عمال مرفأ طرطوس المياومون يستغيثون: أولادنا ومستقبلنا في خطر
تقوم الشركة العامة لمرفأ طرطوس باستخدام عمال عرضيين بعدد 1811 عاملاً منذ أكثر من سبع سنوات، لمؤازرة عمال تناول البضائع الدائمين بأعمال تفريغ وتحميل كل أنواع البضائع الواردة إلى المرفأ على متن السفن وبالعكس خلال ورديات العمل الثلاث بما فيها أيام العطل والأعياد بموجب أحكام القانون رقم 75 لعام 1979 ونظام الاستثمار المعمول به في المرفأ، والصادر بالمرسوم رقم 67 لعام 2002، وأحكام النظام الداخلي للشركة.
ولأن هؤلاء العمال يقومون بعملية التفريغ والتحميل للسفن سواء كانوا على السطح أو في العنابر، وحتى التنظيف بعد الانتهاء من الحمولة، فهُم معرضون للتعامل مع كل أنواع المواد الملوثة من الغبار إلى المواد الكيميائية وأحياناً إلى المواد السامة، كما حدث لباخرة الموت (غوي ب) المحملة لمادة الخشب والحديد، والتي ذهب ضحيتها خمسة عمال بمن فيهم قبطان الباخرة، وإصابة حوالي 60 عاملا بحالة تسمم في عام 2006، وهذا يؤكد ليس فقط حرمانهم من حق التأمين على الحياة بل حتى من أدنى حقوق الوقاية والأمن الصناعي، وحتى في حالات الإصابة فهم غير قادرين على ترك عملهم خوفاً من سحب البطاقة منهم، وغير قادرين على رفع دعوى حجز على السفينة كي ينالوا حقوقهم، والأمثلة عن الإصابات الخطيرة والتهديد بسحب البطاقة والعمل رغم الإصابات الخطيرة والمزمنة لا تحصى، والعمال يطالبون بتشكيل لجنة عليا من خارج المرفأ لدراسة هذه الحالات، لمعرفة حجمها وتدوينها عملاً لاحقاً لمعالجتها والتخفيف من أضرارها، وصدور القوانين التي تحفظ حياتهم كبشر أولاً، وكمواطنين ثانياً، ويتساءل بعض العمال: قسمٌ منا كانوا يعملون مع القطاع الخاص بالعمل نفسه قبل تشكيل مكتب عمال التناول، لماذا القطاع الخاص كان يوزع علينا بعض أدوات الوقاية من ثياب وقفازات وغيرها، وتحرمنا منها شركة الدولة؟ لماذا كنا في حالات الإصابة مع القطاع الخاص نقوم بالحجز على الباخرة حتى نأخذ حقوقنا، أما الآن فلا نستطيع ونهدَّد بسحب البطاقة؟ لماذا نعمل في شركة ضخمة للدولة منذ سنوات ولا يشملنا التأمين؟ أحد العمال صرح لقاسيون بأنه اشتغل مع القطاع الخاص بأعمال متعددة وخاصة في لبنان وتعرض لإصابات، لم يشعر بالغربة إلا هنا في عمله وفي بلده ووسط أهله! وتسألوننا لماذا أكد ماركس في موضوع بحثه عن الاغتراب (كيف يشعر الإنسان بالغربة وسط محيطه عندما تُسلب منه حقوقه الطبيعية؟)
أيام العمل المشوهة
هؤلاء العمال كان عددهم أقل من ذلك، وكانوا يقبضون أجر الوردية التي يعملون فيها، أي تحسب بساعات العمل ثم عدد الأيام، سابقا كانوا يعملون أكثر من 15 يوماً في الشهر، ثم زاد عددهم إلى درجة أصبحت فيها حصة العامل في الأيام العادية لا تتجاوز 10 – 12 يوم عمل، وهم يتهمون الإدارة بزيادة عددهم قصداً كي لا يعملوا أكثر من 15 يوم في الشهر، كي لا يشملهم التثبيت، ويعتبرونها لعبة قانونية، والإدارة تنفي وتقول إن عددهم زاد لظروف متعددة أقلها استخدام العمال أنفسهم ذوي النفوذ للحصول على بطاقة، والكثير من العمال ذكروا لقاسيون أنهم في حالات الحركة النشيطة للمرفأ إذا اشتغلوا أكثر من 15 يوماً لا يقبضون ثمن الأيام الزائدة، بل تضاف إلى شهور يكون أيام عملهم أقل من 15 يوماً، والعمال يتهمون الإدارة بالتلاعب بهذا الأمر لتقليل حجة تثبيتهم.
