ضرب الاقتصاد الوطني عبر تقليص دور ممثليه الحقيقيين
يُعدّ الاتحاد العام للفلاحين بمؤسساته وروابطه وجمعياته جزءاً فاعلاً في حركة الاقتصاد والمجتمع، ولم يكن الاتحاد في السنوات الأخيرة تحديداً بعيداً عن التطورات التي جرت في سورية، كان مندمجاً مع بعضها ومعارضاً لبعضها الآخر، وهذه حقيقة فرضها الواقع ويفرضها تمثيل الاتحاد لجماهير الفلاحين. فهو إذاً جزء لا يتجزأ من الحراك السياسي والاقتصادي والاجتماعي، بل هو في صلب هذا الحراك، فاعل ومنفعل به، مؤثر ومتأثر في معطياته وآفاقه.
وكما انعكست المتغيرات الدولية والعولمة على الاقتصاد الوطني في قطاعاته كافة، العام والخاص والمشترك والتعاوني، انعكست بشكل أساسي على القطاع الزراعي، وهو القطاع الأبرز والأكثر عراقة في الاقتصاد السوري، حيث كان الريف السوري يستوعب قرابة 40% من السكان، ويشتغل في الأعمال الزراعية وملحقاتها زهاء 40% من مجموع العاملين. وإذا كان التطور الكبير الذي طرأ على الصناعة في سورية خلال العقود الأربعة الماضية يهدف إلى تعديل بنية الاقتصاد الوطني باتجاه اقتصاد زراعي صناعي متطور يكون أساساً قوياً للانطلاق في تحقيق تنمية ذاتية مستمرة، فإن التطور الأبرز بدأ مع تصفية الملكيات الإقطاعية ونصف الإقطاعية، وتوزيع الأراضي المستولى عليها وأراضي أملاك الدولة المستصلحة على الفلاحين، حيث بدأت منذ ذلك التاريخ علاقات مختلفة عن السابق تمثلت في إقامة التعاونيات ومزارع الدولة ومؤسسات رديفة أخرى. وإذا كان الاقتصاد السوري عموماً والقطاع الزراعي تحديداً قد تعرض ويتعرض لمشكلات يبدو أنها مستعصية بسبب عدم التصدي لها بواقعية، فهذا يدعونا للوقوف أمام الإجراءات الاقتصادية التي يقوم بها الفريق الاقتصادي الحكومي بعد تبني اقتصاد السوق الاجتماعي، والتي تؤدي في محصلتها إلى ضرب القطاع الصناعي في القطاع العام وضرب الزراعة في سورية.
واجهت الزراعة تحدياً كبيراً مع إعلان الحكومة رفع دعمها عن الأسمدة تاركةً أسعارها بيد المحتكرين الذين رفعوها أضعافاً عديدة، وكان تحرير الأسمدة جزءاً من تحرير الاقتصاد حيث سمح للقطاع الخاص باستيراد الأسمدة، وتم إيصال شركة الأسمدة، قسرياً، إلى الإفلاس والتوقف، ووقفت المنظمة الفلاحية معارضة بطبيعة الحال.
وكانت الضربة الأقسى والأكثر إيلاماً للزراعة زيادة أسعار المازوت، وهو الأمر الذي ألغى نهائياً مفهوم المزايا وسياسة الدعم التي كان يتمتع بها القطاع الزراعي. وقد زاد رفع سعر المازوت من سعر الكلفة وارتفاع أسعار الأسمدة انعكس على الإنتاج، ومع ذلك اتخذ هذا القرار على الرغم من معارضة اتحاد الفلاحين الشديدة له، وقال يومها حماد المسعود رئيس الاتحاد: إن الاتحاد لم يُستشَر في شيء، وأعضاء الاتحاد يرفضون القرار لانعكاساته على القطاع ولخطورته على الفلاحين عموماً، فأقل نوع ارتفع 100% وهناك أنواع من الأسمدة رفعت أكثر من 500% ليرتفع سعر الطن إلى 250 دولار، وأحياناً إلى 500 دولار أمريكي.
