لجنة تعديل قانون العمل 17 تجتمع.. مناورة وتشبث من أرباب العمل ودفاع مستميت من العمال

صدر قانون العمل رقم /17/ لعام /2010/ بديلاً عن أحكام القانون /91/ لعام /1959/ وتعديلاته والناظم لعلاقات العمل في القطاع الخاص والمتضمن الأحكام القانونية للالتزامات والحقوق والواجبات بين العمال وأرباب العمل، وعلى الرغم من أن القانون صدر بعد نقاش طويل مع النقابات العمالية استمر سنوات عديدة ورغم تحفظها على بعض مواده وأحكامه صدر هذا قانون دون أن يأخذ بتلك المقترحات وبتمرير مقصود من الوزيرة الليبرالية الاكتوارية السابقة ديالا الحج عارف.

إن بعض القضايا التي تتطلب إعادة النظر في قانون العمل /17/ إعادة النظر بأحكام القانون لمصلحة الطبقة العاملة السورية التي نالت تلك المكتسبات بقوة نضالها على مدار عشرات السنين، فالقانون الجديد الذي ألغى المرسوم /49/ لعام /1962/ الذي قضى في حينه بإيجاد لجان قضايا التسريح العمالية في كل محافظة والاستعاضة عنها بمحكمة بداية عمالية في مركز كل محافظة مؤلفة من قاضٍ وممثل عن العمال وآخر عن أرباب العمل، وإخضاع عقود العمل السابقة واللاحقة لصدوره لأحكامه وليعطي القانون بذلك أثراً رجعياً على عقود العمل القائمة والمستقرة منذ سنوات طويلة، وبالتالي إلغاء كافة القيود القانونية التي تحد أو تمنع رب العمل من إنهاء علاقة العمل وتسريح عماله في أي وقت كان ولأي سبب كان، تحت ستار وذريعة المرونة واستقدام المستثمرين، وأيجاد وتكريس آلية محددة لتسريح العمال تقوم على أساس تسريح مبرر دون تعويض في حالات حددها وتعويض في حالات التسريح غير المبرر، واعتماده على منهجية وخلفية تقوم على مقولة «العقد شريعة المتعاقدين»، وهي أفضل مقولة يتمنى الليبراليون تطبيقها، إن مجمل هذه القضايا بحاجة إلى تعديل فوري اليوم قبل غد.

لجنة واجتماع ومقترحات

بناء عليه وبدعوة من وزير الشؤون الاجتماعية والعمل جاسم محمد زكريا عقدت اللجنة المكلفة بتعديل قانون العمل رقم 17 لعام 2010 اجتماعها الأول بحضور جميع الأطراف، وذلك بمشاركة ممثلين عن الاتحاد العام لنقابات العمال، وغرفة صناعة دمشق وريفها، واتحاد غرف التجارة السورية، واتحاد غرف السياحة السورية والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، إضافة إلى مندوبين عن وزارة العدل ونقابة المحامين وكلية الحقوق، حيث ناقش المجتمعون مقترحات ممثلي جميع الجهات حول تعديل القانون.

وقال مصدر في الاتحاد العام لنقابات العمال لـ«قاسيون» إن الاجتماع الذي عقد بحضور تلك الأطراف كان الطرف الأقل المتداخل في النقاش والحوار كان ممثل العمال، وأشار المصدر أن ممثلي أرباب العمل من الغرف الصناعة والتجارة ناقشوا القانون مادة مادة، وطالبوا بتعديل العديد من المواد التي تزيد من جبروتهم وسيطرتهم على العمال من خلال مواد القانون نفسه، وحسب المصدر فإن مطالب ممثلي العمال جاءت خجولة رغم تناولها أهم المواد التي طالب الاتحاد العام لنقابات العمال بتعديلها في حينه.  

