قانون العمل الجديد يؤجج السجال بين أطراف العمل الثلاثة

خلال السنوات الثلاث التي مرت على الخطة الخمسية العاشرة جرت نقاشات وحوارات عديدة بين الحكومة والاتحاد العام لنقابات العمال حول مشروع قانون العمل الجديد الذي سيكون بديلاً عن القانون /91/ لعام 1959، وقد نبهت القيادات النقابية مراراً إلى خطورة بعض مواده، وخاصة ما يرتبط بجوهر العمل وتنظيمه وعلاقاته في القطاعات الثلاثة (الخاص، التعاوني، المشترك) من خلال ما يتعلق بقانون العقد شريعة المتعاقدين الذي يبدو أنه جاء تتويجاً للسياسات الاقتصادية الليبرالية التي أقرها الفريق الاقتصادي، هذه السياسات التي كانت واضحة الهدف والغاية في دفاعها عن مصالح راس المال وإلغاء أية حماية قانونية للعمال، وهذه مخالفة صريحة للدستور الذي يؤكد في المادة /28/ البند /4/ منه «حق التقاضي وسلوك سبل الطعن والدفاع أمام القضاء مصون بالقانون» وأيضاً في المادة /131/ من الدستور التي تنص على «السلطة القضائية مستقلة ويضمن رئيس الجمهورية هذا الاستقلال يعاونه في ذلك مجلس القضاء الأعلى» وكذلك الأمر مع البند /1/ من المادة /36/ وتعارضها في الدستور «إن العمل حق لكل مواطن وواجب عليه وتعمل الدولة على توفيره لجميع المواطنين».

ونتيجة لعدم عرض قانون العمل الجديد للمناقشة أمام أعضاء مجلس الشعب في جلسة يوم الخميس 22/10/2009 بعد تلاوة تقرير لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية، قدمت لرئيس المجلس اعتراضات كثيرة على مشروع القانون في بعض بنوده، ولاقى اعتراضاً شديداً من بعض الأعضاء، الأمر الذي أجل إقرار القانون حتى تتم دراسته دراسة متأنية.
 وللوقوف على حيثيات ما يجري التقت «قاسيون» عدداً من المهتمين بهذا الموضوع من قيادات نقابية وأعضاء في مجلس الشعب وممثلي العمال في المجلس فكانت الحوارات التالية:

 

حسين الأحمد (أمين الشؤون الصحية في الاتحاد العام): نرفض تمرير أية مادة على حساب حقوق الطبقة العاملة

بداية أرحب بجريدة قاسيون، وأنا سعيد باللقاء معكم، هذه الجريدة الجريئة الناطقة باسم العمال والفلاحين والفقراء عن جدارة، وقبل أن أتكلم عن الفكر الاقتصادي الجديد، الذي يبدو أنه السائد في البلد هذه الأيام، سأتحدث عن قانون العمل الذي دارت حوله حوارات ونقاشات طويلة بين الاتحاد العام لنقابات العمال ووزارة الشؤون الاجتماعية والعمل واتحاد غرف الصناعة، لأنه حديث ذو شجون، فالاتحاد العام في حواراته الأخيرة كانت له مآخذ على قانون العمل، وتمت مناقشته في كافة المؤتمرات السنوية والاجتماعات الدورية، وخصوصاً بعد تنامي القطاع الخاص بشكل كبير، والعمال الذين يعملون في هذا القطاع هم العمال الأكثر قهراً. وفي ظل هذا التوجه الجديد في الاقتصاد السوري، كان لابد من أن يقوم الاتحاد العام لنقابات العمال بشيء من أجل هؤلاء العمال، بعد أن شعرنا أننا مقصرون بحقهم، لأنهم لا يملكون أية مظلة للحماية الاجتماعية أو الصحية أو حتى مظلة أخلاقية، ومن هنا بدأت الحوارات بين الوزارة والاتحاد العام وغرف الصناعة، ومنذ البداية تبين أن هنالك رؤيتين مختلفتين، فغاية وزارة العمل من تعديل القانون في البداية كانت جذب المستثمرين بغض النظر عن تداعيات هذا الجذب، والغاية بالنسبة للاتحاد هي الحفاظ على حقوق العمال وحمايتهم، وهنا توضح جلياً التضارب بين مصالح العمال والمستثمرين كون المظلة الاجتماعية والصحية مكلفة مادياً، وبعد مرور هذه السنوات من الحوار اكتشفنا أن هناك أكثر من ثلاثة ملايين عامل لا ينتسبون للنقابات، وهنا أسجل نقطة تقصير حقيقية على الاتحاد العام رغم الأسباب الموضوعية وغير الموضوعية لذلك.
أما عن مبدأ «العقد شريعة المتعاقدين» فلا يمكن أن يتقبله أحد، لكن إذا كان هذا العقد ضرورياً في ظل السياسة الاقتصادية الحالية فيجب الاتفاق عليه مسبقاً بين كل الأطراف حتى لا ندخل في شريعة الغاب، لقد شاركنا في نقاشات حارة مع غرفة الصناعة ووزارة العمل واتفقنا على الكثير من النقاط لكن مازالت هناك نقاط خلافية تتعلق بموضوع الحماية القانونية.

