الحرفيون.. تعطّل قسري عن العمل

الحرفيون.. تعطّل قسري عن العمل

يعد النشاط الحرفي من أهم الأنشطة الاقتصادية من حيث الإبداع المهني والتنوع الواسع في الإنتاج.

فهو يشكل حلقة وسيطة بين الإنتاج الآلي الواسع، كما هو في المعامل والمنشآت الصناعية الكبيرة التي تعمل على مبدأ تقسيم العمل وتسلسله على خطوط الإنتاج، وبين الحرف اليدوية التي كانت وما يزال الكثير منها سائداً في المدن والمناطق إلى فترة زمنية قريبة، مثل: صناعة السجاد اليدوي، والحفر على الخشب، وصناعة الزجاج والجلود والنسيج، وغيرها من المهن التي اكتسبت سورية بسببها شهرة واسعة لجودة وجمالية صناعتها اليدوية منذ فجر التاريخ، إلى أن بدأت تلك الحرف تتآكل وتتساقط الواحدة تلو الأخرى بسبب عوامل كثيرة اجتماعية واقتصادية، ولكن العامل الأهم في ذلك هو: إهمال الحكومات المتعاقبة، وعدم دعم أصحاب تلك الحرف بالحفاظ على هذه الصناعات التي هي جزء من ثقافتنا الوطنية وحضارتنا التي صنعها شعبنا بعرقه ودمه، وحافظ عليها لقرون طويلة، لدرجة أنها طبعت سورية بطابعها وأخذت جزءاً من اسمها، كما هي حال صناعة الزجاج والنسيج التي اشتهرت بها دمشق، فسميت بعض المنتجات باسمها كالقماش المسمى (دامسكو).
ما نود قوله والإشارة إليه، هو الواقع الذي تعيشه الآن الصناعات الحرفية ويعيشه الحرفيون، وما يتعرضان له منذ عقود وحتى الآن، من حصار وتضييق حقيقيين بشتى الوسائل والطرق التي دفعت الكثير من أصحاب الحرف إلى إغلاق منشآتهم الحرفية، وتحولهم إلى عاطلين عن العمل، ملتحقين بذلك بجيش المعُطّلين عن العمل، الذي اتسع قوامه في الأعوام العشرين الأخيرة، بسبب تطبيق السياسات الليبرالية التي أخذت تدمر كل ما له علاقة بالاقتصاد الحقيقي، الصناعي والزراعي، لتتسع بالتالي كل أشكال النشاط الاقتصادي الريعي، الذي يحقق أرباحاً طائلة دون تكاليف حقيقية، أو مردود حقيقي، يعكس نفسه على نسب النمو التي تؤدي إلى تنمية حقيقية تساهم في حل الأزمات الاجتماعية الاقتصادية المستعصية.
لعبت تلك السياسات الليبرالية الدور الأساسي في ضمور الصناعات الحرفية الأساسية، وهذا ما أشار إليه التنظيم الحرفي في مؤتمراته واجتماعاته المختلفة، حيث أكد على تأثر الصناعات الحرفية، مثل: الموبيليا والتريكو بسياسة فتح الأسواق على مصراعيها أمام البضائع الأجنبية قبل الأزمة، وخاصة الصينية والتركية منها، ومنافسة تلك البضائع للمنتجات المحلية للحرفيين، بسبب أسعارها المنافِسة، الرخيصة بالنسبة للبضائع المنتجة محلياً، والتي تكاليفها الإنتاجية عالية بسبب الضرائب الكبيرة التي يدفعها الحرفي، وارتفاع أسعار استجرار الطاقة وانقطاعها المتكرر واليومي، بالإضافة إلى الضرائب المتعددة المفروضة على فواتير الكهرباء، وغيرها الكثير من التكاليف الإضافية، التي تجعل المُنتَج المحلي للحرفيين غير قادر على المنافسة مع ما هو مستورد، وما هو مهرب من بضائع من الخارج.
لقد طالب الحرفيون في مؤتمرهم هذا بضرورة تخفيف الضرائب عن كاهل صناعاتهم، حتى تساهم بدورها في دعم الاقتصاد الوطني، وحل المشكلات الاجتماعية، مثل: البطالة والفقر اللذَين ارتفعت نسبتهما إلى حدود خطيرة، تهدد بتفجير الكثير من القضايا الاجتماعية، التي أخذ المجتمع يلمسها ويستشعر خطرها الحقيقي عليه.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1012