بصراحة: في مؤتمر عمال دمشق: اختلاف في المطالب... والمواقف
تزامن التصويت على المادة /65/ من قانون العمل الجديد في مجلس العشب مع انعقاد مؤتمر اتحاد عمال دمشق، حيث وتَّر التصويت على تلك المادة بـ«نعم» (على الطريقة السورية المشهورة) الأجواء التي هي متوترة أصلاً منذ سنوات مع الحكومة بسبب:
أولاً: المستوى المعيشي المتدني للطبقة العاملة، الناتج عن ارتفاع الأسعار الجنوني، بالرغم من ارتفاع نسبة الأجور الاسمية للعمال في المرحلة السابقة، والتي امتصتها ارتفاعات الأسعار وجعلتها هباءً منثوراً.
ثانياً: الهجوم «الإصلاحي» الواسع للحكومة على شركات القطاع العام، والذي أدى إلى خسارات حقيقية للعمال والشركات، فقد خسر العمال الكثير من المكتسبات والحقوق التي كانت في السابق تشكل مع الأجر سنداً يعين العمال على تلبية احتياجاتهم الأساسية، والتي تقلصت إلى أن وصلت لمستويات لا يحسد عليها العمال المتهمون دائماً من الحكومة (ويجاريها في ذلك الكثيرون) بمسؤوليتهم المباشرة عما آلت إليه الشركات والمعامل، مطالبةً العمال بضرورة تغيير ثقافة العمل لديهم، وأن ثقافتهم التي اكتسبوها في المراحل السابقة لم تعد مقبولة ويجب عليهم تغييرها وإلا فاتهم قطار «الإصلاح».
وفي هذه الحالة، ولكي يكتسب العمال المفاهيم الجديدة، المطلوب منهم تمثلها وفقاً للمتغيرات الجارية على الصعيد العالمي، وبالتالي المحلي، كان من المفترض تقديم وجهة النظر هذه كاملةً إلى العمال، من حيث الرؤيا والآليات المفترض اتباعها، والتي ستتبعها النقابات وفقاً لهذه المتغيرات؛ هل هي باتجاه التوافق بشكل كامل مع التغيرات أم غير ذلك؟ وهل هذه الرؤيا والآليات تقتضي تعديلاً جذرياً في قانون التنظيم النقابي /84/ ليتوافق مع التوجهات الجديدة؟ كل ذلك يحتاج إلى توضيح كي يصبح العمال أكثر ديناميكيه وتفاعلاً مع تلك المتغيرات التي يُطلب منهم أن يقبلوا باتجاهها، ويتخلوا عن عاداتهم «السيئة» في تخريب القطاع العام.
يمكننا أن نستنتج مما جاء في الردود على المداخلات أن هناك قفزاً عن الحقائق الماثلة على أرض الواقع، من حيث ضعف الأجور وتدني المستوى المعيشي للعمال، وعدم إصلاح القطاع العام وتخليصه من أزمته، فقد طُلب من العمال أن يقارنوا فاتورة مصروفاتهم منذ العام /2000 ـ 2010/، وكذلك أن يقارنوا بين مستوى معيشة آبائهم ومعيشتهم الحالية، ليقتنعوا أن مستوى معيشتهم الآن أفضل من السابق بسبب أجورهم التي ازدادت كما قيل بنسبة /165%/!!!، وكذلك قيل للعمال إن اقتصادنا الوطني بخير ويجري إصلاحه على قدم وساق من خلال طرح العديد من الشركات للاستثمار، وعائدات الاستثمار هذه ستوضع في صندوق ينشئ لهذه الغاية، وسيجري إصلاح القطاع العام من عائدات الاستثمار هذه، لأن الدولة ليس لديها موارد كافية لتضخها في عملية الإصلاح كما قال وزير الصناعة!!
لقد كان هناك توافق كبير في وجهات نظر من ردوا على المداخلات، ورغم أن الردود لم تعبر تماماً عن الواقع الذي تعيشه الطبقة العاملة، ووضع القطاع العام، فقد أظهرت بشكل واضح وجلي أن هناك وجهتي نظر، أو بالأحرى موقفين يسودان في الحركة النقابية:
الأول: يتبناه ويطرحه معظم الكوادر النقابية الوسيطة والقاعدية، بالرغم من التوجيهات التي تصدر قبل كل مؤتمر، ووجهة النظر تلك هي انعكاس مباشر للمعاناة اليومية للعمال، وللخوف الحقيقي الذي تبديه هذه الكوادر على مستقبل حقوق العمال ومكاسبهم، وعلى مستقبل شركات القطاع العام الذي تهوي شركاته الواحدة تلو الأخرى بسبب الفساد والخسارات الكبيرة الذي تمنى به.
الثاني: يتبنى إلى حد كبير وجهة النظر الحكومية ويدافع عنها، ويعتبر أصحابه أنفسهم في موقع القرار شركاءً في كل ما يجري اقتصادياً، وهم بهذا يحملون الحركة النقابية بمجموعها مسؤولية السياسات الحكومية ونتائجها الكارثية التي أوصلت الاقتصاد الوطني ومستوى معيشة العباد إلى مأزق حقيقي يحتاج إلى جراحة مستعجلة.
إن مجريات عقد مؤتمر اتحاد نقابات دمشق أظهرت بوضوح الموقف مما طرحه النقابيون، وخاصةً فيما يتعلق بعمال القطاع الخاص، وتحديداً عندما حددت المداخلة النقابية الأولى موقفها الجريء من القانون الجديد وخطورته على عمال القطاع الخاص، حيث تم بعدها منع النقابيين من الإشارة أو التحدث عن القانون، وهذا المنع الذي تم أفقد المؤتمر أحد أهم مهامه وهو تحديد الموقف الواضح والجريء من على منبر المؤتمر، وذلك حقٌ مشروع للأعضاء لا يجوز الاعتداء عليه تحت أية ذريعة، فهذا قد فتح الباب واسعاً لمصادرة حق العمال بالتعبير عن وجهة نظرهم والدفاع عنها في مؤتمرهم، بالوقت الذي تملك قوى الرأسمال كل المواقع والمنابر للحديث عن مصالحها والسعي لتحقيقها.
إن الطبقة العاملة السورية التي استطاعت بكفاحها البطولي انتزاع حقوقها عبر مختلف العهود التي مرت بها سورية، لقادرة الآن على مواصلة نضالها، وإن كانت صامتةً الآن فهذا لا يعني قبولها بواقعها، فالصبر له حدود
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.