نزار عادلة نزار عادلة

على هامش المؤتمرات النقابية... أين معركة التشريع؟!

/260/ نقابة عمالية عقدت مؤتمراتها السنوية، وهذه المؤتمرات كافة أكدت على قضايا أساسية:

المحافظة على القطاع العام وتطويره، تثبيت العمال المؤقتين، تحقيق الضمان الصحي، طبيعة العمل والحوافز، إلغاء ضريبة الإنفاق الاستهلاكي، تحسين الوضع المعيشي، إيجاد جبهات عمل للشركات الإنشائية، البطالة وانعكاساتها الاجتماعية، تطوير الخطاب النقابي بشكل عام. إضافة إلى قضايا تفصيلية: حال هذه الشركة أو تلك وأوضاع عمال القطاع الخاص.

بين مؤتمر وآخر:

ومن مؤتمر إلى آخر، وبين عام وآخر تتكرر المطالب العمالية ذاتها، ولا شك أنه من غير الجائز أن لا تعير النقابات أهمية لما تطرحه، وهو لا ينفصم عن الجانب الاقتصادي والسياسي مطلقاً، إذ أنها مهمات مترابطة عضوياً، ولكن هناك قضايا اقتصادية مستجدة، أو استجدت بعد تبني اقتصاد «السوق الاجتماعي» وهو الاقتصاد الليبرالي بامتياز، وهذا يعني بشكل واضح ليس تطوير الخطاب النقابي فقط، وإنما نقلة هامة في العمل النقابي، ولن نستطرد هنا لنتحدث عن العمل النقابي في الدول التي تسير في الطريق الاشتراكي والرأسمالي. فهي واضحة ومعروفة لكافة القيادات النقابية، لذلك فإن قوقعة المنظمات النقابية في إطارها المهني بحجة أنها ليست منظمات سياسية، أو جعل النقابية السياسية بديلاً للنضال المطلبي (وهو شعار السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي في سورية) يعني بشكل واضح شل الحركة النقابية وأضعافها أمام المستجدات الاقتصادية: ضرب القطاع العام وعرض شركاته للاستثمار، عدم التوسع والاستثمار في القطاع العام، مشاركة الشركات الأجنبية ورأس المال الخاص في مؤسسات إستراتيجية، تصفية شركات عديدة، الانفتاح والشركات وزحف رؤوس الأموال لإقامة مشاريع خدمية وتجارية، تحرير أسعار الطاقة وتأثيراتها على القطاعين الصناعي والزراعي. زيادة حجم عمال القطاع الخاص وهو أكثر من ضعف عدد عمال القطاع العام إلخ....

من هنا نجد الخطأ الفادح في العزل بين النقابية المطلبية والنقابية السياسية الاقتصادية، وإذا حدث ذلك، فهذا يعني بشكل واضح أن القيادة النقابية خلف عمالها وليس أمامهم، وهذا يعني الشلل والهزال والانعزال والانشغال بالقضايا المكتبية الصغيرة والروتينية على حساب القضايا الكبرى، وتظهر أمراض عديدة منها تحول بعض النقابيين إلى إداريين في المؤسسات من خلال تمثيلهم في المجالس الإدارية، أو من خلال علاقاتهم مع الإدارات، متناسين كونهم ممثلي العمال، لذلك يقفون في أحيان كثيرة ضد المطالب العمالية، ويبررون ذلك بعدم التشهير بالقطاع العام لأن المرحلة دقيقة وحساسة، ويرتبط بعض القادة مع أصحاب منشآت في القطاع الخاص لقاء مكاسب مادية، ولا يهمه واقع عمال القطاع الخاص. وتتحول فئة من القيادات إلى أرستقراطية عمالية على حساب الطبقة العاملة، وهذه الارستقراطية جزء لا يتجزأ من الرأسمالية. 

