سياسات أدت إلى انغلاق الأفق أمامنا...
ميلاد شوقي ميلاد شوقي

سياسات أدت إلى انغلاق الأفق أمامنا...

من المعلوم أن الدستور يعد القانون الأسمى في الدولة، ومنه تستمد السلطة الحاكمة شرعية وجودها، وبالتالي يجب أن تكون سياستها متوافقة وأحكام الدستور من جميع النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وإلا فإنها تقع في فخ عدم دستورية سياساتها وقوانينها وتفقدها الشرعية.

الدستور والسياسات الاقتصادية

لقد نص الدستور- في المادة الثالثة عشرة، في الفقرة الثانية- على أنه (تهدف السياسة الاقتصادية للدولة على تلبية احتياجات المجتمع عبر تحقيق النمو الاقتصادي والعدالة الاجتماعية للوصول إلى التنمية الشاملة والمتوازنة والمستدامة) أي: إن الدستور حدد هدف السياسة الاقتصادية للدولة، وهو تحقيق العدالة الاجتماعية، للوصول إلى التنمية الشاملة.

ومنذ إصدار الدستور عام 2012 لم يكن هدف السياسات الاقتصادية- التي اتبعتها الحكومات المتعاقبة- تحقيق العدالة الاجتماعية، بل عملت على احتكار الثروة في أيدي قلة قليلة من المستفيدين، وهي التي بدأت باتباع هذه السياسات منذ عقد تقريباً، واستمرت بها حتى الوقت الراهن، والذي أوصل 90% من الشعب إلى خط الفقر، ولم تحقق أية تنمية في أي مجال، بل الخط البياني لمعيشة السوريين يسير بشكل حاد نحو الهبوط، وهناك انغلاق للأفق أمام أي حل إنقاذي، وباتت المجاعات تهدد حياة الشعب، نتيجة للسياسات الاقتصادية المتبعة، والدولة لا تقوم بواجبها بتنمية النشاط الاقتصادي لا العام ولا الخاص، ولم تقدم على أية استثمارات حقيقية، بل تضع العراقيل أمامها، وتعمل على إخلاء مسؤولياتها كدولة، وتسليمها للقطاع الخاص، في خطة مسبقة لبيع القطاع العام والإجهاز عليه، مع كل ما يؤديه ذلك من تهديد حقيقي للبلاد ومستقبلها، حتى بات أصحاب العمل يشكون من تسلط الحكومة وقراراتها، التي أدت إلى توقف نشاطهم الاقتصادي، واضطرار الكثيرين إلى إغلاق منشآتهم والهجرة خارج البلاد، بسبب الخسائر المتتابعة التي تلاحقهم، بدءاً من رفع أسعار المواد الأولية وعدم استقرار سعر الصرف، إلى الضرائب والرسوم والإتاوات التي تفرض عليهم، إلى توقف البيع نتيجة تدني مستوى المعيشة.

الدستور والأجور

إذا أخذنا مستوى الأجور والرواتب، فالحكومة لا تسعى ولا تخطط إلى رفع مستوى معيشة الفرد، ولا لتوفير فرص عمل حسب ما حدد الدستور، بل جل همها زيادة أرباح قوى المال على حساب أصحاب الأجور، الذين وصلوا إلى طريق مسدود، برواتب لا تؤمن لهم رغيف خبز إنْ وجد.
مع العلم أن الحكومة رفعت أسعار خدماتها بدءاً من الطوابع والضرائب، إلى رفع الدعم الكامل عن المواطن، بحجة الأزمة وتبعاتها الاقتصادية، والحصار الغربي، وحافظت على مستوى متدنٍ جداً للرواتب والأجور، وكأن الأخيرة لم تتأثر بتبعات الأزمة وانهيار سعر الصرف وارتفاع الأسعار، بل عكس من ذلك الحكومة، قامت بتحميل وزر الأزمة بكاملها على كاهل أصحاب الأجور، وكأن عليهم وحدهم تحمل المسؤولية بشكل مخالف للدستور الذي نص بشكل واضح لا لبس فيه ولا غموض على ربط الأجور بالأسعار، حسب المادة الأربعين (....ألّا تقل الأجور عن الحد الأدنى لمتطلبات الحياة المعيشية وتغيرها).

ومع أن قانون العمل رقم 17 لعام 2010 نص في المادة 69 على اختصاص اللجنة الوطنية للأجور بدراسة الحد الأدنى للأجور، وتجتمع هذه اللجنة بدورة عادية في الأسبوع الأول من كل عام، على أن تجتمع استثنائياً بناء على طلب ثلثي أعضاء اللجنة، إلّا أنها لم تجتمع، ولم تعقد أية اجتماعات لها منذ صدور قانون العمل، ورغم قسوة الظروف الاستثنائية التي مرت على أصحاب الأجور، فلمصلحة من جرى تجميد هذه اللجنة، ولم تبصر النور حتى الآن؟

لقد بات الشباب يعزفون عن العمل بسبب تدني مستوى الأجور، وحتى في القطاع العام بات الموظفون يتسربون منه بسبب ضعف الرواتب، وأصحاب المهن الحرة من حملة الشهادات بات السفر الحلم الوحيد الذي يرافقهم، بسبب عدم قدرتهم على بناء حياة أمنة ومستقرة، نتيجة عدم استقرار الوضع المعيشي، والصعوبة في تأمين أبسط مقومات الحياة.

عجز حكومي

عدا عن عجز الدولة عن القيام بالحد الأدنى لمسؤولياتها المترتبة على تأمين الخبز والقمح والطحين والمحروقات والكهرباء والمياه، كل هذه الاحتياجات الطبيعية باتت مجرد حلم صعب المنال للسوريين، وبالنسبة للحكومة باب رزق لقوى الفساد والمستوردين الذي ينهبون الشعب بحجة العقوبات.

هل تعلمنا الدرس؟

إذا كان انفجار الأزمة السورية هو السبب في عجز السلطة عن القيام بمهامها الاقتصادية حسب الدستور، كما تروج له، فالدستور أتى نتيجة انفجار الأزمة، وللحاجة الملحة إلى معالجة المشاكل والأخطاء التي تراكمت خلال العقود السابقة، فلو التزمت الحكومة بالدستور وتراجعت عن خططها الاقتصادية التي أدت إلى تدمير قطاعي الإنتاج الزراعي والصناعي، لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم، من وضع ينبئ بانفجار آخر لا تحمد عقباه، ومراهنة السلطة اليوم على أجهزتها المختلفة لمواجهة أية مظاهر احتجاج، فهذا يعني أن السلطة لم تتعلم الدرس في عام 2011.

وخاصة، أن اليوم بات الوباء عاماً وشاملاً لكل السوريين، والأفق بات منغلقاً عند جميع فئات الشعب، والحلول الفردية لم تعد تجدي نفعاً، وكل يوم يبرز لدى المواطن مدى استهتار الحكومة وسياستها بحياته ومعيشته، وهناك ملفات نتجت عن الأزمة عقّدت الحلول أكثر فأكثر.

معلومات إضافية

العدد رقم:
995