عمال «أحذية مصياف» يضربون عن العمل!
يبدو أن العمال في المنشآت العامة والخاصة على حد سواء، قد بدؤوا باستخدام سلاحهم الاحتياطي الشرعي والدستوري لتحقيق مطالبهم، بعد أن استنفذوا الوسائل الأخرى كلها، وسُدّت في وجوههم جميع سبل الحوار..
العمال، وفي أكثر من موقع راحوا يلجؤون مؤخراً للإضراب لنيل حقوقهم، ولن يكون آخرهم عمال معمل أحذية مصياف الذين اقتدوا بعمال معمل سكر تل سلحب، رفاق الدرب الطويل الذين اعتصموا في ساحة معمل السكر لعدة ساعات، ولم يتراجعوا حتى نزلت إدارة المعمل عند طلبهم وأقصت مراقب الدوام الذي كان متحكماً برقاب العمال يغيّب من يريد ويحضّر الدوام من يشاء، فأضربوا بدورهم يوم الثلاثاء 24/6/ عن العمل احتجاجاً على تأخير أجورهم الشهرية.
الشركة العامة للجلود والأحذية والتي تضم أربعة معامل – درعا – السويداء – النبك – مصياف – هي في حالة موت سريري منذ سنوات عدة، ويطبق عليها شعار الجودة الليبرالي (خصصها أو دعها تموت)، فالمعامل الأربعة مخسّرة، (ولا نقول خاسرة) باستثناء معمل درعا الرابح 200 ألف ل.س، وخسائرها تبدأ من عشرة ملايين في السويداء. النبك 12 مليون. الإدارة العامة 12 مليون. مصياف أكثر من ثلاثين مليون.. وهذه الخسائر لا تعود للعنصر البشري والأيدي العاملة المترهلة كما يدّعي مدير عام الشركة، وإنما السبب الحقيقي هو قدم الآلات واهتلاكها..
فمعمل مصياف تأسس عام 1978، ولم يجر على آلاته أي تعديل ولا تجديد ولو بالحدود الدنيا، والمكنات مهترئة وقديمة، إذ تجاوز عمرها عقوداً ثلاثة، ولا نعلم ما إذا كانت مستعملة أم لا عند بدء التشغيل.
ومما لا شك فيه أن العمال مهرة ووطنيون ولديهم روح تجديدية وهمّة على العمل، ولكن المعوقات أكبر من أن يتجاوزوها. فبالإضافة إلى اهتلاك الآلات، لا توجد سيولة نقدية لشراء المواد الأولية.
معمل أحذية بانياس يحتاج إلى خمسين مليون ليرة سورية لإعادة الإقلاع على أسس تنافسية، لكن ذلك لا يُلبّى، بل ويزاد عليه تأخير رواتب العمال!! فمن يبيع قوة عمله يلزمه تجديدها كي لا يصبح حاله كحال الآلة البالية التي يديرها.
أيضا تشكو الشركة العامة للجلود والأحذية من عدم وجود صالات عرض في المدن السورية لعرض منتجات معاملها باستثناء صالة وحيدة في باب توما في دمشق، وهناك دعاوى عدة ضد الشركة أمام القضاء، تجارية ومالية، ناهيك عن الدعاوى العمالية.
يقول أحد أعضاء اللجنة النقابية في معمل أحذية مصياف: إن من بين هذه الدعاوي دعوى أقامها عمال هذا المعمل تطالب بتقديم وجبة غذائية وقائية، وقد ربحها العمال، ولم تنفذها الإدارة العامة انسجاماً مع «دعه يموت»، وإن أموال النقابة التي تقدر بنحو أربعة ملايين ليرة سورية العائدة إلى الصندوق النقابي محجوزة ولا تطالها يد اللجنة النقابية في معمل مصياف، فإذا ما حدث أي طارئ أو حادث أو مرض أو تسريح، ستقف النقابة مكتوفة الأيدي، ولن تستطيع تقديم أية مساعدة لأي من عمالها، ولا حتى في حالة الوفاة. العامل لن يصله حقه من هذا الصندوق.
ويضيف عضو آخر: كنا في ما مضى مشمولين بالطبابة، وإن كانت جزئية وناقصة، ولكن الآن سقط هذا الحق بفعل السياسة الاقتصادية النيوليبرالية التي تسير بالبلد نحو التهلكة.
كما تحدثنا مع بعض العمال عن أسباب ودواعي هذا الإضراب، فذكروا لنا أن السبب الرئيسي هو تأخير أجورهم، فقد جرت العادة أن يقبضوا هذه الأجور في الأسبوع الأول أو في بداية الأسبوع الثاني من كل شهر بما لا يتجاوز عشرة أيام عن بداية الشهر، لكن هذه المرة تجاوز التأخير العشرين يوماً وحتى الآن لم يحصل أي منهم على أجره..
وأكد أحد العمال: «الطبابة حق لنا، وقد نزعوا هذا الحق من أيدينا، ولأن الجوع كافر وليس لدينا ما يسد رمقنا وإطعام أولادنا، ولأن الكلام لم يعد ينفع قررنا استخدام حقنا الدستوري».
كما تحدثنا مع مدير المعمل الأستاذ فرح فرح، فعاود وكرر الأسباب القديمة ذاتها التي تعيق العمل: عدم وجود سيولة مالية لشراء المواد الأولية، وقدم الآلات، وآثار هذه الأسباب على التكلفة وعدم القدرة التنافسية في السوق. وبيّن أن إنتاج المعمل تستجره جهات القطاع العام لتيسر (أمرنا). وقال: «إن ما يصيب العمال يصيبنا جميعاً، فعندما تتأخر السيولة المالية، أنا أيضاً لن أقبض راتبي الشهري.. أما بالنسبة لعدد العمال المضربين عن العمل فهو محدود جداً، وربما يكونون على حق». وذكر لنا أنه عمل على تعديل خمسة قوالب لإنتاج موديلات متنوعة تناسب الطلب –رجالي –ولادي، ما عدا النسائي لأن للنساء قصة أخرى. وأضاف أن «هناك طلبيات تقدم لنا، ولكن من أين لنا تلبيتها دون وجود مواد أولية أو سيولة نقدية، هذا إذا تجاوزنا وضع المكنات وقدمها؟».
ومما لفت انتباهنا هو الانسجام التام والتوافق في الآراء بين الإدارة وأعضاء اللجنة النقابية، ومعرفتهم بأن هناك من يعمل على تدمير القطاع العام وصولاً إلى بيعه وتشريد عماله، وعلمنا أن أحد المستثمرين قدم عرضاً لاستثمار المعمل، ولكن نقابة العمال وقفت في وجه ذلك وأفشلت العرض، وعلمنا أن المستثمر كان يخطط لطرد 250 عاملاً من أصل 300 في حال تمت الصفقة، ولكن الهجمة صدت بقوة العمال ونقابتهم.
ذكر لنا مدير المعمل أنه تم تحويل خمسة ملايين ليرة سورية من وزارة الصناعة إلى الشركة، ويخشى العاملون في معمل الأحذية أن يستولي عليها المدير العام، ولا تصل لهذا المعمل الأموال المستحقة، وأولها أجور العمال..
الوصفة ذاتها، والهجمة واحدة، والهدف تدمير القطاع العام وكف يد الدولة وإطلاق يد العابثين بالاقتصاد من محدثي النعمة وسواهم للسيطرة والاستيلاء على مقدرات البلاد وتهميش دور الكادحين وصولاً إلى أخذها بعيداً في أودية الظلام .