الوقائع الاقتصادية بعد اقتصاد السوق

 يقاس عملنا النقابي بمقدار ما نستطيع إحرازه من مكاسب. بل بقدر ما نستطيع الاحتفاظ بالمكاسب، وهذا يعني العمل في الجانب القانوني والتشريعي، لأن هناك قوانين وتشريعات صدرت وقوانين كادت أن تصدر، وهي تمس حقوق العمال ومكاسبهم، فهل نقف مكتوفي الأيدي؟

لعل مراجعة تاريخ الحركة النقابية في العالم، تبرز أكثر ما تبرز تلك العلاقة المباشرة الوثيقة، التي كانت قائمة دائماً، بين تطور التنظيم النقابي كمؤسسة تمثيلية للطبقة العاملة، وبين تطور التشريع، كبنية حقوقية للمجتمع، هذه العلاقة كانت دائماً تتأرجح صعوداً وهبوطاً، وفق تأرجح الوجود الاجتماعي الفعال للطبقة العاملة. فمنذ أن أطل القرن الثامن عشر، وبدأت الآلة تتدخل في عمليات الإنتاج، مبدلة وسائله وظروفه، ومبادئ الإنتاج الوظيفية ذاتها، منذ ذلك الوقت يمكن أن تقول بأن عصر التنظيم صناعي قد بدأ يطل على العالم، ليطرح مشكلة «العمل» الإنشائي، لا كمشكلة إنتاج سلعي فحسب بل كمشكلة إنتاج اقتصادي واجتماعي، وما ينجم عن هذه المشكلة من قضايا هامة كتوزيع العمل، ودور المنشأة الصناعية الكبرى، وتبلور الوضع الطبقي لكل من العمال وأصحاب رأس المال، والتطور التقني، ودور السلعة المصنعة. ومسائل الاستهلاك، ومفاهيم الأجر والضمان الاجتماعي وغيرها... وإذا كانت هذه المسائل التي تعتبر موضوعات خاصة بمشكلة العمل الإنساني، فإن أساليب المجتمعات في معالجتها اختلفت باختلاف الأنظمة التي سادت فيها. ولكن تبقى الساحة التشريعية ساحة أساسية وميداناً للصراع الطبقي بجميع وجوهه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ساحة أساسية أمام التشريع الليبرالي الزاحف بقوة في كل الاتجاهات.

من هنا نجد أهمية التشريع ودور النقابات في هذا الميدان، والتقدم النقابي على جبهة التشريع لا يمكن إلا أن يكون تقدماً على الجبهات السياسية والاجتماعية وغيرها. 

التشريع سلاح حاسم يحقق ثلاثة أمور:

• يحقق الاعتراف الاجتماعي «بحق» من الحقوق التي تتضمنها لائحة المطالب المكتوبة وغير المكتوبة للنقابات والعمال، وتؤمن موقعاً تشريعياً متقدماً يهيئ لما بعده.

• الاعتراف القانوني بحق نقابي أو عمالي يؤدي بصورة غير مباشرة إلى كسر قيد رأسمالي تتقيد به الطبقة العاملة وحركتها.

• تقدم النقابات على جبهة التشريع لا يمكن إلا أن يكون تقدماً على الجبهة السياسية والاجتماعية وغيرها.

لذلك فإن العلاقة الجدلية القائمة بين النقابات كقوة منظمة وبين مطالبها وأهدافها، هي علاقة تطلع تشريعي، أي أن التنظيم النقابي يتطلع إلى التشريع، على أنه التعبير عن الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي في الصورة السلبية أو الإيجابية بالنسبة له وللطبقة العاملة التي يعمل على تمثيلها تمثيلاً مباشراً.

حاولت بعض الجهات الوصائية تعديل قانون العمل في القطاع الخاص /91/ لعام 1978 تماشياً مع اقتصاد السوق، وجوبه هذا التعديل بمعارضة عنيفة من النقابات لأنه يضرب حقوقاً مكتسبة تحققت منذ أكثر من /50/ عاماً، وبعد مناقشات مستفيضة مع الحركة النقابية يعتقد أنه تم التوصل إلى تسوية.

وحاولت بعض الوصائية تعديل قانون التأمينات الاجتماعية بتوصية من البنك الدولي، يخفض التعديل الرواتب التقاعدية للعمال، وقوبل هذا التعدي برفض مطلق من قبل النقابات.

لذلك كثيراً ما يكون القانون «تسوية» بين حقين أو مصلحتين للعمال وأصحاب رؤوس الأموال، وفي كل الأحوال، فإن أهمية التشريع تتمثل لا في تسجيل الحقوق العمالية فقط، بل بالانتقال إلى ميدان آخر وهو الميدان الاقتصادي.

في الميدان الاقتصادي صدرت سلسلة من التشريعات القانونية تم تقبلها على جرعات خفيفة، إغلاق /17/ شركة في القطاع العام، وطرح مواقع هامة للشراكة والاستثمار، وعدم إصلاح شركات القطاع العام، وإغراق الأسواق بكل ما هو مستورد إلخ.....

فأين موقعنا من هذه التشريعات ونحن في صلبها؟؟!