بصراحة المطلوب: قرارات أكثر جرأة
بعد أيام قليلة سيعقد الاتحاد العام لنقابات العمال مجلسه العام بعد تأجيله لأسباب لسنا بصدد مناقشتها الآن، لكن ما نريد التحدث عنه الآن هو وضع شركات القطاع العام الصناعي التي صدر بحقها قرار الإغلاق، هذا الموضوع الذي يؤشر على وجود قطبين متصارعين في الدولة والمجتمع، لأنه يثير خلافاً أساسياً بين دعاة إصلاح القطاع العام الصناعي وتطويره ودعاة لتصفيته بحجة أنه يشكل عبئاً على الدولة. علماً أن وزير الصناعة وفي لقائه مع الزميلة «الاقتصادية» كشف أن فكرة إصلاح القطاع العام بدأت منذ أوائل العام 2009، وهذا يعني أن كل ما قيل عن إصلاح هذا القطاع منذ سنوات كان حبراً على ورق وضحكاً على اللحى، وهذا يؤكد بالتالي ما قلناه سابقاً، وهو أن الإصلاحات الاقتصادية في سورية منذ بداية 2000 أعطت الأولوية للقوانين، ولم تعط الأولوية الكافية للسياسات، وهذه يعني بالضرورة أن هذه السياسات كانت تأتي كتحصيل حاصل نتيجة هذه القوانين
لذلك كانت الحجج لدى دعاة تصفية القطاع العام جاهزة: إن إصلاح القطاع العام يحتاج إلى أموال هائلة، ليست لدينا القدرة على توفيرها، وهذا القطاع لم يثبت جدارته طوال الفترة السابقة حتى أصبح خردة وآلاته أصبحت قديمة ومهتلكة، وإن الحل الأساسي سواء في المدى البعيد أو القريب هو خصخصة القطاع العام وخاصة الصناعي منه، بعد أن أصبح الأمل معدوماً في إصلاحه ليصبح قطاعاً ديناميكياً و قادراً على الدخول في الأسواق العالمية!
أما دعاة الإصلاح فكانوا يقولون إن الحديث عن الإصلاح بات مؤلماً جداً، لأن هذا الحديث يتكرر منذ ثلاثين عاماً في كل النقاشات والدراسات التي تجري، بدءاً من رئاسة مجلس الوزراء وانتهاءً بالوزارات والمديريات والمؤسسات، ولم تغير هذه النقاشات شيئاً، فالنقاط نفسها تناقش، والنتائج والتوصيات التي تخلص إليها هذه النقاشات واحدة، وكل الدراسات التي قدمها الاقتصاديون الغيورون على الوطن ومصلحته ذهبت سدى، وأحياناً كثيرةً كانوا يتهمون بأنهم ضد الاقتصاد الوطني وتطويره، علماً أن الاقتصاد السوري يدار بطريقة ارتجالية، ولا يمكن لأية دولة أن تقوم دون دور وتدخل القطاع العام، وتبقى مسألة الخاسر مسألة شكلية، لكن المصيبة الكبرى أننا أصبحنا نعاني من التبعية الاقتصادية المطلقة للخارج، فمنذ عام 1991 ـ 2006 أعطيت كل المزايا للمرسوم رقم /10/ وعبدت كل الطرقات لكي يمر معززاً مكرماً.
أما في عام 2007 وبعد صدور القانون رقم /8/ فلم تبق أية مزية في العالم إلا وتم إعطاؤها للقطاع الخاص، فوصلت أعداد المشاريع المستلمة فيه إلى /64/ مشروعاً، منها /16/ مشروعاً مرخصاً، أما المنفذ منها فهو لا شيء... أي صفر!! وهذا دليل قاطع على أن المشكلة ليست في القطاع العام بل في السياسات الاقتصادية والرؤية الإستراتيجية للحكومة الموقرة.
والسؤال الذي يطرح نفسه: هل بإمكاننا إطلاق صفة الوطنية على القطاع الخاص إذا ما بقيت أمواله تهرب إلى الخارج؟ وكيف ننادي بالعدالة الاجتماعية ووجوب تحقيقها وبالوقت نفسه نطرد العامل من عمله ونرميه في الشارع؟ إن هذا يدعونا ويدعو المجلس العام لاتخاذ قرارات أكثر جرأة لمصلحة العمال وكافة شرائح الشعب السوري، لأن الوقت يسير بسرعة وهو ليس لصالحنا، وعلينا اتخاذ الإجراءات الكفيلة التي تحقق الضمانة الحقيقة لكرامة الوطن والمواطن.