النقابي إبراهيم اللوزة النقابي إبراهيم اللوزة

رد على مقال (قانون العمل الجديد... العبرة بالتطبيق) قانون العمل الجديد... بين التأييد والمعارضة

بعد صدور قانون العمل الجديد رقم /17/ لعام 2010، سنسمع الكثير من الشهادات التي تطري عليه، ممن كانوا يؤيدونه بالمطلق في فترة المخاض، ومن بعض الذين كانوا يعارضونه قبل الصدور، وانقلبوا بقدرة قادر من معارضين إلى مؤيدين، ومن ناقدين إلى مادحين، وانتقلوا من موقع الخصومة للقانون إلى موقع النصرة له. ولكن مهما زين المتحدثون صورته، ومهما لمعوه وحلوه في العيون، فإنه لا يعدو في نظر العمال، والغالبية من النقابيين، عن كونه قانوناً مجحفاً جائراً ضمنت صياغته اللينة الملساء الناعمة، للمستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال، فعل ما كانوا يفعلونه وهم محرجون في ظل القانون القديم، اعتماداً على تراخي الجهات المسؤولة عن رقابة تطبيقهم للقوانين، وهو التراخي الذي يضعها موضع الاتهام بالتواطؤ، فقد ضمنت لهم فعل مايريدون بحرية تامة دون حرج مما يفعلونه، ودون خوف الجهات المسؤولة في دعمها لهم من تهمة التواطؤ، جراء الزواريب الفنية التي أتقن صنعها مشرعوه، وأخرجوه على طريقة  (الفواخرجي)، حيث يشاؤون يضعون (أدان الجرة).

ولا يتميز هذا القانون بشيء عن سلفه السابق، إلا بالدهاء، وإتقان فن الالتفاف على حقوق العمال ومكتسباتهم المشروعة بتعابير مطاطة توحي بالحقوق، وهي في حقيقتها مذلة للعمال، وتسلبهم كرامتهم، وتجعلهم سلعة في سوق نخاسة العمالة.

الأخ «سمير سعيفان» الاقتصادي الذي نجله ونحترم أفكاره وقناعاته في إطار الرأي والرأي الآخر، يرى في مقاله المنشور في جريدة الثورة عدد 27 نيسان 2010 بعنوان «قانون العمل الجديد... العبرة في التطبيق»، يرى في القانون الجديد، مزايا هي أفضل للعامل من القانون القديم، ويرى تعطيل الحماية التي نص عليها القانون القديم ووفرها للعامل، وعدم تسجيل العمال في الضمان الاجتماعي بالرواتب الفعلية، وحجب الإجازات السنوية عن العمال، وإجازة الأمومة عن العاملات، وحرمانهم من العطل الرسمية والطبابة وغير ذلك من الحقوق التي كرسها القانون لا قيمة لها إلا بالحزم في تطبيق القانون، وهذا صحيح من حيث المبدأ، وأي قانون مهما بلغ من التطور والحداثة يظل فارغاً من مضمونه إن لم تحترمه أولاً الجهة التي أصدرته بالسهر على حسن تطبيقه بموضوعية وحياد، ولكن إذا كانت نصوص القانون توفر الحماية، والجهات المسؤولة عنه وعن تطبيقه هي التي تعطله، هل يسوغ لنا هذا التعطيل اتهام القانون بدلاً من اتهام الجهة المعطلة، أو مجموعة المعطلين؟ ومن يضمن لنا في القانون الجديد عدم تعطيل كل الأحكام التي هي في مصلحة العامل؟ ما دامت إرادة التعطيل احتمالاً قائماً مرتبطاً بأخلاق المسؤول عن تطبيقه ونزاهته وشرفه الوظيفي، وبصورة خاصة إذا كانت الصياغة الفضفاضة تساعد على ذلك، فيصبح على عكس ما نراه بحلته الجديدة قانوناً فارغاً من الحسنات، معطلاً بالنسبة للعامل كما كان القانون السابق، وحازماً حتى درجة الغلو بالنسبة لمصالح أصحاب الأعمال.

