عاملات بلا حقوق.. الاتحاد النسائي.. تطاول على القانون مع سبق الإصرار!
هناك ممارسات وسلوكيات تتكرر في هذه المؤسسة أو تلك، في هذه المنشأة أو ذلك المعمل أو هاتيك المنظمة الشعبية، لا تؤدي في النهاية، وبغض النظر عن غايات وأهداف من يرتكبها، إلا إلى التيئيس.. تيئيس الناس من إمكانية أن تتجاوز بلدنا ما عشش فيها من تخلف.. ما تعانيه المؤسسات والإدارات والفعاليات الاقتصادية والاجتماعية من فساد وتسلط وخروج عن القانون، ما طال الناس من ظلم وعسف واستخفاف بحقوقهم ومصالحهم.. نعم.. هناك من يريد منا أن نيأس! أن نستسلم.. أن نعلن أنه لا جدوى من محاولات الإصلاح.. كيف؟ بالتطاول على القانون، بالتعامي عنه، بالاستهزاء بمن مازال يعد هذا القانون ملجأه وحاميه..
قد نتفهم أن يحدث شيء كثير من هذا في بعض الإدارات، في الشركات العامة والخاصة، في منابع الثروة.. بعد أن أرخى الفساد ظلاله الثقيلة عليها، وأصبح القانون فيها في خبر كان.. لكن أن يحدث التطاول والتجاوز السافر في منظمة شعبية، ويقوم رئيس اتحاد ما بالاعتداء على حقوق من يفترض به أن يدافع عن مصالحهم ويساعدهم في تحصيل حقوقهم، فهذا أمر لا يحدث بالتأكيد إلاّ في سورية، وهو بالتأكيد يستحق وقفة طويلة..
يحدث في الاتحاد العام النسائي..
بدءاً من العام 1995، تعاقد الاتحاد العام النسائي مع مجموعة من العاملات كمدرسات في الاتحاد، وذلك بموجب عقود عمل غير محددة المدة، وقد أخضعت هذه العقود في المادة /12/ منها العلاقة بين الطرفين إلى أحكام قانون العمل، ولكن واقعياً، كان يتم في نهاية كل عام دراسي صرف العاملات من العمل دون منحهن أي راتب صيفي أو بدل إجازات، ودون الاستفادة من الزيادات الطارئة على الأجور والترفيعات أو الزيادات الصادرة عن السيد رئيس الجمهورية. وكانت تقتطع من رواتبهن مبالغ محددة كبدل تأمينات لإيهامهن أنه جرى تسجيلهن في مؤسسة التأمينات الاجتماعية..
وبعد عدة سنوات من اضطرار هؤلاء العاملات للعمل ضمن هذه الشروط اللا إنسانية، قررت رئاسة الاتحاد العام النسائي إيقاف التعاقد مع عدد منهن، وجرى صرفهن من دون تقديم أية مبررات، لتكتشف المستغنى عنهن أنه لا يوجد ضمان لهن من أي نوع، ولا أية حقوق أو تعويضات لقاء خدماتهن التي امتدت لسنوات..
وكان الأسوأ اكتشاف العاملات المصروفات من العمل أنه لا تأمينات لهن، إذ لم يقم الاتحاد بتسديد اشتراكاتهن لدى المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، على الرغم من استمراره طوال فترة عملهن لديه، في اقتطاع مبالغ التأمينات من رواتبهن الشهرية الضئيلة..
وهكذا لم يبق أمامهن إلا القضاء, فلجأن إليه..
القضاء يحكم.. والاتحاد يرفض التنفيذ
بتاريخ 7/5/2008 تقدم وكيل العاملات باستدعاء دعوى ضد رئيسة الاتحاد النسائي إلى محكمة صلح العمل، مبيناً فيه جميع تفاصيل وملابسات القضية.. وطلب من مقام المحكمة:
1- إلزام الجهة المدعى عليها بتثبيت العاملات المدعيات لديها من تاريخ مباشرتهن العمل، واعتبار عقودهن غير محددة المدة، وتسديد الاشتراكات المترتبة لمؤسسة التأمينات الاجتماعية.
2- إلزام الجهة المدعى عليها بأن تدفع للعاملات الزيادات الطارئة على الأجور والتعويضات والمنح المتممة للأجر، وبدل العطل والإجازات وساعات العمل الإضافي وبدل الأعياد.
3- تضمين الجهة المدعى عليها الرسوم والمصاريف.