بعد صدور مرسوم توزيع الكتلة الإنتاجية وتعديل تعليماته التنفيذية بالقرار8249 تاريخ 12/6/2011 وإعطاء قسم كبير منها لفئات صنفتهم الإدارة حسب قربهم وبعدهم عن دائرة العمل الفعلية، وأعطتهم سقفاً من 30 – 12 ألف ليرة فوق رواتبهم وكل امتيازاتهم، وسلبت العمال المياومين حقوقهم فهُم لا يتمتعون بأي حق سوى أجرة عملهم اليومي، والتي انخفضت إلى 10 آلاف ليرة سورية في أحسن الحالات، وفي الشهر الماضي لم يتجاوز أجرهم 5 آلاف ليرة، ومعظمهم إما متزوج أو يعيل أفراد أسرته، وقسم كبير منهم يستأجر بيتاً للسكن بأعلى من هذا الرقم، علماً كما أسلفنا سابقاً هم من يقومون بكل العملية الإنتاجية، ويتعرضون لكل أنواع الإصابات والمخاطر.
الإدارة تقول إنهم لا يعملون كل أيام الشهر، هم متواجدون فقط بعدد الأيام التي يعملون فيها، ثم لديهم أعمال أخرى، والعمال يؤكدون أنهم تواجدهم في المرفأ شبه يومي، منهم من يأتون بشكل مجموعات من القرى البعيدة، ومنهم من يأتون فُرادى وذهابهم وإيابهم قد يكلفهم أكثر من 100 ليرة سورية في أدنى الحالات، ومعظم الأحيان ينتظرون حتى ساعة متأخرة من الليل ويأتيهم الخبر عن إيقاف تفريغ الحمولة لهذا السبب أو ذاك، وأكدت نقابة النقل البحري أن إحدى البواخر توقفت عن تفريغ الموز لعدم وجود سيارات نقل، فعاد العمال إلى بيوتهم، صحيح أنهم لا يعملون كل أيام الشهر، لكن معظمهم متواجد في أماكن العمل معظم أيام الشهر.
حقوق مغتصبة قانونياً
ما دامت الإدارة والنقابة والاتحاد وكل موظفي المرفأ يقرون بصعوبة عمل هذه الفئة من العمال، والظروف الصعبة جداً التي يعملون بها. إصاباتهم لا تقل سوءاً عن إصابات الجنود الخارجين من المعارك، من حروق كيميائية وكسور وبتر أطراف وعاهات دائمة، إضافة إلى احتمالات الموت.
