من أوصل قطاع الغزل والنسيج إلى ما وصل إليه؟!
تأتي أهمية صناعة الغزل والنسيج من خلال كونها القطاع الثاني بعد النفط وقدرتها على توليد فرص عمل كبيرة وتأمين الاحتياجات الداخلية والإحلال محل المستوردات وتعظيم القيمة المضافة، ولاسيما إن أغلب موادها الأولية ومستلزمات إنتاجها ذات منشأ داخلي. لذلك يجب أن تحظى بكل الاهتمام والعناية، ولاسيما أننا ننتج بحدود مليون طن من القطن.
لكن كانت المفاجأة في الاجتماع النوعي لقطاع الغزل والنسيج الذي عقد الأسبوع الماضي في مبنى وزارة الصناعة، هي إصرار السيد وزير الصناعة على عدم التوسيع في تصنيع الغزول مؤكداً بأن القطاعات الصناعية هي إستراتيجية ونحن نوافقه وجهة نظره بأن كل القطاعات الصناعية هامة ولكن يجب أن ننطلق من الصناعات التي نملك بها مزايا نسبية ونحولها إلى مزايا تنافسية وقد أكد بأن صادرات الأقطان والغزول تشكل 82 % من الصادرات الصناعية وفي رده على تساؤلات رئيس الإتحاد المهني للغزل والنسيج وقال بأن إصلاح القطاع العام الصناعي لن يصدر حالياً وبأن تكلفته حوالي /105/ مليار ل.س ووزارة المالية لا تملك هذا المبلغ ووزارة الصناعة تبحث عن تمويل ذاتي. وبأن القطاع العام غير مطالب بالدور الاجتماعي حالياً. ولا يمكن إجبار جهات القطاع العام بالاستجرار من جهات القطاع العام الأخرى وإنما يجب اعتماد المنافسة...إلخ.
وهنا نسأل من أوصل هذا القطاع إلى ما هو عليه الآن؟ وكيف تحول من قطاع رائد وقائد إلى قطاع يجب معالجته؟ وهل وجدنا الحلول العملية لمعالجة مشاكله وخاصة الصناعة التحويلية وبشكل أخص صناعة الغزل والنسيج؟ وهل هناك ما يبرر أننا نبيع الغزول للمعنيين في الخارج بأقل مما يباع للمصنعين في الداخل (قطاع عام وخاص) وكذلك بالنسبة للأقطان؟ وهل حلت مشكلة تشابكات المالية؟ وهل سدد رأسمال الشركات النسيجية؟ وهل نراعي سلسلة القيم المضافة في التصنيع؟ إلخ. وخاصة أن تحويل القطن إلى غزل يعطي قيمة مضافة 200 % وإلى أقمشة وألبسة أكثر من ذلك. كما نسأل هل عولجت مشكلة المخازين الإنتاجية المتراكمة في شركات الغزل والنسيج والألبسة... إلخ؟! وهنا سنعتمد ما ورد في تقرير الإتحاد المهني للغزل والنسيج في عام 2007 حيث بين في الصفحة 26 أن طن القطن الواحد يباع للخارج بسعر /59170/ ل.س بينما للأسواق الداخلية بسعر /62180/ل.س أي بفارق قدرة /3010/ ل.س. وكأننا ندعم المصنع الخارجي على حساب المصنع الداخلي مما يؤدي إلى إضعاف قدرته التنافسية. وأن الفارق في الكيلو غرام الواحد هو أكثر من /3/ ل.س. وإذا حولناها إلى دولار هذا يعني أن كل مصنع خارجي يدعم بحوالي /7/ سنت في كيلو القطن الواحد فكيف ستتمكن الشركات الوطنية من المنافسة؟! وهذا ما يجعلها غير قادرة على المنافسة في السوقين الداخلية والخارجية. وبالتالي اعتماد مبدأ البيع بالأسعار الرائجة عالمياً وحصراً في التصدير أي بأقل من التكلفة. وهذا ما ينطبق أيضاً على تسويق الغزول. حيث أنها تباع بأقل من تكلفتها إلى شركات النسيج والألبسة. وبالتالي يمكن القول إن أرباح بعض شركات الغزل، وكذلك الهيئة العامة لحلج وتسويق الأقطان، هي اقتطاع من الدورة الاقتصادية الداخلية، وليست بفعل الكفاءة الإنتاجية والعمل وفقاً لقانون العرض والطلب، وهذا ما أدى إلى تراكم المخازين التي أدت إلى ضعف الإنتاج وبالتالي انخفاض الطاقة الإنتاجية. وهنا نستغرب المبدأ الذي تعمل بموجبه الهيئة العامة لحلج وتسويق الأقطان وهو:
سعر البيع الداخلي = سعر البيع الخارجي + تكاليف النقل + تكاليف التأمين.
