النقابات فِعلٌ قبل القول..

النقابات فِعلٌ قبل القول..

كلّما اتسعت الحريات وتوطدت ازدادت النقابات قوة وصلابة في الدفاع عن حقوق العمال ومطالبهم، وعلى رأسها حقوق العمال المتعلقة برفع مستوى حياتهم ومعيشتهم بما يوازي هذا الغلاء المستشري في البلاد. إن رفع الأجور لمستوى متوسط المعيشة ومحاربة الفساد الكبير والنهب والغلاء هي ليست قضية العمال فحسب، بل هي قضية وطنية بامتياز.

وهذا الواقع الذي نشهده اليوم يوضح لنا يوماَ بعد يوم أن قوى النهب والفساد الكبير تزداد أرباحها من سرقة كل شيء في البلاد، وحتى سرقة أحلام العمال والفقراء كافة. إن عمال قطاع الدولة والقطاع الخاص قوة لا يستهان بها من حيث العدد، ومستوى الوعي الذي تملكه من خلال معاناتها مع أرباب العمل في الدولة وخارجها. لذلك لا يجوز أن يكون التنظيم النقابي متساهلاً في الدفاع عن حقوقهم ومطالبهم، وبعيداً عن مساهمتهم في الحركة النقابية. فأغلب العمال في القطاعين الخاص والدولة وبالأخص منهم الذين يعملون في القطاع غير المنظم، والميامون والعقود المؤقتة، يعملون في ظل ظروف عمل رديئة، فهم محرومون من تدابير الأمن الصناعي والصحة والسلامة المهنية، وفي مقدمتها: ضعف أجورهم، وعدم تسجيل أغلبهم لدى مؤسسة التأمينات الاجتماعية. المنظمة النقابية لا تستطيع فرض احترامها لدى العمال وارتباطها بهم وارتباطهم بها إلّا بقدر ما تقوم به فعلاً قبل القول في الدفاع عن مصالحهم وحقوقهم كافة، فالعمال هم دائماً مع من يُصْدقهم الفعل والقول، لمن يتصدى للدفاع عن حقوقهم ومصالحهم. وبمقدار ما تتعزز قوة الحركة النقابية تتعزز قوة العمال، ويتضاءل نفوذ قوى والفساد والنهب المختلفة. وكما هو معروف، إن النقابات ضرورة اجتماعية أوجدتها ظروف الطبقة العاملة من خلال بيئة العمل المتواجدة فيها، ومصالحها المتناقضة مع مصالح أرباب العمل في القطاع الخاص وقطاع الدولة على حد سواء، من أجل نيل حقوقها من أجر مجزٍ وبيئة عمل صالحة للعمل، وتشريع يضمن حقوقها في العمل والأجر العادل والأمن الصناعي، وهذا من أبسط حقوقها.

الأدوات النضالية الضرورية

إذاً، فالحركة النقابية ليست مجرد هيئات نقابية ينحصر نشاطها في مجال الخدمات النقابية البسيطة من مساعدات إنسانية صحية واجتماعية- تستطيع أصغر جمعية خيرية أن تقدم أفضل منها- أو الوساطة بين العمال وأرباب العمل سواء الخاص أو الدولة. بل لا بد لها من أن تملك كل الإمكانات اللازمة والضرورية من خلاله أدواتها النضالية الضرورية لتكون الممثل الحقيقي لكل العمال، إن أرادت ذلك، ولها الحق بمحاسبة الحكومة وممارساتها الاقتصادية. ويمكن أن يكون لها دور فاعل في لجم هذه السياسات الاقتصادية التي تنتهجها الحكومة المحابية لقوى الفساد الكبير والنهب، والمعادية لمصالح العمال والكادحين الفقراء. والسؤال الملح اليوم هنا: هل استطاعت الحركة النقابية أن تستفيد من هذه الأدوات العمالية الكفاحية للنهوض بالعمل النقابي من أجل مصالح العمال وحقوقهم المستلبة، وأن تكون معبراً صادقاً عن وجدان العمال، وتعمل على تزويد العمال بمصادر المعرفة والفعل النضالي، وتجارب الطبقة العاملة المختلفة في النضال من خلال الاعتصام والاحتجاج والإضراب وغيرها من الأشكال والأدوات الناجعة؟ وهل استطاعت أن تقوم بالدور المحرك والتعبوي اتجاه مختلف قضايا، ومطالب العمال الملحة وفي مقدمتها: الأجور التي لا تتناسب مع الواقع المعيشي، وحقوقهم المشرعة في الدستور والمفقودة من خلال القوانين، ومجابهة إجراءات الحكومة المختلفة، والتي معظمها لا تصب في مصالح العمل والعمال، مما يساعد العمال على الالتفاف حول نقاباتهم، وبالتالي يعطي النقابة ذلك الوزن الضروري في مجابهة الحكومة وفرض مطالبهم من الأجر العادل والمجزي، وتحسين بيئة العمل من أمن صناعي وصحة وسلامة مهنية وطبابة وغيرها من المفقودات، والتي منها أيضاً: تأمين العمل لكل طالبي العمل في سوق العمل. إن كل تنظيم اجتماعي يهدف أول ما يهدف إلى خير من يمثلهم وتأمين حمايتهم، ولهذه الحماية مظاهر مختلفة وأنماط متنوعة، وحماية حياة العامل وسلامته وضمان حقوقه كافة هي في طليعة القيم التي ينبغي على النقابات صيانتها، من خلال الدستور، والتي يُعبر عنها من خلال تطبيق العدل والعدالة الاجتماعية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1012