بعد أن دخل القطاع العام الصناعي نفقه المظلم: أما آن للمتضررين الأساسيين أن يتحركوا؟!
لا تزال أصداء قرارات الإعدام التعسفية التي صدرت بحق 15 شركة من شركات القطاع العام تتردد في أروقة الاتحادات النقابية، فعمال تلك الشركات يطرحون عشرات الأسئلة عن مصيرهم بعد تلك القرارات، والنقابات لا تملك الجواب، وقد تبدو علامات الغضب على وجه هذا النقابي أو ذاك، بعد أن تجاهلت الحكومة المنظمة النقابية بأكملها ومضت في قراراها العجيب دون الرجوع إليها، في أكبر ضربة توجهها للنقابات منذ عقد «الشراكة التاريخية» بين الطرفين.
«قاسيون» تستمر في هذا العدد برصد ردود الفعل في أوساط النقابيين، حيث التقت بكل من السيد غسان السوطري رئيس نقابة عمال الصناعات الكيميائية، والسيد محمود رحوم رئيس نقابة عمال الصناعات الغذائية، وطرحت عليهما مجموعة من الأسئلة:
ما آثار ومفاعيل هذا القرار؟ وإلى أين تتجه الحكومة؟ ولماذا لم تتحرك النقابات رغم مرور أكثر من ستة أشهر على الكتاب الذي أرسلته رئاسة مجلس الوزراء إلى وزارة الصناعة لكي تستشير هذه الأخيرة إدارات شركاتها الخاسرة؟ ولماذا تم تقديم هذا الكتاب على أساس أنه مقترح رغم أنه مشروع قرار؟ وما الأسباب التي أوصلت الشركات إلى وضعها الحالي؟ وأين ذهب قانون «إصلاح القطاع العام الصناعي»؟ وما هو دور الإدارات الفاسدة في إيصال تلك الشركات إلى حافة الانهيار؟
غسان السوطري (رئيس نقابة عمال الصناعات الكيميائية)
وزارة الصناعة تجاوزتنا.. ونحن آخر من يعلم!!
وزير الصناعة بدأ بتوجيه المدراء العاملين في مختلف الشركات للاستفادة من تجربة القطاع الخاص، وطريقة عمله، التوجيه بمعناه العام في غاية الأهمية، لكن هل تعطي الوزارة للإدارات الصلاحية الكاملة في إدارة القطاع العام بكامل الحرية، كما هو الحال في القطاع الخاص؟ ألا يرتبط المدير العام بأكثر من جهة وصائية تحد من حركته وتحركه؟ وهل بإمكانه في أية شركة إنتاجية الانتقال من منتج إلى آخر؟ ثم هل باستطاعة هذه الإدارة أن تكافئ وتقدر ما تراه مناسباً بمنتهى الحرية؟!
كنا نتمنى لو أن السيد وزير الصناعة وضع وبين لنا الخطوط العريضة التي يمكن للإدارات في القطاع العام أن تنتهجها للاستفادة من تجربة القطاع الخاص الذي تحدث عنه، ومن ثم تقليده.
أليس الروتين القاتل الذي ترتبط الإدارات به، إضافة إلى جملة القوانين التي تكبلها كانت وراء خروج القرار الذي أصدره السيد الوزير بخروج /17/ شركة إنتاجية من الاقتصاد السوري. وهنا لابد من التنويه أنني لا أقصد بالإدارات أشخاصاً بعينهم، بل الطريقة الإدارية المعتمدة والمفروضة على بعض الإدارات والقوانين التي تعمل بها، على الرغم من التشريعات الكبيرة التي أقرت في السنوات الأخيرة، لكن مازال الروتين القاتل هو سيد الموقف.
إن توقف الشركات عن العمل ومنح رواتب لعمالها وهم في بيوتهم يطرح السؤال التالي: إلى متى ستتحمل وزارة الصناعة هذا العبء؟ فالكتلة المادية التي هي عبارة عن الرواتب الممنوحة للعمال وهم في بيوتهم، أليست هي من مجموع السيولة التي تحتاجها الشركات العاملة للاستبدال والتجديد والبقاء على قيد الحياة؟ أم أن الهدف هو تخليص الشركات العاملة والمنتجة من سيولتها وتفريغ الخزينة لديها حتى تصل إلى المصير نفسه الذي لاقته زميلاتها من الشركات، وتخرج من العملية الإنتاجية كلياً؟ هذا السؤال برسم وزارة الصناعة، وأتمنى الرد عليه.
