بصراحة: تخوفات مشروعه حول تعديل قانون التأمينات الاجتماعية!!
بدأ النقاش في الأوساط النقابية المختلفة حول تعديل قانون التأمينات الاجتماعية الحالي رقم /92/ لعام 1959 بتساؤلات كثيرة طرحها النقابيون والمهتمون بالشأن العمالي عن حجم التعديلات التي ستطرأ على قانون التأمينات، هل ستنتقص من حقوق الطبقة العاملة التأمينة الحالية أم ستحافظ عليها؟! هل مقترحات المنظمات الدولية التي طرحت في فترة سابقة، والتي تشير إلى تخفيض في نسب الاشتراكات التأمينية، والمعاش التقاعدي، وسنوات الخدمة التي يستحق العامل على أساسها المعاش التقاعدي... إلخ هي الأساس في التعديل القادم؟
كل المؤشرات والتصريحات التي أدلى بها أصحاب الشأن في التعديلات القادمة، أن التعديلات ستأخذ بعين الاعتبار اعتراضات أرباب العمل والمستثمرين على قانون التأمينات الحالي لأن ذاك القانون كان مجحفاً بحقهم، ويرتب عليهم أعباء وتكاليف لا تتناسب مع دورهم المعول عليه في إنقاذ الاقتصاد السوري من أزمته! وفي حل أزمة البطالة التي استعصت على الحل! وبالتالي فإن تعديل قانون التأمينات لابد أن يراعي مصالح الاستثمار القادم، حتى لو جاء على حساب مصالح ملايين من العمال السوريين وأسرهم. وما المشكلة في ذلك طالما أن المستثمرين سيضخون ويستثمرون أموالهم؟ بالمقابل لابد للعمال من أن يضحوا بحقوقهم ومصالحهم، وأن يقبلوا بما قسمه الله لهم من حقوق وبذلك يكون أجرهم على الله!
إن التخوفات التي أبداها النقابيون في اجتماع مجلس الاتحاد العام الأخير حول التعديلات المنتظرة على قانون التأمينات مشروعة ولم تأت من فراغ، بل استندت إلى التجربة القاسية لسنوات عدة مع الحكومة، أثناء نقاش مواد القانون الجديد الذي تم أقراره رغم الملاحظات والاعتراضات الكثيرة التي تقدمت بها النقابات والعديد من أعضاء مجلس الشعب على الكثير من مواده التي جعلت حقوق العمال مرهونة بقرارات أرباب العمل، على الرغم من الامتيازات التي يقوم الاتحاد العام لنقابات العمال الآن بأوسع دعاية لها كما جاء في الكراس الذي وزع على أعضاء مجلس الاتحاد العام، وقد أراد الاتحاد من توزيع هذا الكراس وبهذا الشكل أن يؤكد على الرسالة الموجهة إلى كل المعترضين على الكثير من مواد القانون، بأن هذا القانون أصبح أمراً واقعاً لا مناص من القبول به والتعامل معه باعتباره قفزة نوعيه في عالم التشريع العمالي يحقق التوازن بين من يملك ومن لا يملك، وبهذا تتحقق العدالة الحكومية وتنتصر لحقوق العمال وتؤمن على مصالحهم؟!
إن نتائج تطبيق القانون الجديد لم تظهر بعد، وآلية تطبيقه لم تتضح أيضاً، وهذا يعتمد على التعليمات التنفيذية التي ستصدرها وزيرة العمل، والجدية التي سيطبق بها القانون، خاصة وأن هنالك شكوكاً كبيرة في استجابة أرباب العمل في تسجيل العمال بالتأمينات الاجتماعية بأجورهم الحقيقية، وتطبيق الزيادات الدورية والطارئة، والضمان الصحي، والإجازات وغيرها.
فالعبرة إذاً ليست في مواد القانون وما حوته من امتيازات فقط، بل العبرة في التطبيق لأن تجربة قانون العمل /91/ مازالت ماثلة، وهو يحتوي على الكثير من الامتيازات والحقوق، ولكن أرباب العمل كانت لديهم الوسائل والإمكانيات الكافية للتهرب من حقوق العمال وواجباتهم تجاهها، ويجدون المخارج التي تؤمن مصالحهم وتغيِّب مصالح العمال التي اقرها القانون والأعراف المعمول بها، والسبب بذلك تواطؤ وزارة العمل مع أرباب العمل وضعف النقابات وقدرتها على الدفاع عن حقوق العمال بكل الوسائل المتاحة بما فيها حق العمال بالإضراب الذي تنكره النقابات على العمال وتجعله من المحرمات التي لا يجوز الاقتراب منها، ويعود ذلك إلى ضيق الهامش المسموح للنقابات التحرك في إطاره، وبهذا تكون النقابات قد فقدت أحد أهم عناصر قوتها التي كانت تتمتع بها لعقود سابقة.
لقد كان على النقابات أن تنتظر قليلاً قبل التطبيل والتزمير لهذا القانون، لأن هذا سيوقعها مستقبلاً بمأزق مع عمال القطاع الخاص، وسيؤثر على مصداقيتها وصوابية رأيها وموقفها، ولكن يبدو أن الحركة النقابية في موقفها هذا من القانون كمن يبلع الموس على الحدين.
وبناء على ما تقدم فإن تخوفات الكوادر النقابية المطروحة من مشروع تعديل قانون التأمينات الجديد المزمع طرحه، ثبتت صحتها، خاصة وأن تصريحات المسؤولين والعديد من النقابيين القياديين حول التعديل بأنه سيكون مكملاً لقانون العمل الجديد ومتوافقاً مع السياسات الحكومية الاقتصادية في التطوير والتحديث، والكل يعلم ويلمس نتائج تلك السياسات، وماذا كانت نتائجها على حياة شعبنا واقتصادنا.
إن اللعب بقانون التأمينات الاجتماعية خط أحمر يجب مواجهته بحزم وجرأة، وبهذا تقع المسؤولية على القوى الوطنية كافة وفي مقدمتها الحركة النقابية، وذلك بالتحضير والحشد الجدي بما يكفي من القوى داخل مجلس الشعب وخارجه، وبالاستفادة من التجربة التي مرت مع إقرار قانون العمل الجديد، وبهذا تحقيق لمصلحة الطبقة العاملة وكرامتها.