الآن تم تحويل القانون إلى مجلس الشعب ولدينا ممثلون فيه سيتحركون بالتنسيق مع باقي الأعضاء المعترضين من التيارات الأخرى الذين ننتظر منهم المساعدة والمساندة في عدم تمرير أي مادة نرفضها، مع العلم أن نقاطاً كثيرة في القانون الجديد تم تحقيقها خلال السنوات الماضية بقوة نضالاتنا، مثل عقد العمل النموذجي الذي كان أحد أهم مطالب الحركة النقابية، والمحكمة التي جاءت بديلاً عن المرسوم /49/، لكننا مازلنا غير موافقين على كل ما يرتبط بالطرد والتسريح التعسفي، لأن الموضوع لو ترك إقراره لإرادة صاحب العمل فسيكلف النقابات كثيراً، وستكون هناك حماية لا أخلاقية للعامل، وكلنا يعلم ماذا حدث وسيحدث في ظل غياب القانون /49/، إن المنطق الأخلاقي يؤكد أن أي تطوير للقانون سوف يكون لمصلحة مستخدمي هذا القانون، هكذا يقول المنطق، ولن ننكر الكثير من الإيجابيات التي حققناها، فالغرامات في القانون القديم كانت بحدود /500/ ل.س بينما في القانون الحالي الجديد تصل لحدود العشرات لا بل المئات من الآلاف، وهذا ما سيجعل رب العمل يفكر جدياً قبل أن يقدم على طرد أي عامل، أما من الجانب الآخر فقد حاولنا أثناء حواراتنا أن نحافظ على أكبر قدر ممكن مما حققناه سابقاً، لكن يبقى إلغاء المرسوم /49/ الشعرة التي قصمت ظهر البعير.

لكن أثناء مناقشة القانون كانت وزارة العمل تدعي أنها دائماً بصف العمال ومعهم، وأن تعديلات القانون مطلب مرحلي وضروري جداً، وأن القانون القديم أصبح خشبياً، وإلى ما هناك من ألفاط وتعابير ومصطلحات لا أريد الخوض فيها، لأن الحديث عن وزارة الشؤون أيضاً ذو شجون، ولا أريد أعادة ما قلته سابقاً للوزيرة، لكن يبدو أن هناك ضغوطات عليها، ومطلوب منها أن تنجز هذا القانون.. دعنا نصدقها حتى تظهر النتائج، وسيكون لنا رأي بعد إقراره، فلدينا أكثر من ثلاث صفحات حول بعض الألفاظ والمصطلحات الموجودة في بعض مواده، ولن ننسى أن نصف أعضاء مجلس الشعب هم عمال وفلاحون وسيكون لهم كلمتهم القوية في إصدار هذا القانون، والمنطق يقول بأن القانون يجب أن يصدر وفق رؤية العمال والفلاحين، ونحن في الاتحاد العام لا تنقصنا الوسيلة للدفاع، ومازلنا نسلك الطريق السليمة والودية لأن هناك من يسمعنا في القيادة، ومطالب العمال وحقوقهم تناقش في أعلى المستويات، في الوقت الحالي لن نبحث بالطرق الأخرى المعروفة طالما أنهم يستمعون إلينا... هذه الطرق سنتركها للمستقبل ولكن يجب على الحكومة أن لا تعول كثيراً على رأس المال والمستثمرين وهنا أنا لست ضد القطاع الخاص، لكن يجب أن تعطى الأولوية لدور الدولة التدخلي وللمواطنين، ولن يبني الوطن إلا عماله وفلاحوه.