 القانون /91/ لعام 1959 وتعديلاته، والمرسوم التشريعي رقم /49/ لعام 1992 وتعديلاته، والمراسيم الاشتراعية العديدة التي صدرت لمصلحة العمال وعُطِّلت، وبعض الأنظمة الداخلية التي صدرت لتنفيذها وما زالت محفوظة في أدراج وزارة العمل حتى اليوم، أفقدت العمال ثقتهم بهذه الوزارة، وجعلتهم ينظرون إليها على أنها منحازة، وهي وزارة أصحاب العمل لا وزارة العمل، وبات العمال بوصايتها، يترحمون على قانون العمل رقم /279/ لعام 1946 الذي راعى مبدأين أساسيين عند صدوره هما:

- تحسين حالة العمال من الناحية المالية والاجتماعية.

- تنشيط المشاريع الاقتصادية بهدف تحقيق ازدهار الصناعات الوطنية.

وحقق العمال من خلاله في عهد الاستقلال بصورة فعلية حق الإضراب، وتحديد الحد الأدنى للأجور، وتحديد ساعات العمل، والعطلة الأسبوعية، والإجازة السنوية المأجورة، وأجور عطل الأعياد، وتعويض التسريح التعسفي وتعويض طوارئ العمل والأمراض، وغير ذلك من الحقوق التي تهدرها اليوم وزارة العمل بإلغاء المرسوم التشريعي رقم /49/ لعام 1962 الذي صدر لتوفير الحماية للعمال من التسريح التعسفي، وتستبدله اليوم بقانون يعريهم من أية حماية. ومن أية تدابير جادة، أو ضوابط رادعة تضمن لهم إنسانيتهم وحقوقهم المشروعة.

فإذا كان الأخ «سمير» يرى في التعويضات التي يمنحها رب العمل للعامل على التسريح التعسفي في ضوء القانون الجديد ميزة غير متوفرة في القانون السابق، فإننا نراها من وجهة نظرنا مساً جوهرياً بشرعة حقوق الإنسان منعها القانون السابق ولم يسمح بها، فاستغنى عنها عند ذكرها في أحكامه....

وتوثيق العقود ومكافأة نهاية الخدمة، وحق المرأة بإجازة الأمومة وإجازة الوفاة والزواج هي حقوق نص عليها القانون السابق، وليست ميزات أتى بها القانون القديم أقل من الجديد، فقد عدلها المرسوم الرئاسي وصارت واحدة في القديم والجديد.

أما إذا كانت مكاتب التشغيل الخاصة المحدثة إلى جانب مكاتب التشغيل العامة ميزة كما يراها الأخ سمير، فإننا نراها سبيلاً للابتزاز وتعطيل دور المكاتب الرسمية، والمكاتب المشكلة خارج القانون التي أشار إليها الكاتب المحترم في مقالته هي تلك التي تتعلق باستخدام عمال الخدمة المنزلية، وهي في كلا القانونين القديم والجديد خارج أحكامها، وما يدعونا للقول إنها مكاتب متعارضة وتضيع الفرص على المتعطلين، وتسمح للسمسرة أن تنشط هو الخلط في مهام كل منهما، فالقانون ليس موضوعاً إنشائياً، بل هو قواعد لا يجوز أن تتضمن أحكاماً متضاربة مع بعضها البعض، بل يجب أن تكون عبارته واضحة غير قابلة للتأويل والتفسير والتحايل، لأن هذا التضارب القائم بين الفقرة /ب/ من المادة /23/ المتعلقة بجواز تأمين متطلبات أصحاب العمل من العمال عن طريق المكاتب الخاصة، مع المادة /18/ المتعلقة بمكاتب التشغيل العامة، ينعكس سلباً على سياسة تشغيل اليد المعطلة عن العمل، ويفتح نافذة للتلاعب بمصير هؤلاء المتعطلين، مهما ذكر القانون من التزامات وضوابط غير معززة بجزاءات رادعة على المخالفات الجارية على هذا الصعيد كما جاء في الفقرة /د/ من المادة /23/، وإغفال هذه الجزاءات يشجع أصحاب النفوس الضعيفة على التلاعب والتحايل على القانون، وبالتالي يساعد على حرف المفتشين عن جوهر مهامهم، وإفسادهم جراء الثغرات الموجودة في مواد القانون.