إن الاتحادات النقابية ومنذ عشرات السنين تنادي بإصلاح القطاع العام، حتى أصبح هذا التعبير أي «إصلاح القطاع العام» يخدش أذني الحكومة، مما أدى بالبعض إلى تحوير المعنى، وذلك باستخدام جملة «إعادة تأهيل» هذا القطاع، ولكن المشكلة أننا لم نحظ بشيء في النهاية، لا الإصلاح ولا التأهيل، فما هو المصطلح الذي يرغبون ويريدون أن نتكلم به ونتحدث به لاحقاً؟!
من خلال متابعاتنا ورؤيتنا توصلنا إلى قناعة بأن تصرفات الحكومة سببها إما عدم رغبتها بالإصلاح، وإنهاء الدور الكبير الذي كان يلعبه القطاع العام، وهو أسهل الطرق؛ أو عجزها الإداري والوصائي في إصلاح هذا القطاع.
حسب الفاكس الفوري والعاجل المرسل من وزارة الصناعة فإن الوقائع تشير أنه وقبل ستة أشهر وجهت رئاسة مجلس الوزراء كتاباً إلى وزارة الصناعة تحت الرقم /1542/ تاريخ 22/3/2009 لبيان الرأي حول /17/ شركة ملحوظة في كتاب الوزارة. وهنا لا نعلم إن كان الاتحاد العام لنقابات العمال على دراية بهذا الموضوع وبنص الكتاب أم لا؟ لكن نحن كنقابات عمال فوجئنا بهذا القرار من السيد وزير الصناعة.
ثم ألم يسبق هذا القرار العديد من المقترحات والدراسات التي قدمناها لتطوير هذه الشركات؟ فأين ذهبت تلك المقترحات؟ إنه سؤال موجه للاتحاد العام نفسه.
إن ما يحصل الآن أصبح يزرع في النفس الكثير من الخوف على هذه الشركات وعمالها، فهل انقطعت الصلة بين وزارة الصناعة والاتحاد العام؟ وهل وزارة الصناعة أصبح لديها الحق بعدم إطلاع الاتحاد العام على ما يخص شركاتنا واتحاداتنا التي تضم عشرات الآلاف من العمال في كافة القطاعات الإنتاجية؟ خاصة وأن الكتاب واضح لا لبس فيه، أي أنه مشروع قرارا وليس مقترحاً من الوزارة.
نتمنى على الحكومة أن توضح لنا ما هي الخطوات التي قامت بها لإصلاح هذه الشركات ولم تفلح بها، وهل عملت شيئاً في مسألة إعادة التأهيل؟ وهل استبدلت صناعة ما بأخرى للاستفادة من البنية التحتية القائمة والجاهزة في هذه الشركات؟ وهل بدلت من القواعد الإنتاجية لديها؟
إن حال هذه الشركات تشبه وضع مريض كان بحاجة إلى غرفة إنعاش، فلم يقدم له شيء لكي يموت، فالزيارات المتكررة التي كنا نسمع بها من المسؤولين كانت للشركات الرابحة التي كانت تعتمد على نفسها وليست بحاجة لهم، بينما المتعثرة كانت تلاقي الإهمال والتسيب حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن، وأكبر دليل على ذلك أن المسؤولين كانوا يعطون قروضاً بمئات الملايين لأشخاص ومستثمرين، وتعبد لهم الطريق في الصناعة، في حين سدت كل الأبواب في وجه الصناعة الوطنية بحجة نقص السيولة، مع العلم أن قيمة تلك القروض تزيد أضعافاً مضاعفة عن تكاليف إنعاش تلك الشركات، فمن المسؤول عن ذلك؟ وأين المحاسبة التي لا بد أن تأتي؟!
محمود رحوم (رئيس نقابة عمال الصناعات الغذائية)
هذا القرار سيقضي على الشركات الرابحة والخاسرة معاً!
كان من المفروض أن تلقى تلك الشركات الدعم المتواصل من الحكومة، في استبدال خطوط إنتاجها منذ زمن، وقبل أن تصل إلى هذه المرحلة من الخسارة، أي عندما كانت في مرحلة الربح والإنتاجية، وتعمل أكثر من طاقتها الإنتاجية، وعلى مدى ثلاث ورديات متواصلة من أجل تغطية السوق المحلية بالمواد من الإنتاج الوطني.
لقد كان عدد العمال العاملين في هذه الشركات كبيراً جداً، وكانت رابحة بجدارة وأرباحها تذهب إلى خزينة الدولة طيلة السنوات الماضية، ولم يتم رصد أية مبالغ من هذه الأرباح لتطوير خطوط إنتاجها التي استنزفت على مدى أكثر من ثلاثة عقود.
