بصراحة: تحسين الوضع المعيشي ومواجهة الفساد بين خطتين؟؟
في سياق التحضير للمؤتمرات النقابية، عقدت القيادات النقابية في كل أنحاء سورية وفي مقدمتها قيادة الاتحاد العام اجتماعات أكدت فيها على الخط العام الذي على القيادات النقابية وأعضاء المؤتمرات التركيز عليه في مداخلاتهم وتقاريرهم النقابية، أثناء انعقاد المؤتمرات النقابية السنوية، كما نشرت قاسيون في عددها السابق. واللافت في تلك التوجيهات عموميتها، في الوقت الذي كان من المفترض توجيه الكوادر النقابية باتجاه هدف واضح ومحدد في مواجهة ما يشكل الخطر الأكبر على الوطن بأجمعه، ويؤرق الحركة النقابية، والطبقة العاملة
ونعني التوجهات التي ينفذها الفريق الاقتصادي على صعيد السير بالاقتصاد الوطني باتجاه تحقيق مصالح الرأسماليين، والمستثمرين المحليين والأجانب، حيث فقدت غالبية الشعب السوري حقه بالاستفادة من نسب النمو التي تعلنها الحكومة في بياناتها وميزانياتها السنوية لتحسين مستوى معيشتها، والخدمات التعليمية، والصحية، والنقل..... الخ. فبات مستقبل الحركة النقابية مرهوناً بالمواجهة الحاسمة مع هذه السياسات.
ولكن الذي جرى أن نسب النمو المعلنة قد زادت غنى الأغنياء، وزادت أيضاً فقر الفقراء، وأصبح المستوى المعيشي المزمع تحسينه مرهوناً بتوفير الموارد اللازمة لذلك، وتوفير الموارد يحتاج إلى المصادر التي ستأتي من خلالها الأموال اللازمة لتحسين مستوى معيشة الشعب السوري ومنه الطبقة العاملة السورية، وهنا بيت القصيد!!
فالحركة النقابية، باعتبارها تمثل مصالح الطبقة العاملة والأمينة على حقوقها، معنية أولاً وأخيراً بأن تخوض هذه المعركة المشرفة لتحسين مستوى معيشة الطبقة العاملة والدفاع عن حقوقها، وهذا يقتضي تحديد التخوم كما يقال بين مصالح الطبقة العاملة ومصالح الرأسمال، وذلك بالمعرفة الدقيقة لقوى النيوليبرالية المتنفذة في شرايين الحياة الاقتصادية السورية، والتي من خلالها يجري الدفع لتحقيق مصالحها، وبرنامجها الجاري تطبيقه، والذي عبر عنه النائب الاقتصادي بالقول: «إن إصلاح الاقتصاد السوري لابد أن يمر بقرارات صعبة ومؤلمه»، وهذه القرارات الصعبة والمؤلمة بدأت الحكومة بتفيذها علنياً بإغلاق الشركات وطرحها للاستثمار، ونقل العمال والكوادر الفنية، وتسليم المواقع السيادية للمستثمرين كالموانئ والسكك الحديدية والطاقة الكهربائية ومعامل الإسمنت، وفق أنظمة استثمار مختلفة، عوضاً عن طرح برنامج إصلاح حقيقي كما كانت تدعي الحكومة سابقاً، كما أدعت أيضاً أنها ستواجه الفقر والفساد لتحسين الوضع المعيشي في خطتها الخمسية العاشرة، وأنها عبر ذلك ستقلل من نسب الفقر في سورية إلى /8%/، ففشلت في ذلك وازدادت نسب الفقر في الحد الأدنى حسب إعلان الحكومة إلى /12%/، والفساد لازال يسرح ويمرح وينهش في الاقتصاد الوطني، فباتت نسبته تعادل /20%/ من الدخل الوطني كما أعلنت الحكومة مراراً وتكراراً على لسان مسؤوليها الاقتصاديين، وهي ستطرح الآن الخطة الخمسية الحادية عشرة التي تبين من خلال ما نشر عنها إلى الآن أنها لن تطرح قضية الفقر والفساد في برنامجها القادم، فهل أصبحت هذه المهمة من منسيات الحكومة وفريقها، بحيث لم يعد من واجبات الحكومة مواجهتها والقضاء عليها، لكي تصبح نسب النمو حقيقية لمصلحة أغلبية الشعب السوري الفقير؟!
إن الدفاع عن مصالح الشعب السوري عموماً، والطبقة العاملة خاصة، يحتاج إلى تعديل في موازين القوى المختلة لمصلحة الرأسماليين الذين استطاعوا أن يشكلوا (لوبي) قوياً داخل الحكومة يمارس ضغطاً قوياً على الحكومة لتحقيق برنامجه «الإصلاحي» على الطريقة الرأسمالية الريعية التي تنهب كل شيء ولا تعطي شيئاً، بينما القوى الوطنية وفي مقدمتها الحركة النقابية تقف مكتوفة الأيدي وتكتفي برفع يدها إلى السماء، والدعاء.
إن معركة الدفاع عن الاقتصاد الوطني وحمايته، والدفاع عن حقوق الطبقة العاملة، تحتاج إلى أكثر من الدعاء بكثير، حيث تمتلك القوى الوطنية والحركة النقابية من الإمكانيات والقوى ما يمكِّنها من خوض هذه المعركة (الاقتصادية، الاجتماعية والسياسية) بكفاءة ونجاح.
إن المؤتمرات النقابية القادمة هي محطة هامة لتجميع القوى وتوجيه النيران باتجاه برنامج الحكومة التفقيري والإفسادي (من ثنائية الفقر والفساد التي اختصت بها حكومتنا العتيدة) الذي ابتدأ مع الخطة الخمسية العاشرة، وتعمقه الآن الخطة الخمسية الحادية عشرة. فالتصدي الوطني لهذه المشاريع بهدف تحسين الوضع المعيشي ومواجهة الفساد يعني تعزيز الصمود الوطني وتعزيز الوحدة الوطنية.