تدمير الطبقة العاملة يعني تدميراً للاقتصاد الوطني

تدمير الطبقة العاملة يعني تدميراً للاقتصاد الوطني

أثناء لقائنا مع مجموعة من العاملين بأحد المعامل المصنعة للألبسة الرجالية الموجود في منطقة الباردة، وقد تم اللقاء تزامناً مع الانتهاء من إنتاج الموسم الشتوي وذلك بعد عمل جولة مكثفة على صالات الألبسة في المناطق الرئيسية لأخذ نظرة عامة عن متوسط الأسعار لهذا الموسم، علماً أن أسعار الألبسة بشكل عام لهذا الموسم مرتفعة جداً وذلك قد يعتبر منطقياً نظراً للأزمات الاقتصادية العالمية عموماً وانعكاساتها على الاقتصاد الوطني خصوصاً. حيث بلغت الأسعار للألبسة الرجالية الرئيسية كما هو موضح فيما يلي: الجاكيت الشتوي 450,000 ليرة، الكنزة الصوف 140,000 ليرة، بنطال الجينز 95,000 ليرة، الحذاء حوالي 150,000 ليرة، وبالتالي فإن متوسط الأسعار بشكل تقريبي يبلغ حوالي 210,000 ليرة فقط لا غير.

نعود الآن إلى العمال الذين تقابلنا معهم علماً أن الحديث تمحور حول المشكلات والصعوبات التي يتعرضون لها في المكان الذي يعملون به، فقد تم تناول الموضوع من جوانب متعددة وضحوا من خلالها أهم المعيقات التي يواجهونها، وكحال الطبقة العاملة عموماً فإن أهم معضلة مستعصية الحل يواجهونها هي أزمة الأجور المتدنية.
استلم الحديث العم أبو رمزي وهو عامل على مكنات الدرزة والحبكة، وراح يسرد معاناة العمال جميعاً بداية من صعوبات الوصول إلى الدوام وأزمات السير وخصومات التأخير نهاية الشهر، مروراً بروتينية العمل وجموده وطول فترته، انتهاءً بسوء معاملة رب العمل والأجور المتدنية أو إن صح القول الأجور المعدومة. بالنسبة للنقطة الأولى قال أبو رمزي (بعد ما لغولنا المواصلات، صار بدنا هداك الرقم لحتى نوصل ع المعمل يعني شوفة عينك الموصالات شبه معدومة ومشان هيك صرنا نتأخر مجبرين ع المعمل لاء وآخر الشهر بكل عين وقحة بقلنا المحاسب انخصم عليكن لأنو عم تتأخرو، يعني فوق الموتة عصة قبر) أما من الناحية الثانية أضاف أبو رمزي (بعد ما نوصل ع المعمل بعد شق الأنفس منستلم هالمكنة من أول الدوام لآخره، يا زلمة لو هالمكنة إلها تم يحكي أنا متأكد إنها صارت بتعرفني أكتر من عيلتي. من الساعة 8:30 للساعة 5:00 على قعدة وحدة، هاد غير إنو بذروة الموسم منضطر نشتغل وردية تانية)، في حين عبر عن النقطة الثالثة كما يلي: (هلق منجي للمشكلة الأهم صاحب الشغل بيتعامل معنا كأنو عبيد عندو، كلمة الله يعطيكن العافية غصب بتطلع منو، بالصيف منموت من الشوب، وهلق جايينا البرد وبلش يمهد إنو مارح يقدر يركبلنا صوبيا هاد الموسم على أساس بغير موسم هو بيغمرنا بكرمه. ومشان الرواتب نحنا عمال المكنات منقبض 600,000 ألف بالشهر أما عمال الأمبلاج والتحضير يا دوب يلحقو 300,000 ألف بالشهر، لك ما منلحق نقبض من هون إلا بكون الراتب طار من هون، خيو شو بدك تلحق لتلحق أكل وشرب ومواصلات وأدوية، المصروف كتير كبير).
انطلاقاً مما سبق يتضح حجم الفجوة الحاصل بين الأجور والأسعار وبالتالي الأرباح، حيث يساوي الأجر تقريباً ثمن ثلاثة قطع ألبسة فقط لا غير بشكل متوسط، علماً أن العامل الواحد ينتج شهرياً بشكل متوسط حوالي 300 إلى 450 قطعة جاهزة للبيع، أي ما يقدر بحوالي 8,400,000 مليون ليرة سورية ينتجها العامل الواحد شهرياً. ومعدلات الربح لهذه الصناعة تقدر بشكل متوسط ب 50% من التكلفة أي تكلفة إنتاج الواحد شهرياً تقدر بحوالي 5,600,000 ليرة سورية، وبالتالي فإن قيمة الربح الصافي يقدر بحوالي 2,800,000 ليرة فقط لا غير. وبعمل بعض الحسابات البسيطة يتبين حجم النهب والظلم الذي يتعرض له العمال أثناء قيامهم بعملهم فهم يتعرضون للظلم في الإنتاج الذي ينتجونه هم يتعرضون لنهب قوة عملهم وقيمة العمل الذي لولاها لما كان هناك أية قيمة مضافة ولبقيت المواد الأولية والمكنات ميتة لا حياة فيها. حيث تبلغ نسبة الأجور من صافي الأرباح المحققة حوالي 21.4% فقط لا غير، في حين أن نسبة الأجور من إجمالي قيمة الإنتاج تبلغ حوالي 7.1% فقط لا غير.
نهايةً إن مثل هذا الظلم والنهب الذي تتعرض له الطبقة العاملة بالمجمل- حتى أنه يكون معدل النهب في بعض الصناعات الاخرى مرعب وخطير الى حد لا يمكن للعقل ان يتصوره- من شأنه أن يدمر الطبقة العاملة والمنتجة والداعم الأساسي والرئيسي للاقتصاد الوطني، وكل ذلك من أجل القلة القليلة التي تسعى إلى تدمير البنية الاجتماعية والاقتصادية في سبيل زيادة أرباحها، علماً أن الطبقة العاملة وأصحاب الأجور تشكل حوالي 90% من مجمل السكان في حين أن أصحاب الأرباح يشكلون 10% من مجمل السكان، ومع ذلك فإن كل السياسات والقرارات تصب في مصلحة أصحاب الأرباح ليس فقط على حساب الطبقة العاملة فحسب، بل حتى على حساب الدولة السورية وتاريخها ووجودها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1095
آخر تعديل على الإثنين, 07 تشرين2/نوفمبر 2022 11:57