وتتحدث الحكومة عن إجراءات لدعم المحاصيل الإستراتيجية، القمح والقطن والشوندر والحمضيات، ولكن الكثير من الفلاحين أقلعوا عن الزراعة والدليل حصيلة هذا الموسم التي لا تتجاوز 2.4 مليون طن قمح، في حين تصل احتياجات السوق لـ3.2 مليون و400 ألف طن بذار، وهذا يعني استيراد القمح للعام الثالث على التوالي، وكذلك الأمر في الشوندر وغيره من المحاصيل الهامة.
وتجري على أرض الواقع سلسلة من الإجراءات التي تعجل في الانهيار الحاصل، ويرافق ذلك إجراءات وقرارات هدفها إبعاد منظمتي اتحادي العمال والفلاحين عن قواعدهما، وعن القدرة على التأثير باتخاذ القرار، وعلى هذا الصعيد اتخذ أكثر من إجراء:
ـ تهميش دور العمال في اللجنة الاقتصادية وفي مجالس إدارات المؤسسات العامة.
ـ تهميش دور اتحاد الفلاحين كمقدمة لإنهاء دوره نهائياً، من خلال اتحاد الغرف الزراعية التابع لوزارة الزراعة، والذي يضم في صفوفه 100 منتسب أو أقل، ويعمل اتحاد الغرف على أخذ مكان اتحاد الفلاحين ودوره من خلال تعديل قانون الغرف الملغى بالمادة 123 من القانون 21 لعام 1974 لاتحاد الفلاحين، والذي ألغى أيضاً جميع الأحكام المخالفة بما فيها القانون 129 لعام 1958 الناظم للغرف الزراعية.
وتقول مذكرة اتحاد الفلاحين في هذا الصدد: «ثمة مخاطر بدأت تلوح في الأفق وأخذت تهدد جذر العلاقة بين المنظمة الفلاحية والفلاحين، وذلك عبر إيجاد اتحاد الغرف الزراعية غير الشرعي بحكم المادة 123 من القانون 21 لعام 1974 والتابع لوزارة الزراعة الذي نصب نفسه، أي اتحاد الغرف، مكان اتحاد الفلاحين وسعى للتصدي للمهام ذاتها التي هي من صلب عمل المنظمة الفلاحية، وبالعودة إلى أهداف وتخصصات الغرف الزراعية ولاسيما المواد 4، 5، 13 من مشروع القانون يلاحظ وجود تضارب في الاختصاصات والأهداف بين اتحاد الفلاحين واتحاد الغرف الزراعية، ما يجعل الفلاح يدخل في دائرة العشوائية والفوضى وازدواجية الانتماء، ما ينعكس سلباً على الفلاح والزارع إذ من غير المعقول وجود جهتين مختلفتين تسعيان إلى الغايات والأهداف نفسها، الأمر الذي لا يخدم الواقع الزراعي ويضعف من حصانة اقتصادنا الوطني».
ويمضي الاتحاد قائلاً: «إن مشروع قانون الغرف في حال التطبيق العملي سيثير إشكالات لا تحمد عقباها، وكانت الغرف ومازالت تضم في مجملها عشرات المنتسبين فقط ومعظمهم بتنظيم مزدوج وهي نسبة ضئيلة جداً مقارنة مع ما تمثله المنظمة الفلاحية التي تمثل 95% من ممارسة أعمال الزراعة».
السؤال المطروح: هل يستطيع اتحاد الغرف الزراعية الملغى دوره منذ أكثر من 30 عاماً أن يعدل القانون وأن يأخذ دور اتحاد الفلاحين دون رأي الحكومة؟!
إن ضرب التعاونيات وضرب القطاع الزراعي من خلال رفع الدعم وتخسير الفلاح وإنهاكه وإجباره على ترك أرضه، كلها أمور تعني بشكل واضح السعي الحثيث لإنهاء المنظمات الفلاحية وتصفيتها، وانطلاقاً من هنا يبرز دور وفاعلية المنظمات العمالية والفلاحية في التصدي لليبرالية الجديدة في سورية.