مطالب الصناعيين... وحقوق العمال
تعاني الصناعة الوطنية عموماً أزمة حقيقية في الإنتاج والتسويق، واستفحلت هذه المعاناة بسبب السياسات الليبرالية التي مازالت هي السياسة السائدة في الممارسة اليومية حتى هذه اللحظات الحرجة، ويجري التأكيد على التمسك بها بالرغم من الأضرار الواسعة التي أحدثتها وأصابت بها الإنتاج الوطني، حيث وضعته في شروط إنتاجية وتسويقية لا يُحسد عليها بسبب فتح الأسواق على مصراعيها أمام تدفق البضائع الأجنبية، وبسبب اتفاقية الشراكة العربية الكبرى التي ألغت الضرائب الجمركية على البضائع الواردة من الدول الموقعة على هذه الاتفاقية، فقد استفاد من هذه الأوضاع أصحاب الأموال وتجار الأزمات فقط، الذين تورموا كالسرطان في الاقتصاد الوطني، وأصبحوا قادته وموجهيه باتجاه مصالحهم وتعزيز نفوذهم السياسي والاجتماعي، وبالمقابل تُرِك الإنتاج الوطني في القطاعين العام والخاص، يصارع بمواجهة تلك السياسات التي حاصرته وضيقت عليه الخناق لكي يلفظ أنفاسه الأخيرة، وبالتالي تحين اللحظة لإطلاق رصاصة الرحمة على ما تبقى منه على قيد الحياة.
لقد اتُّخِذت خلال السنوات الفائتة إجراءاتٌ عدة لم تكن لمصلحة الإنتاج الوطني، ومن ضمنها إلغاء الدعم عن حوامل الطاقة، وفرض ضرائب جمركية على المواد الأولية، بالإضافة إلى إجراءات أخرى ساهمت جميعاً في رفع تكاليف الإنتاج، ما أدى إلى عدم قدرة المنتجين، وخاصةً في قطاع الغزل والنسيج، على منافسة البضائع الأجنبية في الأسواق المحلية، وحتى في الأسواق المجاورة التي كانت أسواقاً رئيسيةً للمنتجات السورية، كالأردن ولبنان ودول الخليج، حيث خسرها الآن بسبب الأسعار والتكاليف العالية التي يتكلفها المنتج الوطني.
إن الآثار الواضحة للعين المجردة لتلك السياسات الاقتصادية الكارثية التي اتُّبِعت في السنوات السابقة، على الإنتاج الوطني، نلمسها الآن من خلال إغلاق الكثير من المنشآت والمعامل أو تخفيض إنتاجها لتعمل بجزء من طاقتها الإنتاجية، وهذه لن تستمر طويلاً إذا لم تتمكن الحكومة الحالية من اتخاذ إجراءات سريعة لوقف هذا النزف الحاصل، ومساعدة هذه المنشآت على الاستمرار في إنتاجها، وهذه الإجراءات السريعة والمستهدفة اقترحها الصناعيون في لقائهم مع رئيس مجلس الوزراء الحالي، حيث جاء الرد من رئاسة الوزراء على هذه الاقتراحات بتشكيل لجان من أجل:
ـ دراسة تخفيض الرسوم الجمركية على المواد الأولية الداخلة في الصناعة وغير المصنعة محلياً.
ـ مراجعة دليل التسويات على المخالفات الجمركية بهدف خفض الغرامات المفروضة عليها.
ـ إعادة النظر برسم الرهن عند تقديم العقارات كضمانة للحصول على تسهيلات مصرفيه وإعادة النظر بالمرسوم التشريعي رقم /6/ لعام 2004، المتعلق برسم الإنفاق الاستهلاكي بما يخدم أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتخفيض أسعار السلع الاستهلاكية والغذائية.
ـ إعادة جدولة الديون المتعثرة على الصناعيين مع الإعفاء من الفوائد المترتبة عليهم.
ـ دراسة التشريعات الضريبية وخاصة المتعلقة بضريبة الدخل للمكلفين على أساس الأرباح الحقيقية.
ـ تشكيل لجنة من الاختصاصيين والفنيين مهمتها دراسة قانون التأمينات الاجتماعية ورفع المقترحات اللازمة لتعديله بما يتلاءم مع معطيات سوق العمل.
إن ما جاء من ردود على اقتراحات الصناعيين جميعها، هي بحكم المستقبل، ومرهونة بجدية اللجان المشكلة للدراسة واتخاذ القرارات على ضوئها، وتنفيذها بما يخدم حماية الصناعة والمنتج الوطني، التي بدورها ستحافظ على استمرار العمال في أماكن عملهم، حيث يتعرض العمال الآن لتسريحات واسعة بسبب إغلاق المنشآت الصناعية تحت حجة أن هناك أزمة في الإنتاج والتسويق، وأنه لا يمكن الاستمرار في تحمل الخسائر الناتجة عن متابعة الإنتاج دون تسويقه، فيكون الحل دائماً على حساب العمال، حيث هم الحلقة الأضعف في هذه المعادلة، فيجري تسريحهم دون النظر إلى ما سينتج عن ذلك من تفاقم لأزمة الفقر والبطالة المستوطنة في مجتمعنا منذ عقود، حيث لا أمل في حلها ضمن الآجال القريبة، وضمن الاستمرار في تبني السياسات الاقتصادية الليبرالية، واللافت للنظر في ردود رئاسة مجلس الوزراء أنها لم تتطرق إلى وضع العمال في المنشآت الصناعية، من حيث ربط ما يريده الصناعيون من مطالب باستمرار العمال في مواقعهم وتحسين ظروفهم المعيشية الآخذة بالتدهور، وذلك بزيادة أجورهم وتأمين حقوقهم الأخرى التي يجري الاعتداء عليها جهاراً.
إن الطبقة العاملة السورية ستشق طريقها في الدفاع عن مصالحها وحقوقها، وستخلق أدواتها الكفيلة التي ستحقق لها ذلك، وفي مقدمتها حقها بالإضراب والتظاهر السلمي الذي كفله لها الدستور السوري.