات الهجرة للعمال في سورية، الأهم البحث في الأسباب الحقيقية وراء هذه الظاهرة، ليس انفجار الأزمة فقط، فالهجرة الداخلية بدأت في سورية من قبل اندلاع الأزمة، حيث خسر القطاع الزراعي مئات الآلاف من العمال في الشمال الشرقي الذين لجأوا إلى المدن بحثاً عن فرصة عمل بسبب الجفاف والسياسات الاقتصادية الليبرالية التي رفعت من تكلفة العمل الزراعي وأدت إلى خسارته نتيجة لرفع أسعار الأسمدة والمحروقات.
قانونياً
ناهيك عن شروط وظروف العمل المجحفة حيث تمت تهيئة البيئة القانونية المناسبة لصالح أرباب العمل من خلال إصدار قانون العمل رقم 17 لعام 2010 والذي خلق بيئة عمل لا إنسانية للعمال بسبب عدم شعور العامل بالاستقرار في عمله بسبب التسريح التعسفي والذي أدى إلى تسريح عشرات الآلاف من العمال من أعمالهم خلال الأزمة.
سياسياً واقتصادياً
رغم إقرار دستور جديد للبلاد عام 2012 والذي أقر الكثير من الحقوق للطبقة العاملة منها حق الإضراب وتحديد حد أدنى للأجور يتناسب مع ارتفاع تكاليف المعيشة وبناء اقتصاد قائم على العدالة الاجتماعية وحماية قوة العمل، إلا أن السياسات الحكومية والتي تسير وفق منطق الليبرالية الاقتصادية وتعليمات صندوق البنك الدولي والتي عملت على إفقار الطبقة العاملة ومحاصرتها، وبل وتدميرها من خلال تجميد الأجور وتحرير الأسعار وخصخصة القطاع العام حتى وصلت الطبقة العاملة إلى حافة الجوع واليأس والإحباط وإجبارها على الهجرة نحو الخارج.
كذلك منع العمال من مجرد التعبير عن أوجاعهم وفرض الوصاية على نقابات العمال ومنعها من القيام بدورها الأساسي في الدفاع عن مصالح العمال رغم كل الظروف والمآسي التي تعرضت لها الطبقة العاملة قبل الأزمة وبعدها وخاصة تآكل الأجور وانخفاض قيمتها دون أي تعويض أو تقديم الدعم لهم، بل على العكس، تم رفع الدعم عن العمال رغم كل ذلك، وبات راتب العامل لا يكفيه ثمن مواصلات للذهاب إلى العمل وثمن خبز لعائلته شهرياً.
رمي المسؤولية على الأزمة وحدها من خلال التركيز على العامل الخارجي هو محاولة لرفع المسؤولية عن السياسات الحكومية قبل الأزمة وخلالها وتبرئة لليبرالية الاقتصادية التي زرعت بذور انفجار الأزمة قبل عام 2011 وزادت من تعقيدها وعمقت من آثارها حتى الآن وهي اليوم بمثابة رأس حربة في الهجوم الغربي على السوريين داخلياً وتجريفهم من أرضهم من خلال تدمير اقتصادهم وتمزيق مجتمعاتهم.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1098