 أخيراً أتمنى أن يخرج هذا القانون بشكل متوازن وعادل، لأن العمال هم الحلقة الأضعف، ويجب أن ينتصر القانون للعمال لا أن ينتصر لأرباب العمل الذين بإمكانهم الدفاع عن أنفسهم، لذلك على مجلس الشعب والحكومة والنقابات أن تصدر قانوناً يناصر عمال الوطن.

 

أحمد الحسن (أمين شؤون العمل في الاتحاد العام): نحن لسنا شركاء مع الحكومة

 بدأ النقاش بمشروع قانون العمل منذ ثلاث سنوات، وكانت هناك اجتماعات مستمرة بين الاتحاد ووزارة العمل وأرباب العمل حول هذا الموضوع، وكانت هذه المباحثات والنقاشات شاقة جداً، وكان توجيه السيد رئيس الجمهورية لمجلس الاتحاد العام في الدورة النقابية الحالية أن هذا القانون لن يصدر إلا بموافقة الاتحاد العام، فتمت في البدء مناقشة الموضوع منذ سنة ونصف للاتفاق على صيغة مناسبة بين الأطراف الثلاث، مع الآخذ بعين الاعتبار التحفظات التي أبداها الاتحاد العام للعمال وأرباب العمل، في الصيغة النهائية وافق الاتحاد العام للنقابات، لكن بعد أن أحيل القانون لمجلس الشعب لتحويله للجنة الدستورية، وكانت هناك بعض الملاحظات على البعض من مواده، ونحن هنا لسنا بصدد التحدث عن هذه المواد بالتفصيل، وهو موجودة ضمن خمس مواد لأن لنا ممثلين في المجلس سيناقشون ذلك بنداً بنداً.
أما القانون بشكله العام فلا يختلف كثيراً عن القانون السابق إلا ببعض النقاط، فمثلاً لجنة قضايا التسريح تم الاستعاضة عنها بلجنة عمالية مختصة مشكلة من قاضٍ ومندوب عن العمال وآخر عن أرباب العمل، فالخلاف أن العامل في قضايا التسريح كان يتقاضى /80%/ من الراتب في حال توقفه عن العمل، أما الآن فيعطى العامل راتب شهرين عن كل سنة خدمة، أما المادة /65/ التي أجازت لرب العمل التسريح غير المبرر فأيضاً حاولنا أن نخفف من وطأتها على العامل وأن يأخذ العامل راتب شهرين.
والاتحاد العام عاكف على دراسة القانون مرة أخرى بصيغة أدق ومقارنته مع القانون السابق بالاستفادة من القانونين الجزائري والمصري، لكي يكون في مصلحة العمال ومواكباً للتغيرات الاقتصادية ومشجعاً لأرباب العمل على تطوير النشاط الاقتصادي، ويجب أن لا نكرر إن سورية تعيش مرحلة الانعطاف الاقتصادي في التوجه نحو اقتصاد السوق الاجتماعي الذي في جوهره اقتصاد سوق، وهذا الأمر يتطلب رؤية قانونية وتشريعية ومن ضمنها قانون العمل. نحن كعمال لا نريد أن نتهم بأننا معرقلون لعملية التنمية الاقتصادية وأننا نقف ضد الاستثمار، فقانون العمل الحالي فيه الكثير من الإيجابيات مثل توقيف عقد العمال لدى الجهات الثلاث الذي أبعد عنا الشبح الذي كان يهددنا به أرباب العمل بالتوقيع على الاستقالات المسبقة، بالإضافة لمسألة الإجازات والترفيعات الدورية، والقانون الحديث فيه الكثير من الضمانات، لكن فيه بالمقابل بعض الظلم وخاصة في المادة التي تقر بالتسريح غير المبرر الذي أجازه القانون لرب العمل دون الرجوع للعامل، ونأمل من مجلس الشعب أن يقول كلمته في هذه المواد لمصلحة العمال، أما الخلاف الأساسي فكان في موضوعين جوهريين أولهما يتعلق بمكاتب توريد العمال التي تم شطبها، والثانية متعلقة بقضايا التسريح التي لم تغير  شكلها، لأن إجراءات التقاضي واحدة في القانونين، من الناحية النظرية قد تبدو فيه بعض العجالة، لكن في الناحية العملية وما يتم على أرض الواقع ومن خلال تجاربنا السابقة نعتقد أن ما هو موجود ليس جيداً لكنه مقبول.
إن هذا القانون لم يمر بحرية كاملة بل قابل الكثير من النقاشات والحوارات، حتى وصل الأمر في بعض الأحيان إلى حد المشاحنات، وبالتالي فكل طرف من الأطراف الثلاثة (الحكومة، أرباب العمل، العمال) يوضح وجهة نظره ومن يمثله، وإذا كان من حق وزارة العمل أن تراعي حقوق المستثمرين وأرباب العمل، فمن حقنا أن ندافع عن حقوق العمال على طول البلاد وعرضها، وأستطيع القول أننا لسنا راضين عن أنفسنا، لكن طبيعة المرحلة الاقتصادية أوجبت علينا هذه الأمور، فقانون العمل جزء من البنية التشريعة الجديدة  ويجب أن يتواءم مع التركيبة الاقتصادية والنهج الاقتصادي المعمول به، وأؤكد أن قانون العمل فيه الكثير من المميزات التي كسبناها، وفيه بعض الأمور التي كنا نأمل أن تكون أفضل. لكن الموضوع بدأ بالمفاوضات وبقيت المرحلة الأخيرة منه في مجلس الشعب الذي سيراعي بالتأكيد كل النقاط التي تحفظنا عليها وحتى أكون نقابياً قادراً يجب أن أتقن عملي ضمن تحولات المرحلة الحالية، فالانتقال إلى الاقتصاد الحالي كان يتطلب بنية تشريعية، لأن هذا النهج الجديد أوجد قوى اجتماعية جديدة فاعلة في المجتمع، وبالتالي لم نعد الوحيدين، لكن السؤال: هل نحن راضون عن قانون العمل الحالي؟