بالاستناد إلى الوقائع السابقة جاء رد المحكمة إيجابياً، وقد تأكدت المحكمة من صحة الخصومة والتمثيل أصولاً عملاً بأحكام المادة /16/ من قانون أصول المحاكمات، وبعد الإطلاع على استدعاء الدعاوى الفردية وكافة الوثائق المبرزة في كل منها، ولاسيما عقود العمل المنظمة مع الجهة المدعية بالتواريخ المثبتة، والإقرارات الصادرة عن الجهة المدعى عليها التي تفيد بأن المدعيات باشرن العمل لديها بالتواريخ المحددة حيث بقين على رأس عملهن حتى تاريخ الصرف، وبما أن الجهة المدعى عليها لم تحضر الدعوى رغم تبلغها أصولاً ولم تبد بأي دفع، وأن الاجتهاد القضائي مستقر على أن تجديد العقد لعدة مرات يقلب العقد إلى عقد غير محدد المدة، ويستفيد العامل من مزايا العمال الدائمين ومن فروق الأجور والتعويضات حسب (قرار نقض /437/ أساس عمالي /523/ تاريخ 14/3/1977).
وبعد أن أصبحت الدعوى جاهزة للفصل، قررت المحكمة إلزام الجهة المدعى عليها بتثبيت العاملات لديها، كل منهن حسب تاريخ مباشرتها العمل، وتسجيلهن لدى مؤسسة التأمينات الاجتماعية وتسديد الاشتراكات عنها أصولاً عن فترة خدمتها، مع مراعاة الزيادات الطارئة على الأجور خلال فترة عمل المدعية والعلاوات.
القرار صدر وجاهياً بحق الجهة المدعى عليها وكان قابلاً للاستئناف، فاستأنف الاتحاد، لكن محكمة الاستئناف (السابعة) قبلت الاستئناف شكلاَ وردته موضوعاً بقرار مبرم..
بيد أن رئيسة الاتحاد العام السابق سعاد بكور رفضت تنفيذ الحكم ولم تعبأ به، وبقيت على موقفها لحين إزاحتها عن رئاسة الاتحاد، حينها التجأت العاملات إلى الرئيسة الجديدة ماجدة قطيط بعد استلامها منصبها، وكلهن أمل أن يعدن إلى عملهن..
التعنت يستمر
رد الرئيسة الجديدة كان صاعقاً أكثر من سابقتها، حيث رفضت الامتثال لقرار المحكمة دون وجه حق ودون ذكر الأسباب، فقامت العاملات بمطالبة الاتحاد بتنفيذ الحكم بملف تنفيذي، يستند لقرارات محكمة صلح العام بدمشق ذات الصلة، والتي اكتسبت قرارات الحكم الصادرة عنها الدرجة القطعية أمام محكمة الاستئناف المدنية السابعة بدمشق. إلا أن الجهة المدعى عليها استمرت بتعنتها بعدم تنفيذ الحكم وقرار رئيس التنفيذ.
فاضطرت العاملات عن طريق وكيلهن القانوني إلى إرسال إنذار عن طريق الكاتب بالعدل لتنفيذ الحكم المشار إليه آنفاً، وقرار رئيس التنفيذ..
ولكن الجهة المدعى عليها ظنت أنها فوق القانون واستمرت بتعنتها وجبروتها، ومازالت مصرة على عدم تنفيذ هذا الحكم القضائي حتى الآن.
وبناء عليه، قامت العاملات برفع دعوى أمام النيابة العامة يطالبن فيها ملاحقة الجهة المدعى عليها بجرم إساءة استعمال السلطة والإخلال بواجبات الوظيفية، وذلك حسب المادة /361/ من قانون العقوبات والتي تنص: «كل موظف يستعمل سلطته أو نفوذه مباشرة أو غير مباشرة ليعوق أو يؤخر تطبيق القوانين أو الأنظمة وجباية الرسوم أو الضرائب أو تنفيذ قرار قضائي أو مذكرة قضائية أو أي أمر صادر عن السلطة ذات الصلاحية يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين».
والسؤال: إذا كان بعض المتنفذين والمتسلطين في الإدارات، يصرون على رفض تنفيذ قرارات وأحكام قضائية مبرمة عن سبق الإصرار، ويصرحون علناً أنهم فوق القانون.. فما عسى المواطن يفعل حينها؟ هل يبادر لأخذ حقه بيده؟ هل يلجأ لقطاع الطرق؟ لأعداء البلاد؟ للشيطان؟؟
القضية برسم القيادة السياسية..
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 407