بصراحة الحركة النقابية ومواجهة قوى الفساد
تصاعدت في الآونة الأخيرة وتيرة التهديدات بالعدوان، مترافقة مع استعدادات عسكرية غير اعتيادية تحضيراً لعدوان محتمل قد يشنه العدو الصهيوني ـ الأمريكي على قوى الممانعة والمقاومة التي استطاعت إفشال مخططاته بفعل مقاومة شعوب المنطقة التي عمقت من أزمته المستعصية التي لا حل لها، من وجهة نظر قوى العدوان إلا بالحرب، والتي إن حدثت ستكون مؤلمة وطويلة الأمد، وهذا يتطلب استعدادا شعبياً موازياً للاستعداد العسكري، والاستعداد الشعبي يعني أشياء كثيرة، منها مواجهة السياسات الاقتصادية لقوى السوق، ومواجهة مراكز الفساد التي هي بوابات العبور الداخلي للعدوان، وبالتالي فإن مواجهتها داخلياً يعني تأمين أمد أطول بالصمود والمقاومة حتى تحقيق الانتصار، وهذا يقع على عاتق كل القوى الوطنية، ومنها الطبقة العامة وحركتها النقابية التي تمتلك إمكانيات كبيرة لخوض هذه المعركة المشرفة، معركة الدفاع عن الوطن ومعركة مواجهة قوى الفساد.
إن قوى الفساد الكبير، وأصحاب المشروع الليبرالي استطاعوا خلال الفترة الماضية وإلى الآن فرض برنامجهم المتدرج الاقتصادي والاجتماعي وفقاً لنصائح المؤسسات المالية الدولية التي تهيمن عليها الإمبريالية الأمريكية، وبالمقابل فإن درجة مقاومة ذاك المشروع لم تكن بمستوى الخطورة التي يمثلها اقتصادياً واجتماعياً، مع العلم أن الكوادر النقابية والحركة النقابية عموماً تعي تلك المخاطر، وقامت بالتصدي لها وفقاً للإمكانيات المتاحة، وهذا ما ظهر جلياً في المؤتمرات النقابية الأخيرة، حيث أوضح النقابيون موقفهم من السياسات الاقتصادية والإجراءات المتبعة لإنهاء القطاع العام، وخطورة تلك السياسات التي تضعف الموقف الوطني داخلياً وخارجياً، والتي أوصلت مستوى معيشة الطبقة العاملة إلى مطارح لم تعد مقبولة ، حيث تصاعد تذمر العمال والنقابيين من استمرار هذه الأوضاع، وخاصة مع إقدام الحكومة على طرح العديد من الشركات للاستثمار، وإقفال عدد أخر منها وتوزيع عمالها على أماكن عمل لا علاقة لها بمهنهم الأساسية، بدلاً من إيجاد حلول إصلاحية حقيقية، تمكن من تطوير أداء هذه الشركات، مع العلم أن معظم الشركات التي أقفلت هي شركات غزل ونسيج، أي مادتها الأولية محلية ومتوفرة، ويمكن إصلاحها إدارياً وإنتاجياً برفدها بدماء عمالية وشابة لديها المقدرة على قيادة العملية الإنتاجية، وفقاً للمصلحة الوطنية ومصلحة العمال.
والسؤال الذي لابد منه: هل الوقت مازال كافياً أمام الحركة النقابية والقوى الوطنية لتأمين مستلزمات الصمود والمقاومة على الصعيد الداخلي؟!
في البداية لابد من الإشارة إلى قضيتين هامتين لهما علاقة مباشرة بالدور الذي يمكن أن تلعبه القوى الوطنية والحركة النقابية تحضيراً للمواجهة القادمة ضمن الوقت المتبقي.
القضية الأولى: أن البعض يراهن على دورأمريكي ـ أوربي ما في الضغط على العدو الصهيوني لأجباره على الالتزام بالقرارات الدولية، ويبدو هذا خياراً لبعض القوى والتي لم تستفد من دروس الصراع مع هذا العدو التي تؤكد أن خيار المقاومة والصمود هو الطريق الأقصر للدفاع عن حقوقنا الوطنية، وأن كان الأكثر إيلاماً من حيث أضراره، فالاستمرار بالمراهنة على دور أمريكي أوروبي في الضغط على العدو يعني إضعافاً للجبهة الداخلية وتشتيتاً للقوى، وإضاعة للوقت المتبقي في الاستعداد.
القضية الثانية: استمرار الحركة النقابية في موقفها الوسط من السياسات الاقتصادية التي يجري فيها الفريق الاقتصادي وبسرعة، مهدداً إنجازات الشعب السوري، وضارباً عرض الحائط بكل الاحتجاجات والمواقف التي تبديها الطبقة العاملة والحركة النقابية تجاه تلك السياسات التي ترى فيها النقابات خطراً حقيقياً يهدد الاقتصاد الوطني برمته، ويجعل إمكانية إصلاح اقتصادي حقيقي يؤمن نسب النمو المطلوبة التي ستعمل على تحسين المستوى المعيشي للشعب السوري، وفي المقدمة منه الطبقة العاملة السورية، غير ممكن وفقاً لتلك السياسات، وبالتالي الاستمرار بها والاستمرار بالموقف غير الحازم منها، يعني إضعافاً للجبهة الداخلية، وإضاعة للوقت المتبقي للاستعداد.
إن الطبقة العاملة السورية وحركتها النقابية لن تتخلى عن دورها الأصيل في الدفاع عن الوطن بالرغم من كل الظروف الصعبة التي تعاني منها، والمطلوب وطنياً تعبئة قوى الطبقة العاملة في مواجهة برنامج قوى السوق ومراكز الفساد، بوابات العبور للعدوان الخارجي، وبذلك تتعزز الوحدة الوطنية التي هي الأداة الحقيقية في الصمود والمقاومة، ولنا بهذا نصيب.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.