لذلك فإننا عملنا على تأمين الحماية التي كانت موجودة في القانون السابق، واستطعنا أن نضيف بعض المواد والنقاط التي كانت تشكل ضغطاً علينا كعمال، لكن في الوقت ذاته فإن موضوع العقد شريعة المتعاقدين ليس بالصورة التي يتحدث عنها البعض، لأن الحماية القانونية للعمال مازالت موجودة بالقانون، وهذه الحماية هي نفسها التي أصر الاتحاد على بقائها.
إن العبارة التي تكرر دائماَ حول أننا والحكومة فريق عمل واحد أصبحت تقليدية، لأننا في الحقيقة طرفان، بل ثلاثة أطراف «الحكومة، وأرباب العمل، النقابات» وكل منا ينظر إلى الموضوع من زاويته، وتكامل الرؤى بين الأطراف الثلاثة هو الذي يجسد الصورة، وبالتالي عندما يقال أن عبارة  «فريق واحد أو في خندق واحد» عبارة تقليدية، فأنا كعضو في الاتحاد عام للنقابات وممثل عن العمال يختلف رأيي عن رأي أرباب العمل وعن الحكومة، وفي الوقت ذاته هذا لا يعني التناقض بل بالعكس، فإن هذا التناقض يؤدي إلى الصورة الحقيقية بالشكل الموضوعي والمنطقي، ومن هنا أقول نحن ثلاثة أطراف يجب أن نعمل لتنمية البلد من الناحية الاقتصادية، وتحقيق الاستقرار الاجتماعي والسياسي للوطن.

