عادل ياسين عادل ياسين

بصراحة: العقد الاسترشادي لمصلحة من؟!

أصدرت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل القرار رقم /4/ لعام 2010 الذي يحدد نموذجاّ لعقد عمل استرشادي، يتضمن في مواده تنظيم العلاقة بين رب العمل والعامل المراد تشغيله، وهذا العقد الاسترشادي الذي وجهت به الوزارة يعتمد على مواد قانون العمل الجديد رقم /17/ الذي دار حوله، ومازال، الكثير من الجدل، تجلَّت فيه بشكل واضح مواقف الأطراف المختلفة من هذا القانون الذي اعتبره الكثيرون بأنه يخدم مصالح أرباب العمل ويعطيهم الإمكانية الكاملة في التحكم المطلق بحقوق العمال، وخاصة التحكم بحقهم في العمل الآمن والمستقر.

ولا تخفى على أحد الدوافع التي دعت إلى إصدار هذا القانون غير العادل وغير المنصف للعمال، حيث أوضح «أركان الحكومة» و«توابعهم» أن القانون جاء تلبية لرغبات أرباب العمل والمستثمرين الذين كانوا يطالبون بقانون بديل للقانون /91/ باعتباره أصبح متخلفاً عن ركب الحضارة الاستثمارية، وهو يحد من طموحاتهم الاستثمارية وإقدامهم على الاستثمار الآمن في سورية، وكأن العمال المراد تشغيلهم في منشآتهم سيعيقون العمل والإنتاج، وسيهددون المصالح العليا لقوى الاستثمار الجديد.

بدأت مفاعيل هذا القانون «العتيد» تنعكس على أرض الواقع، حيث أخذ العديد من أرباب العمل بإغلاق منشآتهم وتسريح عمالهم تحت حجة التكاليف الإنتاجية العالية التي تجعلهم غير قادرين على الاستمرار بالإنتاج والإبقاء على العمال، فتحولت هذه المنشآت إلى مراكز تجارية للاستيراد وإغراق السوق بالبضائع المستوردة المنافسة للمنتَج الوطني، وهم بهذا يحققون أكثر من مكسب على حساب العمال واليد العاملة، وذلك بالتخلص من العمال ومشاكلهم في زيادة أجورهم وتسجيلهم بالتأمينات وغيرها من القضايا المتعلقة بحقوق العمال.

إن العقد الاسترشادي الذي أصدرته الوزارة يحمل في طياته استغلالاً واضحاً لحقوق العمال ومكاسبهم، حيث أعطت الحق لرب العمل في زيادة ساعات العمل دون مقابل، كما جاء في هامش المادة الخامسة من هذا العقد (تحذف هذه المادة /5 أ/) إذا اتجهت إرادة الطرفين إلى عدم تحديد المدة له، فقد تُرِك المكان المخصص لتحديد ساعات العمل فارغاً ولم يذكر أن ساعات العمل وفقاً للقانون ثماني ساعات عمل، وأكدها التوضيح المذيل في آخر الصفحة. وإن عدم تحديد ساعات العمل بثماني ساعات بشكل قاطع سيكون مبرراً لأرباب العمل لزيادة ساعات العمل وفقاً لمصالحهم وخلافاً لمصالح العمال.

كما جاء في المادة /8/ من العقد الاسترشادي: «يحق للطرف الأول (رب العمل) إنهاء عقد العمل سواء أكان محدد المدة أو غير محدد المدة، أو لإنجاز عمل معين دون إخطار أو مكافأة أو تعويض في حال ثبوت ارتكاب الطرف الثاني (العامل) مخالفة من المخالفات المحددة في المادة /64/ من قانون العمل، كما أضاف العقد أن عبء إثبات مخالفة رب العمل تقع على عاتق العامل لتقديمه إلى محكمة البداية في حال رفع العامل دعوى ضد رب العمل. (أي بكلام واضح يُطلب من العامل إثبات مخالفة رب العمل، ولا يُطلب من رب العمل إثبات مخالفة العامل!!)

ماهذا الاعتداء الجائر يا وزارة العمل على حقوق العمال؟! هل يُعقَل أن يُسرَّح عامل دون حقوق وتعويضات لمجرد أن رب العمل ادَّعى أن العامل قد اعتدى عليه أو أساء إليه أو سرب معلومة سرية عن منتج؟! أليس من المفترض أن يكون للقضاء (العادل) الرأي الفصل في الخلاف بين رب العمل والعامل؟ وأن يتولى القضاء معرفة الحقيقة وعدم ترك ذلك لتقديرات وإدعاءات أرباب العمل؟! لأن الكثيرين منهم ينظرون للعامل بعدائية وأن مطالبته بحقوقه غير مشروعة، وحقه الوحيد هو ما يتنازل عنه رب العمل له، سواء في الأجر أو التعويضات الأخرى.

إن النضال من أجل تعديل الكثير من مواد هذا القانون الجائر لابد أن يبدأ دون تأخير، لأن الاستمرار في إعلان التأييد والموافقة على ما جاء في هذا القانون، واعتباره قمة في التشريع العمالي، وأنه قدم الكثير من الميزات التي لم تكن موجودة، كل ذلك سيشجع أرباب العمل على المزيد من الاعتداء على حقوق العمال ومكاسبهم، وبالتالي سيتخذ العمال موقفهم المدافع عن مصالحهم، دون الرجوع إلى نقاباتهم، التي من المفترض أنها تدافع عن حقوقهم ومكاسبهم، كما حدث في العديد من معامل وشركات القطاع الخاص.