أرباب العمل.. ينتهكون حق العمال في الانتساب إلى النقابات؟!
تعتبر قضية عمال القطاع الخاص من أكثر القضايا حضوراً في المؤتمرات النقابية، حيث لا تخلو مداخلة تقريباً إلاّ وتأتي على ذكر المصاعب التي تواجه النقابات في اختراق هذا التجمع أو ذاك، وعدم تحقيق نجاحات ملموسة على هذا الصعيد بالرغم من الجهود التي تبذلها العديد من النقابات بهذا الخصوص للوصول إلى عمال هذا القطاع الهام، والذي يشكل بعدد عماله أغلبية الطبقة العاملة السورية،
وهذا العدد بازدياد دائم للتوسع الحاصل في منشآت القطاع الخاص، ودخول العديد من الاستثمارات الأجنبية والعربية إلى السوق السورية، وخاصة في المناطق الصناعية والحرّة، مما يعني تفاقم وتوسع المشكلة لدى التنظيم النقابي، ومما يعني أيضاً مخاطر حقيقية ستعكس نفسها بالضرورة على الحركة النقابية، وعلى وحدة الحركة العمالية، وهذه المخاطر قد أشرنا إليها أكثر من مرة على صفحات قاسيون، وكذلك أشرنا إليها العديد من النقابيين في المؤتمرات، والتي من المفترض أن تكون ضمن أولويات الحركة النقابية (طالب أعضاء مجلس الاتحاد العام بضرورة عقد جلسة خاصة للمجلس لنقاش وضع عمال القطاع الخاص ولكن لم تعقد هذه الجلسة)، لما تحمله من أهمية مستقبلية، خاصة وأن أرباب العمل، وأصحاب الاستثمارات لديهم موقف مسبق من النقابات، لمعرفتهم أن هذه النقابات ستشكل القاعدة التي تنطلق منها المطالب العمالية، والتحركات العمالية من أجل مطالبهم، وخاصة من أجل زيادة أجورهم، لذا يلجؤون إلى أشكال وأساليب مختلفة لمنع العمال من تشكيل لجان نقابية أو الانتساب إليها، ومنها إجبار العمال بالتوقيع على تصريح بعدم الانتساب إلى أي نقابة ويمكن أن نورد مثلا على ذلك هذا التصريح:
(أنا الموقع أدناه أحمل البطاقة الشخصية رقم ... والعامل لدى البنك العربي في سورية أصرح وأنا بكامل الأهلية القانونية وبملء حريتي واختياري، وبعدم إبرام عقد العمل معي بأني لا أرغب بأن تكون هناك لجنة نقابية في البنك، ولن أشارك بأي لجنة نقابية عمالية إن أحدثت، الاسم والتوقيع) .
ماذا يعني هذا التصريح؟!
أولاً: إنه اعتداء على حرية العامل في الانتساب إلى الجهة التي يرغب بها ومنها التنظيم النقابي تحت طائلة عدم إبرام عقد العمل معه، وهذا انتهاك للدستور الذي كفل للمواطن السوري الحق في التعبير عن رأيه وممارسة نشاطه، وكذلك قوانين العمل الدولية والعربية قد كفلت للعامل حق الانتساب للنقابات أو إنشاء نقابات جديدة وقانون التنظيم النقابي (84) الصادر بمرسوم جمهوري قد نص على حق العامل في الانتساب إلى النقابة، ومن هنا فإن التوقيع على مثل هذا التصريح هو انتهاك لكل تلك المواثيق التي أكدت على حق العامل الطبيعي بأن تكون له نقابة تعبر عن مصالحه وتدافع عنها وهذا ما لا يريده أرباب العمل ومن وراءهم، خاصة وإن المنشآت والاستثمارات تلك لا يخضع عمالها لأي قانون من قوانين العمل السورية، بل تخضع لتعليمات أرباب العمل وما يفرضونه من شروط عمل تلبي مصالحهم فقط مثل ساعات العمل اليومية والأجور، التعويضات، الطبابة، الإجازات السنوية، التسجيل بالتأمينات... الخ. إنها عبودية جديدة يخضع لها عمال القطاع الخاص بموافقة من بيدهم الربط والحل.
ثانياً: إن سلوك أرباب العمل هذا يعني أيضاً تجريد الحركة النقابية من إمكانية التطور والتوسع بهذا الاتجاه، ويفقدها عنصراً هاماً من عناصر قوتها، ويجعل إمكانية نشوء أشكال تنظيمية موازية للحركة النقابية أمراً وارداً قد يسيطر على قياداتها أرباب العمل، وجرى هذا في تاريخ الحركة النقابية السورية، حيث كان أكثر من اتحاد عكس نفسه على قدرة الطبقة العاملة السورية في الدفاع عن حقوقها ومكاسبها إلى أن أعادت الحركة توحيد نفسها من جديد في إطار اتحاد عام لجميع عمال سورية.
إن سلوك أرباب العمل هذا هو ناقوس خطر لا بد أن يسترعي انتباه القوى الوطنية للدفاع عن حقوق ومصالح الطبقة العاملة، وعلى رأس تلك القوى الحركة النقابية ممثلة بالاتحاد العام، وذلك بإعادة النظر بآليات العمل المتبعة والتي لم تحقق نتائج ملموسة على صعيد الصلة مع عمال القطاع الخاص بسبب الحصار المضروب عليهم وعدم الاهتمام بهم لعقود من السنين، مما أتاح الإمكانية لإبعادهم عن الحركة النقابية.
إن المطلوب الآن التصدي لتلك المحاولات وخلق الإمكانيات الضرورية لإعادة الثقة مع هؤلاء العمال وجذبهم إلى موقعهم الطبيعي بالأشكال والطرق المناسبة وهذه مهمة الجميع، ليقوى هؤلاء العمال بحركتهم النقابية وتقوى الحركة بهم قبل فوات الأوان .