 

هدى مليحي (أمين الشؤون المالية - عضو مجلس الشعب):إذا أخلوا بالتزاماتهم فسنضرب عن العمل

إنني كعاملة وكنقابية أتمنى أن لا يتغير شيء في القانون، وأن نبقى على القانون /91/ لعام 1959، فالمكاسب التي حققناها كانت في ظل أوج التحرر الوطني، والتحرر من القيود الاستعمارية، حيث كان الجميع متفقاً على نيل العمال حقوقهم كاملة، مع العلم أن القانون الجديد لم يغير شيئاً في المواد الرئيسية منه، وموضوع الاستثمار كان موجوداً في القديم والجديد، لكن أمورٍ كثيره تغيرت، وللحكومة الحق في تغيير قوانينها بموجب التوجه الاقتصادي الجديد، وبصراحة قانون العمل أخذ من وقتنا الدراسة الكافية، بدءاً من أعضاء المجلس العام، مروراً بالنقاش حوله مع العمال، وانتهاء باللقاء مع أرباب العمل للوقوف على مواد القانون من حيث الأطراف الثلاثة، والتخوف الذي كان موجوداً في البداية استطعنا التوصل إلى صيغة معينة في أهم مواده، وبقيت أهم المشاكل الخلافية في المادة التي أطاحت بالمرسوم /49/ الذي يمنع التسريح، لكن السيد الرئيس قدم بديلاً عنها نتمنى أن يكون أفضل من المادة /49/، فالمشاكل في القانون أصبحت قليلة لكن تحتاج إلى وقفة متأنية قبل توقيعه وإقراره، وهذا المشاكل قد تؤثر على العامل وهي ليست كالقانون السابق، ويجب تحويله لمصلحة العامل في مجلس الشعب، وفي اللجنة المختصة (الخدمات) التي تقوم بدراسته، وكان موقف أعضاء مجلس الشعب مهماً في وقفتهم مع العمال، حيث شكل عاملاً مهماً وقوياً لنا، ويبدو أن الأعضاء شعروا بأن آثار هذا القانون سترخي بظلالها على أسرهم جميعاً في المستقبل، إن لم يكن الآن ففي السنوات القادمة.
إن وزارة العمل التي تناط بها أموراً كثيرة وخاصة في القوانين التي لابد أن تواكب التوجهات الجديدة للاقتصاد السوري، وبصفتها وزارة للشؤون الاجتماعية والعمل فمن حقها أن تتدخل في القوانين التي تراها، لكننا مع ذلك استطعنا أن نغيرها وهذا يعني إنها ليست منفردة بإصدار القوانين، فمثلاً قانون توريد العمالة من الخارج رفضناه رفضاً قاطعاً وتم تغييره رغم أن الوزارة أدخلته في صلب القانون، وحقيقة فوجئنا ببعض أرباب عمل لديهم الحس الوطني وهذا يؤكد أنه ليس كل صاحب عمل هو ظالم ولا تهمه سوى مصلحته، ولهذا وقفوا معنا لصد قانون توريد العمالة على أساس أن تكون اليد العاملة سورية خالصة.
وفي موضوع العقد شريعة المتعاقدين فقد حاولنا كثيراً أن نغير هذا المبدأ، باعتبار أن العامل هو العنصر الأضعف في العملية الإنتاجية، لكننا إلى الآن لم نتمكن من ذلك، فتوصلنا إلى علاقة مع أرباب العمل وبموافقتهم بأن يتم تسجيل جميع العمال في مديرية العمل لكي تكون المديرية على دراية بما يقبضه العامل وما هو منصوص عليه، وأن تحذف كلياً قضية الاستقالات المسبقة لدى أرباب العمل، بحيث يتم رفض قرار الاستقالة من الوزارة إلا إذا جاءتها من مديرية العمل كتأكيد على استقالته بمحض إرادته، وهذا يعتبر انجازاً مقارنة بما كان يتم الحديث عنه سابقاً.
وفي العقد الذي يجب أن يقدم لوزارة العمل يجب أن تحدد فيه الواجبات والحقوق المناطة بالعامل كالإجازات المرضية والمزايا والترفيعات، وفي حال تراجع أي رب عمل عن هذه الشروط يتم الرجوع إلى العقد الموجود في الوزارة.
وأعتقد أنه لن يستطيع أحد أن يمرر القانون بالطرق الملتوية، فعلى الرغم من وجود أكثر من عشر حالات تسمح لرب العمل بطرد عامله السابق، فإن هذا لن يحصل الآن، إذا تم تسجيل العامل في مديرية الشؤون وتم تسجيله في التأمينات الاجتماعية، وبموجب القانون الجديد تم رفع الإجراءات، والغرامات الحالية ليست قليلة، ويمكن أن تؤثر مادياً على صاحب العمل، ومن الأفضل له أن يعطي العامل حقه قبل أن يقدم شكوى بحقه ويتحول إلى القضاء، لذلك فالمشكلة الكبيرة هي الإبقاء على إمكانية التسريح من  صاحب العمل، والهيئة القضائية يمكنها أن تنصف العامل وتلزم رب العمل بإعادته إلى العمل، وفي حال رفض صاحب العمل يترتب عليه بدل نقدي كبير.
العديد من القيادات النقابية رأوا، وأنا أوافقهم الرأي، بأنه على قدر الحرية التي تعطى للمستثمرين ولرأس المال يجب أن تعطى بمقابلها الحرية الكاملة للعامل، لكن دون أن تتحول حلقات العمل إلى فوضى، فكما نحن حريصون على الإنتاج حريصون على العامل وصونه، وبالتالي يجب أن يعطى للعامل مساحة كبيرة للاستفادة من هذه الحقوق، ونحن حتى اللحظة نحقق معظم أهدافنا بالنقاش والحوار، وصحيح أن الإضراب هو تعطيل للعمل بإيقافه وهو تعطيل للتنمية، ولكن لن نقطع الأمل بأن يحقق عمالنا كافة مطالبهم وحقوقهم، وإذا وقفت الحكومة في وجهنا فهناك القيادة السياسية، وهناك الجبهة الوطنية التقدمية، فإذا تملص رب العمل من القيام بالتزاماته فسنضرب عن العمل، وخاصة إذا أغلقت كافة الأبواب في وجهنا، ووقتها لن يلومنا أحد، لأن سورية موقعة على الإعلان الرئيسي لحقوق الإنسان وعلى بنود الاتفاقية الدولية للعمل، وبالتالي لا ضير من الإضراب، وأظن أن عدم ورود نص عن الإضراب في القانون لا يعني عدم استطاعتنا استخدام هذا الحق، باعتبار أن سورية هي من أول الدول الموقعة على الإعلان الرئيسي لاتفاقية العمل الدولية ولحقوق الإنسان، من حق الاجتماع وحق الإضراب وحق تأسيس الجمعيات...الخ.