وكانت الطامة الكبرى عندما فتحنا أسواقنا على مصرعيها أمام الخارج، وبدأ المستثمرون بإنشاء وافتتاح معامل وفقاً لقانون الاستثمار، فتراجعت الشركات الوطنية إلى الصف الأخير، وانتقلت الخبرات من هذه المعامل إلى المعامل الخاصة، لنخسر بذلك كل الخبرات الوطنية التي تربت على الإنتاج الوطني، سواءٌ بالإقناع تارة، أو بالإغراء تارة أخرى.
وطبعاً، بعد أن استهلكت هذه الآلات، وأصبحت غير قادرة على الإنتاج، وتحتاج إلى مبالغ كبيرة لتجديدها واستبدالها، عجزت الدولة عن تأمين السيولة لإنقاذها، إضافة إلى خوف بعض المختصين وأصحاب القرار من ضمان إعادة هذه الخطوط في حال تم استبدالها. وخلال السنوات الماضية توضح مدى عجزهم وخوفهم من اتخاذ أي قرار لاستبدالها وتجديدها لوجود منافسة شديدة في الأسواق التي امتلأت بالمنتجات المحلية والمستوردة، وغلاء المواد الأولية التي ترفع من سعر التكلفة، بينما القطاع الخاص كان ينتج بأقل تكلفة وينافس على حساب الجودة والمواصفات القياسية السورية، وعدم وعي المستهلك لهذه المسألة جعله يقبل الشراء من القطاع الخاص دون القطاع العام، لأن القطاع الخاص لديه آليات تسويقية وترويجية حديثة ويرصد مبالغ مرتفعة للدعاية والإعلان، وبالتالي إيصال المنتج إلى كل منزل، لقد كان من الأفضل أن تستمر الحكومة بدعم هذه الشركات لتبقى قائمة وعاملة، حتى تستمر على أقل تقدير بلعب دورها الاجتماعي، وحساب رواتب العمال من سعر التكلفة الإنتاجية، ومن ثم تتم محاسبة الإدارات والعمال بمسائل الإنتاج. لذا كان من المفترض أو الأفضل أن يتم تخفيض التكلفة على استيراد المواد الأولية.
لقد وصلت بعض المواد والآلات إلى الاهتلاك الكامل، حيث بلغت نقطة الصفر في الوقت الذي مازالت فيه وزارة المالية مصرة على قطع قيمة الاهتلاكات منذ استيرادها، وعلى أساس عامها الأول، مع العلم أن بعض هذه الآلات لم يعد موجوداً في البلد المنشأ، لذا كان من الأفضل أيضاً دعم الصادرات ومستلزمات الإنتاج بأسعار رمزية وبأقل من التكلفة مثل المحروقات والكهرباء.
والسؤال: إذا كنا في الاتحاد العربي لم نتمكن من الصمود في وجه عمليات الاستيراد الحالية؟ فكيف إذا دخلنا الشراكة الأوروبية؟ إن هذا يعني بكل بساطة تحول الصناعيين إلى تجار، وإنهاء دور الطبقة العاملة التاريخي، فأين دور الدولة التدخلي في هذا الموضع؟ يبدو أننا بدل أن نعمل من أجل تخفيض عدد العاطلين عن العمل سنزيد من أعدادهم أضعافاً مضاعفة.
وإذا بقيت الوزارة تعطيهم الرواتب على حساب الشركات الرابحة فستتحول هي أيضاً إلى شركات خاسرة حسب المفهوم الحكومي، لتأتي الوزارة والحكومة لتطالبنا بإيقافها بحجة الخسارة، بعد أن أنهت ما لديها من سيولة، وبهذه الحالة سنكون قد قضينا على الشركات الرابحة والخاسرة معاً!
لذا فإنني أرى أن يتم إعطاؤهم الرواتب من الخزينة العامة للدولة كي لا تقف الشركات الرابحة عن العمل وتصبح خاسرة بفعل فاعل، مع إعادة النظر في اختبار الإدارات من العناصر الخبيرة والنزيهة والمدربة والمؤهلة، خاصة وأن الإدارات السابقة لعبت دوراً مهماً فيما وصلت إليه أحوالها، فأحياناً كانوا يأتون بإدارة تفهم بالإدارة فقط، وأحياناً أخرى إدارة فنية فقط، إضافة لبعض الإدارات الفاسدة التي كانت مهمتها نصب وشفط أموال هذه الشركات، حتى وصلت إلى مرحلة الخسارة التي لا دخل للعامل أو ذنب له بها، فقد كان رهن الطلب، وملك العمل والمعمل، فهل نكافئه بهذه الطريقة؟!!