بصراحة: مهام نقابية تحتاج للتحقيق!
يكتسب تنسيب عمال القطاع الخاص للنقابات أهمية خاصة بسبب الانتقال من نهج اقتصادي كان القطاع العام فيه قائداً حقيقياً لعملية التنمية إلى نهج جديد بات فيه القطاع الخاص، برأي واضعي السياسات الحكومية، خشبة الخلاص للاقتصاد الوطني. ففيما مضى كان القطاع العام يتطور ويمتد أفقياً وعمودياً، ويطور معه اليد العاملة عددياً ونوعياً، مما انعكس بدوره على واقع النقابات تنظيمياً ومالياً، لأن التنسيب للنقابات في القطاع العام كان تلقائياً ولا يحتاج لجهود خاصة، بينما العمل النقابي في القطاع الخاص كان يحتاج وما يزال إلى جهود خاصة لجذب عماله إلى النقابات. وكان القطاع الخاص في الماضي يحتل مراتب أقل من حيث دوره ونسب مساهمته في الناتج المحلي وتشغيل اليد العاملة، بسبب تبعثره في منشآت صناعية صغيرة وورش مهنية. ومع التبدل الذي جرى وما زال، أقصيت الدولة عن دورها اقتصادياً واجتماعياً، وبدأ القطاع الخاص يحل محلها بعد أن أمسك دفة قيادة العملية الاقتصادية ـ الاجتماعية.
إن ما جرى خلال العقدين الماضيين ومازال مستمراً هو عملية هدم لما هو قائم بكل ما تعنيه الكلمة من هدم، ونفخ الروح بالشظايا المتبقية من القطاع الخاص بعد عملية التأميم، واستقدام دعم استثماري خارجي، ليصبح القطاع الخاص هو الرائد والقائد للعملية الاقتصادية الاجتماعية.
ما يهمنا ذكره في هذا السياق هو أن تبادل المواقع بين القطاعين العام والخاص أدى أيضاً إلى تبدل في تعداد اليد العاملة بين القطاعين، فقد تقلصت اليد العاملة في القطاع العام بسبب السياسات الليبرالية الجديدة، والقاضية بمنع التشغيل في القطاع العام مع استمرار النقص الطبيعي باليد العاملة نتيجة للوفاة، سن التقاعد، الاستقالات...الخ، بينما القطاع الخاص يتوسع وينمو ويتطور كماً ونوعاً، وهذا التطور اقتضى أيضاً زيادة في اليد العاملة إلى أن أصبح عددها يقارب الـ/3 مليون/ عامل.
إن هذا الواقع الذي استجدَّ منذ عقدين، من حيث تمركز اليد العاملة في القطاع الخاص، وتقلصها في القطاع العام، قد أقلق الحركة النقابية وجعلها تدق نواقيس الخطر، وتطرح في مؤتمراتها أهمية التوجه إلى عمال القطاع الخاص لتنسيبهم إلى النقابات، فقد جاء في تقرير الاتحاد العام لمجلس الاتحاد السابع (في مجال شؤون العمل):
«القطاع الخاص: نكرر في كافة تقاريرنا السابقة حول ضرورة الاهتمام بالعاملين في القطاع الخاص، وضرورة العمل على تنسبيهم إلى التنظيم النقابي، ليتمكنوا من الحصول على حقوقهم ومكتسباتهم، إلا أنه لابد أن نعترف أن خطواتنا في هذا المجال ما تزال متعثرة وبطيئة جداً، ولا تتجاوز نسبة المنتسبين إلى النقابات في القطاع الخاص /20%/ من إجمالي العاملين، مع تأكيدنا أن هذا الرقم غير دقيق وهو أقل من ذلك».
ويؤكد هذا الطرح الأرقام الواردة في التقرير التنظيمي عن عدد عمال القطاع الخاص المنتسبين للنقابات، والمقدر بـ/209401/ عامل وعاملة في كل المحافظات السورية، ولكن هل يكفي للحركة النقابية التأكيد الدائم على ضرورة التوجه لعمال القطاع الخاص مع قليل من اللوم لاستمرارية التقصير في هذا الموضوع؟
إن نجاح الحركة النقابية في تقوية صفوفها بين عمال القطاع الخاص يتوقف على توفر الإرادة في تحقيق هذه المهمة، والخروج من إطار جلد النفس، والتقدم خطوة على الأرض كما أشارت إلى ذلك التقارير النقابية منذ أن أصبح تنسيب عمال القطاع الخاص للنقابات مشكلة معقدة لم تجد النقابات حلاً جذرياً لها.
إن أهم خطوة باتجاه عمال القطاع الخاص هي الدفاع عن حقهم بأجر عادل متناسب مع مستوى المعيشة، إضافة للحقوق الأخرى التي ينكرها أرباب العمل، مثل الضمان الصحي، التعويض العائلي، الإجازات، حق الانتساب للنقابات دون ضغط، وتسجيل العمال في التأمينات الاجتماعية بأجورهم الحقيقية.
لقد أشارت تقارير النقابات أن معدلات نمو الأجور الحقيقية قد تراجعت من /9،9%/ عام 2005 إلى /7،9%/ عام 2006، ومن ثم تراجعت إلى /3،2%/ عام 2007، مما يجعل استخدام جميع وسائل النضال، بما فيها الإضراب، حقاً مشروعاً لوقف هذا التراجع وتحسين الأجور الحقيقية، لأن الاقتصار على الحوار والحوار فقط سيضيع حقوق العمال، ويبعدهم عن ممثلهم الشرعي الذي من المفترض به أن يدافع عن حقوقهم ومصالحهم، وهذا الابتعاد ليس في مصلحة النقابات والطبقة العاملة.