القانون الآن أحيل إلى اللجنة الدستورية في المجلس التي أتت بتقريرها بأنه لا يخالف الدستور، بعض الزملاء في مجلس الشعب اعتبروا أن بعض نقاطه غير دستورية، وما يخص قانون العمل يتعلق ويرتبط بلجنة الخدمات التي تقوم بدراسته، وخاصة أن البعض من الزملاء قد شكك في دستورية القانون، وقدموا اعتراضات عليه فتم تحويله على هذا الأساس إلى اللجنتين معاً «الدستورية، الخدمات» لدراسته مادة مادة.

وأكد رئيس اللجنة الدستورية أنه في حال ورود أي نص يعتبره البعض غير دستوري سيتم مناقشته أو التحفظ عليه، والآن وصلت اللجنة بدراستها إلى المادة /12/ وقد أضفنا أموراً كانت خافية علينا مثل موضوع اللجنة القضائية التي نبهنا إليها الزملاء القضاة والمحامون في المجلس، ولا أخشى على القانون من المجلس طالما الجميع يقف معنا، ونحن بدورنا نتابع كل شاردة فيه ونتدخل في الوقت المناسب، وبالنهاية مهما كتبنا وقلنا عن القانون الجديد لن نحقق ما حققناه من مكتسبات للطبقة العاملة في القانون القديم، وبصراحة نحن كنا نتمنى ألا يتم أي تغيير في القانون، وأن يتم على وضعه مع ضرورة إدخال التعديلات والإجراءات اللازمة مع تناسب الأوضاع الاقتصادية الجديدة، أي إمكانية إضافة بعض المواد عليه لا أن يتم تغييره.

 

عدنان دخاخني(صناعي - عضو مجلس الشعب): لن نطلق أحكاماً «مسبقة» على القانون قبل إقراره!!