والفلتان الذي يشير إليه الأخ سمير في عمل غير السوريين في الفقرة السابعة من مقاله سيظل قائماً تأسيساً على الخبرة والمعرفة بطبيعة المسؤولين عن هذا الفلتان الذين يسهمون بإحداثه مساهمة فعالة، كما يشكلون قطباً أساسياً في تضييع حقوق الكثيرين من العمال على صعيد أجورهم وتعويضاتهم وتأميناتهم وعقودهم ومظالمهم، جراء بيروقراطيتهم التي أشار إليها الكاتب في مقاله في البند /آ/ من الفقرة /12/ تحت ضغط أعبائهم التي تشجعهم على الجري وراء مصالحهم الذاتية وترجيحها على الصالح العام.

والقانون السابق كان أكثر دقة من القانون الجديد بموضوع تشغيل الأحداث، باستثناء الإجازة فهي مكسب جديد، ولكنه لا يشكل محوراً جوهرياً بالنسبة لمجموع العاملين في القطاعين العام والخاص، ولا يغطي السلبيات التي يمارسها أرباب الأعمال على عمالهم في عقودهم وأجورهم عند التعيين، وترفيعاتهم وتأميناتهم وإجازاتهم وغيرها، فكل هذه الحقوق ذكرها القانون ذكراً خجولاً بعيداً عن جدية الرقابة عليها، كرمى لعيون بعض أرباب العمل ليبسط سيطرتهم المطلقة وإرساء مبادئ ظلمهم واستغلالهم وتحكمهم برقاب العمال.

والقانون الجديد أرسى تقليداً معيباً في التشريع، لم تعرفه القوانين منذ نشأتها حتى اليوم، وهو المفعول الرجعي على العقود اللاحقة والسابقة، فهذا النص الغريب على التشريع لا معنى له إلا التفريط بحقوق العمال والاستهانة بكرامة الإنسان التي كرستها الاتفاقيات الدولية والعربية إرضاء للسادة أصحاب الرساميل وتشجيعاً لهم على التصرف بالنحو الذي يريحهم، تماماً كالمبدأ الذي تم بموجبه إصدار القانون رقم /17/ على قاعدة «العقد شريعة المتعاقدين»، فأية شريعة هذه التي يمكن التعويل عليها إذا كان شرط التطابق في الإرادة غير متوفر بين المتعاقدين، أي بين العامل ورب العمل؟ وأية التزامات يمكن الاعتداد بها إن لم تتوفر الأحكام الملزمة بنص صريح تحت طائلة إنزال العقوبات الصارمة بحق المخالفين..

القانون الذي لا يضمن للعامل حداً مقبولاً من الأجر لمواجهة أعباء الحياة ولا يراعى حقوقه في الترفيع والتأمين عليه والإجازات والكرامة قبل كل شيء، ولا يهتم إلا بمصالح المستثمرين، لا يرقى إلى مرتبة القوانين التي تستحق كل هذه الضجة التي أخذها قانون العمل الجديد رقم /17/.

القانون الذي لا يرعى المبادئ الإنسانية، ولا يحقق التوازن في الحقوق والواجبات، ولا يطفو على سطحه إلا مصلحة المستثمرين، يعيدنا إلى الوراء عشرات السنين.

وعلى أية حال كيفما كانت الاتجاهات حول القانون الجديد، فإننا نشكر كل الذين فهموه فهماً صحيحاً وعارضوه بمقتضى فهمهم وحكمهم عليه، والقادم قريب والنبأ اليقين في قول الشاعر:

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً

ويأتيك بالأخبار من لم تزود