تحقيق الضمان الصحي.. غياب الضمانات!

ورد في دستور الجمهورية العربية السورية المادة /46/:

1 - تكفل الدولة كل مواطن وأسرته في حالات الطوارئ والمرض والعجز واليتم والشيخوخة.
2 - تحمي الدولة صحة المواطنين وتوفر لهم وسائل الوقاية والمعالجة والتداوي.
3 - تكفل الدولة الخدمات الثقافية والاجتماعية والصحية وتعمل بوجه خاص على توفيرها لكل قرية وفقا لمستواها.
أطلت علينا الحكومة مؤخرا بمشروعها للضمان الصحي الذي بينت فيه آلية تطبيقه وتنفيذه المتدرجة، محددة المبلغ الواجب دفعه كاشتراك للاستفادة مما يقدمه هذا القانون من علاج ودواء بـ 3% من أجر العامل و6% يدفعها رب العمل سواء أكان قطاعاً خاصاً أو عاماً.

صدر في عام 1979 قانون للضمان الصحي ولكن لم يطبق لسببين:

- عدم وجود دراسات كافية..
- عدم توفر البنية التحتية لتطبيق الضمان الصحي..

أعيدت دراسة هذا القانون منذ عام 2000 بالاشتراك مع الاتحاد الأوربي بالاستناد لتجارب عدة بلدان بما فيها مصر، ومنذ ذلك التاريخ والى الآن والحكومة تطل علينا باقتراحات ومشاريع لتطبيق قانون الضمان الصحي، فيما تقوم من ناحية أخرى بعرقلته، تارة تحت حجة عدم توفر المبالغ الضرورية لتطبيقه والتي قدّرتها وزارة المالية بـ40 مليار ل.س، وتارة أخرى تقول بأنها ستجرب تطبيقه في عدد من المحافظات أولاً. ولكن القانون لم يطبق على الرغم من المطالبات الكثيرة للنقابات في مؤتمراتها ومجالس الاتحاد العام (بحضور الحكومة) بضرورة الإسراع في تطبيقه كونه سيلبي حاجات الطبقة العاملة وخاصة المتقاعدين منهم، وكذلك العاملين في القطاع الإداري الذين لا يشملهم نظام الرعاية الصحية الشاملة.
تعتبر الحكومة أن إصدار هذا القانون يجب أن يأتي في سياق شبكة الضمان الاجتماعي المنوي تفعيلها مثل صناديق البطالة والعجز والشيخوخة، مع العلم أن قانون التأمينات الاجتماعية ينص في مواده على إنشاء صناديق مساعدة للبطالة وحماية الشيخوخة بما فيها الضمان الصحي، ولكن الحكومات المتعاقبة لم تكن ترى أهمية لمثل هذه القضايا بالشكل الكافي وظلت وفق ادعاءاتها تسعى لخلق القاعدة المادية الضرورية كالمستشفيات والمراكز الطبية في القرى والبلدات ومراكز المدن بالشكل الذي يستطيع خلق الأرضية للضمان الصحي وفق ماجاء في نص القانون.
واليوم، نرى بأم العين الوضع المزري للمستشفيات والمراكز الصحية ومستوى الخدمات التي تقدمها للمواطنين، فإذا كان هذا وضع المشافي العامة من حيث الكادر الطبي والإمكانيات، فكيف سيجري تخديم ملايين المواطنين من العمال وغير العمال؟؟

الحكومة تحتال

الأمر بسيط.. فالحكومة تقول: «إذا لم تتوفر الإمكانيات لدينا فيمكن لشركات التأمين والمشافي الخاصة أن تقوم بأداء الواجب الأساسي معنا في تطبيق الضمان الصحي وفق التعليمات الصادرة عن وزارة الصحة».. وبالتالي فالحكومة تتجاهل أن تنفيذ هذه التعليمات لن يكون إلا على خاطر تلك الشركات التأمينية والمشافي التابعة لها، حيث نصت اللائحة التنفيذية أنه: (لا تلتزم الهيئة بأي نفقات ناجمة عن صرف أدوية غير معتمدة وغير واردة في لوائح الأدوية المعتمدة لديها)، وهكذا فإن العلاج المكلف مثل: جراحة القلب، غسيل الكلى، جراحة أمراض السرطان.. سيصبح شبه مستحيل على الفقراء (المضمونين)، وسيضطر المواطن - إذا استطاع إلى ذلك سبيلاً- أن يدفع الفرق بين ما تحدده الوزارة وتسعيرة المشافي!..
رئيس اتحاد عمال دمشق جمال القادري يتساءل مشككاً:
«هل يصبح الضمان الصحي حقيقة على الأرض في يوم من الأيام .... وهل نصل في مرحلة معينة إلى انجاز بنية تحتية وقاعدة مادية وبشرية تشمل خارطة الوطن من مدينة وقرية وحي وهل المليارات متوفرة لتحقيق حلم الضمان الاجتماعي»؟؟؟
وأخيرا نقول إن الضمان الصحي وغيره من شبكات الأمان ومنها صناديق البطالة والشيخوخة والعجز وغيرها.. حق للمواطن كفله الدستور والقوانين ويقع على عاتق الحكومة تأمين مستلزمات تطبيق هذا الحق دون تحميل أعباء إضافية للمواطن تزيد من هدر كرامته وهدر حقوقه ..