في الحقيقة لم أطلع على مجمل مواد القانون الجديد، و(لكني أظن) أن القانون قد وضع نصب عينيه كل التجارب التي حدثت منذ بدايات القانون القديم لعام 1959 وحتى اللحظة، فالحكومة متمثلة بوزارة العمل وضعت تصوراتها مع بعض الجهات المعنية الأخرى بالإضافة إلى أرباب العمل وممثلي الاتحاد العام لنقابات العمال، و(على علمي) فهناك الكثير من المناقشات ووجهات النظر التي قد تتعارض بين طرف وآخر، لكن يجب أن يصب القانون في معادلاته الأخيرة في مصلحة الطرفين لحفظ حقوق الجهتين، كما تم وضع التحولات الاقتصادي الجارية والانفتاح حيث لم يعد بإمكاننا أن نظل بمعزل عن التطورات الحاصلة، فنحن كنا نعتمد على اقتصاد موجّه حيث تتحمل الدولة على كاهلها كافة الأعباء، مع القطاع العام واتساعه، أما الآن فيوجد القطاع الخاص مع الانفتاح واقتصاد السوق الاجتماعي.
وعندما نقول العقد شريعة المتعاقدين نعني أنه يجب على الطرفين مراعاة ما ينص عليه العقد حسب القانون ومواده، بعد أن تتم مناقشته من قبل اللجنة المختصة ويقره مجلس الشعب، وما يهمنا أن يصدر قانون على قدر المسؤولية ومواكب للتطوير والتحديث والأنظمة، ويجب أن يكون هناك نوع من التروي قبل إصداره، وينم عن الفترة الحساسة التي نمر بها.
كما قلت لم أطلع على القانون بشكل كامل، فليس بإمكاني الحكم عليه على أنه ميال لمصالح أرباب العمل، لكن قد يوجد بعض الخلافات ولكن هذا حسب تغير النظام الاقتصادي المعمول به بين السابق والآن، فعندما تطلب الحكومة الانفتاح وتفتح الأبواب للمستثمرين، عليها التوفيق بين المستثمرين في الداخل والخارج، وليس معقولاً أن يصدر قانون ضد كل ما يرتبط بعلاقة العمل والعمالة والتعاقد، ففي القانون السابق لم يكن بإمكان رب العمل تسريح أي عامل إلا عند ارتكابه جرماً، فأحياناً العامل لا يعجبه العمل، وأحياناً أخرى يرى رب العمل أن هذا الإنسان لا يصلح للبقاء في هذا العمل، لذلك فيجب أن يكون حقه مؤمناً عليه ومضموناً من خلال العقود والقانون، وهذا يشبه كثيراً عقد الزواج الذي يصل نهايته إلى الطلاق فيأخذ كل طرف حقوقه ويذهب بحال سبيله، لذلك فالاتحاد العام للعمال وقف عند هذه النقطة كثيراً وأعطاها الاهتمام الزائد حتى لا يخسر أي عامل حقوقه ضمن هذه المعادلة عندما يتم فسخ العقد.
أنا نفسي كنت عاملاً في بداياتي، وكنا نلتزم بالعمل وشروطه، أما الآن فعند تقديم أي رب عمل آخر راتباً أعلى من الذي يأخذه، يترك العمل ويمشي دون أي التزام أدبي كما كان يجري سابقاً، لذلك فمثلما يكون العامل حراً عند تركه العمل، يجب أن يكون لرب العمل أيضاً مجال لمحاسبة هذا العامل عند ارتكابه أي خطأ يسيء للعمل أو يعيق العملية الإنتاجية، ورب العمل لا يستغنى عن عامل له فيه فائدة.
إن تسوية أوضاع العاملين، سواءً بالعقود أو الوظائف أو الترتيبات التي لم تكن موجودة في القانون السابق، يجب أن تكون موجودة في كلا القطاعين معاً، العام والخاص. وبالنهاية فإن أي تعديل أو إضافة مواد من صلاحيات اللجنة المختصة التي تدرس القانون، وبالتالي لن نطلق أحكاماً مسبقة على القانون قبل إقراره. وأي جدل على مادة محددة دليل صحية النقاشات، لذلك فعلى الإنسان الذي يشارك في مناقشة القانون أن يكون متوازناً.