فكل دول العالم تدعم مصنعيها سواء أكان الإتحاد الأوربي أو أمريكا أو اليابان. وحتى اليابان فرضت ضرائب على الرز المستورد بمقدار 600 % وأن الدعم الزراعي المقدم من الإتحاد الأوربي وأمريكا البالغ أكثر من مليار دولار يومياً أعاق استمرار مفاوضات منظمة التجارة العالمية في الدوحة والوصول إلى حلول لمواجهة الأزمة العالمية الزراعية لذلك وبغية تفعيل صناعة الغزل والنسيج يجب معالجة سلسلة الإنتاج من زراعة القطن وحتى تحويل كامل الكمية المنتجة إلى غزل ثم أقمشة ثم ألبسة. وبالتالي فإن اندماج هذه الهيئة مع شركات الغزل قد تخفض من التكاليف مما يساعد إلى زيادة القدرة الإنتاجية والتنافسية للغزل والمنتجات الأخرى. وهنا لا نتفق مع السيد وزير الصناعة في إصراره على عدم دمج الهيئة العامة لحلج وتسويق الأقطان مع المؤسسة العامة للصناعات النسيجية، ونحب أن نؤكد وحسب ما أكدته الدراسات الاقتصادية والمالية والفنية بأن القيمة المضافة في تصنيع هذه المادة هي أكبر من النفط، وهو مورد اقتصادي بكل معنى الكلمة، لأنه متجدد ويدعم خزينة الدولة. ولذلك لابد من التوسيع الأفقي في إنتاج القطن وزيادة المساحة المزروعة باعتماد أسلوب السقاية بالتنقيط مما يوفر بالتكلفة والجهد، وكذلك التكامل العمودي بزيادة الإنتاجية وتحسين نوعية المنتجات، وعندها يزداد الإنتاج كماً ويتحسن نوعاً. وإذا لم نهتم بهذه الزراعة والصناعة الإستراتيجية فإننا سنفقد مورداً هاماً تعيش منه آلاف الأسر السورية.
وبالتالي نرى من الضرورة عدم تقاذف التهم والبدء بإصلاح القطاع العام الصناعي والمساواة بينه وبين الخارج ودعم هذه الصناعة الإستراتيجية، سواء من خلال زيادة الإنتاجية وتقليل التكلفة وتفعيل أسس المنافسة، وفي مقدمتها تقديم الدعم للمزارع والمصنع الوطني وبالتالي من الضرورة إعادة النظر في السياسة التسعيرية للمادة الأولية داخلياً كي تتمكن الشركات الإنتاجية من تحقيق الأرباح والاستمرار في العملية الإنتاجية. وإن استمرار ببيع الأقطان المحلوجة والغزول إلى الخارج بأقل من أسعار الداخلي سينهي هذه الزراعة والصناعة الوطنية، وسندفع الثمن غالياً من نزيف لمواردنا الوطنية وزيادة في معدلات البطالة ونقص في الصادرات وزيادة في المستوردات، وبالتالي زيادة في التبعية للخارج. فهل آن الأوان لإيقاف الانحدار في هذه الصناعة التي كانت مفخرة لسورية في يوم من الأيام وكثير من المنتجات اتخذت اسماً لها من سورية مثل (الدامسكو، الأغباني، البروكار... إلخ)؟.
■ نقابي في الغزل والنسيج