المرسوم /62/ لتثبيت العمال.. العبرة في التطبيق الفوري!
وفقاً لتصريحات عدة أدلت بها الجهات الوصائية ونقابات العمال، فإن عدد العمال المؤقتين المستفيدين من المرسوم /62/ لعام 2011 القاضي بتثبيت العمال المؤقتين العاملين بعمل له طبيعة دائمة قد بلغ 174 ألف عامل مؤقت، موزعين على مختلف المواقع الإدارية والصناعية. وهناك أعداد أخرى من العمال لم يشملهم المرسوم، وهم المتعاقَد معهم على أساس العقد اليومي، ويعملون بأعمال لها طابع الأعمال الدائمة، وهذه الشريحة من العمال محرومة من الحقوق التي يتقاضاها العمال الآخرون العاملون معهم بالمهن والأعمال ذاتها، وهي معرضة للتسريح في أية لحظة دون أن يترتب على ذلك أية حقوق، باعتبار أن هذه الفئة من العمال غير مسجلة بالتأمينات الاجتماعية، ولا يشملها الضمان الصحي المعمول به في الشركات والمعامل.
برزت قضية العمال المؤقتين بشكل واضح وتفاقمت وأصبحت نقطة رئيسية على جدول أعمال النقابات في كل المؤتمرات والاجتماعات، وقد طالب النقابيون الحكومة السابقة بضرورة تثبيت العمال باعتبارهم يعملون بصفة دائمة ولسنوات طويلة، ولكن الحكومة لم تكن تعير انتباهاً لكل النداءات التي كانت تصدر من أجل تثبيتهم، وتقدم الحجج الكثيرة في معرض مواجهتها لما تطرحه النقابات بهذا الخصوص، من إعادة الهيكلة للقطاع العام الصناعي، وأن هناك عمالة فائضة يترتب عليها تكاليف لم تعد الشركات والمؤسسات تتحمل أعباءها، حيث حمّلت الحكومة العمال مسؤولية الخسارة التي لحقت بهذه المؤسسات والشركات، بل كانت تقوم بتسريح أعداد كبيرة من العمال تحت حجج مخالفتهم للقوانين والأنظمة المعمول بها أثناء عملهم، كما جرى لعمال محروقات بانياس وعمال التبغ في حلب وعمال البيطرة في درعا وغيرها من المحافظات التي تعرض فيها العمال المؤقتون للتسريح، حيث جرى تعيين بديل عنهم بصفة مؤقتين أيضاً، ولا ندري ما هي الحكمة من عمليات التسريح ثم الاستبدال للعمال؟
إن المرسوم /62/ الذي صدر مؤخراً لتثبيت العمال المؤقتين يحتاج إلى متابعة مستمرة من النقابات من أجل تنفيذه، وإلا ستضيع حقوق العمال بالتثبيت في زحمة القرارات البيروقراطية والعقل البيروقراطي الذي يشرف على تطبيق هذا المرسوم حيث سيغوصون كالعادة في التفاصيل المتعلقة بالتعليمات التنفيذية التي يصدرها الوزير المختص، لتناقشها بعد ذلك اللجان وتضع تصوراتها لطريقة التثبيت، إن كان بصك موحد يحدد الشروط العامة للتثبيت، أو بصكوك أخرى كل على هواه.
برزت إشكالات عدة سيواجهها العمال الراغبون بالتثبيت، وهي أن العديد منهم قَبِل بالعمل على الفئة الرابعة أو الخامسة ويحمل شهادة ثانوية أو معهد، حيث لم يلحظ القانون أوضاعهم لجهة تعديل أوضاعهم على أساس ما يحملونه من شهادات، فعند رفع الطلبات قيل لهم أن يحصلوا على شهاداتهم التعليمية مجدداً، أي أن يتقدموا إلى امتحان الشهادة الثانوية، فهل يعقل مثل هذا الطلب من الإدارات من أجل تعديل أوضاع العمال الحاملين للشهادات؟ حيث اضطرتهم ظروفهم للعمل ليس على أساس شهاداتهم، بل وفقاً لما هو متوفر من عمل، والكل يعلم حجم المعاناة التي يتكبدها العاطلون عن العمل للحصول على فرص عمل، وإن كانت بشروط مجحفة بحقهم، المهم أن يعملوا.
جاء في التعليمات التنفيذية للمرسوم /62/ المادة /3/ الفقرة/7/.
(للعامل المؤقت طالب إعادة التعيين الذي عمل لدى الجهات العامة بأعمال تندرج بأكثر من فئة من فئات العاملين في الدولة أن يطلب إعادة التعيين بالفئة التي تتوافق مع العقد، النافذ بتاريخ 5/6/2011، شريطة إتمامه المدة المحددة في الفقرة /ب/ من المادة الثانية من المرسوم التشريعي رقم /62/ لعام 2011).
إن عدم الإشارة إلى تعديل أوضاع العمال على أساس ما يحملونه من شهادات عند العقد النافذ، والذين عملوا بفئات أقل من فئة شهاداتهم التي حصلوا عليها واضطرتهم ظروف البطالة لعدم العمل بموجبها، وإن عدم لحظ ذلك هو انتقاص من حقوقهم في حصولهم على ظروف أفضل وأجر أفضل على أساس شهاداتهم، ولابد من العمل على تجاوز هذه الثغرة من خلال تعديل التعليمات التنفيذية والصك المعتمد لإعادة التعيين.
والسؤال الملح في هذا السياق: هل كان نهج الحكومة وفريقها الاقتصادي بإصدار القرارات والمراسيم المختلفة التي تم على أساسها تشغيل اليد العاملة، كما هو حاصل، بريئاً، ويستند إلى المصلحة العامة؟!
إن فلسفة الحكومة في معالجة أوضاع العمال في القطاع الخاص أو العام تستند إلى وجهة النظر والتوصيات التي يعتمدها صندوق النقد الدولي، والقائمة على أساس تحرير سوق العمل (أي تسهيل التوظيف والطرد)، وإلغاء الوظيفة الدائمة والاستعاضة عنها بالوظيفة التعاقدية والعمل اليومي، وهذا ما عملت على أساسه وسارت الحكومة قدماً في نهجها وسياساتها تجاه سوق العمل، بحيث نشأت أزمات حقيقية بسلوكها هذا، وتراكمت الكثير من المشاكل المتعلقة بحقوق العمال، سواء من ناحية أجورهم أو تعويضاتهم، وهو بهذا ينسجم سلوكها تجاه تحرير الأسواق وإخضاعها لقانون العرض والطلب في تحديد أسعار المنتجات، كما هو الحال تجاه سوق العمل وإخضاعها للقانون نفسه، ما أدى إلى دوران كبير في اليد العاملة سواء في القطاع العام أو الخاص، الذي أصدرت له قانوناً يتوافق مع تلك الفلسفة، وتركت مصير العمال ومستقبلهم مرهوناً لقرارات أرباب العمل، وهذا ما نشاهده الآن من عمليات تسريح واسعة لا تريد الحكومة الحالية الاعتراف بها وتنفي حصولها، مع أن كل الوقائع تؤكدها.
إزاء هذا الوضع المعقد والمتشابك والخطير، بالنسبة لحق العمل الذي كفله الدستور السوري، فإن نقابات العمال وكل القوى الوطنية تتحمل مسؤوليتها تجاه ما يحصل للطبقة العاملة من هجوم على حقوقها في العمل، وفي أجور عادلة تؤمن لها كرامتها في لقمتها وكلمتها.