كل المراسيم والقوانين التي صدرت حتى تاريخه تغض الطرف عنهم وتتجاهلهم، وتبتعد عن الصفة التي تم توصيفهم بها (عمال تناول، عمال عرضيون، عمال مياومون، عمال مؤازرة، عمال نقاط) إلى متى يبقى وضعهم هكذا؟ أإلى حين انتهاء مفردات قاموس اللغة العربية من كلمات مرادفة لتوصيفهم كي يبقوا خارج القانون؟ وحتى المرسوم 62 لعام 2011 كل الشروط الموجودة فيه تنطبق عليهم، إلا شرطاً واحداً أجاز فيه تثبيت العمال المؤقتين الذين لديهم صكوك عقد سنوية متجددة، وهم لا عقود لديهم، إذاً ما دمتم وزعتم الكتلة الإنتاجية لموظفين وإداريين خارج دائرة الإنتاج، وزدتم في العطاء لآخرين حقوقهم غير منقوصة، لا من حيث الراتب ولا من حيث الحقوق في التامين والإصابات والعطل والتقاعد، فلماذا لم تلاحظوا وضعهم؟ ولماذا حرمتموهم حقاً مكتسباً بقوانين؟ وسلبتم منهم أجور عملهم ولقمة عيش أطفالهم، ووضعتموهم على حافة الانهيار، وأصبح الخوف والقلق إلى جانب إصاباتهم وبؤسهم يتملكهم. هل هناك من يدفعهم للانفجار ولتفجير حالة الاحتقان عندهم؟ هم يريدون حقوقهم كغيرهم وإنصافهم كعمال بشر لهم إنسانيتهم وكرامتهم، وإن كانت تعز عليهم وطنيتهم، ومراعاة ظروف وطنهم من تفجير حالة الغضب والاحتقان.
مراسلات الإدارة والنقابة :
جاء في كتاب موجه من إدارة المرفأ إلى وزارة النقل يحمل الرقم 2453/ص/د تاريخ 27/3/2011 (استناداً لتوجيهات القيادة في تثبيت كافة العاملين المؤقتين في الدولة يرجى لحظ وضع هؤلاء العمال عند دراسة مشروع التثبيت نظراً للحاجة الماسة لخدماتهم، وحفاظاً على استقرار أوضاعهم الوظيفية).
وفي كتاب آخر أيضا من المصدر نفسه إلى الوزارة نفسها وبالتاريخ نفسه ويحمل رقم 2454/ص/د تحدد فيه الإدارة حاجتها إلى 40 عاملاً من خريجي المعاهد المتوسطة والثانوية الصناعية الفنية، و12 للفئة الرابعة، و30 إطفائياً و50 حارس ضابطة و25 بحاراً و150 سائقاً ويكمل الكتاب (منوهين بتوفر الاعتماد المالي لدى الشركة) وحددت الإدارة في عملية الانتقاء (عدد الورديات لكل منهم، وأيام العمل الفعلية ومدى التزامهم بالعمل)
وفي كتاب من نقابة عمال النقل البحري بتاريخ 28/3/2011 طالبوا ضمنه (إن تثبيت هؤلاء العمال يعتبر حلاً عادلاً ومنصفاً لهم، كونهم الآن غير مشمولين بالتأمينات الاجتماعية، ولديهم قلق كبير على أوضاعهم المعيشية، خاصة بعد تطبيق المرسوم رقم 8 لعام 2011، المتضمن توزيع الكتلة الإنتاجية حيث ستنخفض أجورهم لما يقارب النصف مما كانوا يتقاضونه قبل التطبيق، ونؤكد أنه في حال عدم إيجاد حل عادل ومنصف لهؤلاء العمال ستحدث مشكلة قد تتفاقم أكثر مستقبلاً).
وعلى الرغم من وضوح نصوص الكتب لكن العمال قلقون من أن تنتقي الإدارة المحسوبين عليها والباقي إلى قارعة الطريق، الإدارة والنقابة تقول وتؤكد أنها ستراعي كل الشروط الآنفة الذكر في الانتقاء، لكن حالة عدم الوضوح وانعدام الثقة بين العمال والإدارة يجعل خوفهم يزداد يوماً بعد يوم، ولديهم قناعة كبيرة بأن هناك من يعمل على (تطفيشهم) من أجل إعادة عمل المتعهدين مع عماله إلى البواخر.
حقوق يجب أن تصان
1_ إجراء عقود عمل نظامية لهم.
2_ لعدم تكرار حالة الفوضى في عددهم، إيقاف الزيادة العشوائية حتى تأمين حقوقهم.
3_ إلى حين البت قانونياً في شرعية حقوقهم، العمل على إعطائهم حقوقاً عادلة في توزيع الكتلة الإنتاجية.
4_ تحسين البنية التحتية للخدمات في أماكن عملهم والتي تنتقص من كرامتهم في وضعها الحالي.