نحن هنا لسنا بصدد ما طالب به أرباب العمل خاصة وأنهم طالبوا بتعديل 38 مادة فكيف لو أن القانون ليس لمصلحتهم؟ لكن ما يهمنا أن يكون دور ممثلي العمال في هذه المرة محورياً في عملية التعديل لأنها فرصتهم الوحيدة في تثبيت كلمتهم من خلال القانون، والحفاظ على تلك المكتسبات بقوة القانون الذي سيحميهم  فيما بعد.

قوة العمال في طرحهم

طالب الاتحاد العام لنقابات العمال خلال الاجتماع بإعادة النظر في المادتين 64 و65 من قانون العمل اللتين كانتا على رأس المطالب في المؤتمرات النقابية، فالمادتان المذكورتان هما اللتان أعطتا لرب العمل الحق في تسريح عماله دون أي مساءلة في تسع حالات، وأطلقتا يده في الحالات المتبقية ليسرح عماله وينهي عقود عملهم لقاء تعويض مادي متى شاء ذلك، وكل ذلك دون حماية قانونية للعامل او قدرة الاتحاد العام على الدفاع عنه.

وحسب المصدر النقابي فإن المادة 205 من قانون العمل أخذت حيزاً كبيراً من نقاشات اللجان المجتمعة المتعلقة وهي أكثر مادة ترتبط بفض نزاعات العمل الفردية، حيث طالب ممثلو الاتحاد العام لنقابات العمال بضرورة تعديل المادة 205 التي تنص على تشكيل محكمة بداية عمالية في مركز كل محافظة، «حيث إن أقصى ما تستطيع هذه المحاكم الوصول إليه هو إذا وجدت أن تسريح العامل كان تعسفياً أنها تلزم رب العمل بدفع تعويض للعامل دون إلزامه بإعادته إلى عمله»، لذلك طالب الاتحاد بتعديلها لإعلاء سلطة القانون والقضاء حيث يترك للقاضي تخيير العامل بين الحصول على التعويض والعودة إلى العمل.

كما تحدث ممثلو الاتحاد العام عن الباب العاشر من قانون العمل واقترحوا على أن «أي تعديل لقانون العمل يجب أن يتضمن إعادة النظر في هذا الباب الذي يتناول الأحكام المتعلقة بإيقاف العمل الكلي أو الجزئي في المنشآت» واعتبر الاتحاد العام لنقابات العمال أن المواد القائمة لم تعط العامل المسرّح في هذه الحالات حق الحصول على أي تعويض مادي، وهو ما حرم عشرات الآلاف من العمال المسرحين بشكل تعسفي جراء الأزمة التي تمر بها البلاد من حقوقهم المشروعة بعد أن أغلقت العديد من المعامل والشركات.

سلة المعيشة «المبخوشة»

وأكدت مقترحات الاتحاد العام لنقابات العمال على ضرورة إيجاد الآلية القانونية لتعديل مهام اللجنة الوطنية للأجور ليصبح لها الحق في دراسة الحدود الدنيا للأجور وزيادتها وتعديلها دورياً، والربط بين الحد الأدنى للأجور وتكاليف سلة المعيشة المكونة لهذا الحد هذه السلة التي أصبحت «مبخوشة» بفعل الارتفاع الجنوني للأسعار، وقال ممثلو العمال إن قانون العمل رقم 17 نص على الزيادة الدورية على الرواتب إلا أنه ترك لرب العمل تقرير هذه الزيادة وضمن الأنظمة الداخلية للمنشآت، معتبرين ذلك من الأخطاء القاتلة التي يجب تلافيها من خلال تفعيل المجلس الوطني للأجور بدلاً من أن تكون مهمته تقرير الحدود الدنيا لأجور العمال.

كان اللافت في النقاشات التحضير الجيد وغير المسبوق من أرباب العمل وممثليهم لهذا الاجتماع فلم يتركوا بنداً وإلا ناقشوه بحرفية عالية وبالاعتماد على قوانين تخدمهم، لذلك يبدو مهمة الاتحاد العام صعبة لذلك فإن القضية الأهم أمام الاتحاد العام لنقابات العمال الآن ضرورة تعديل القانون /17/ وتصحيح مساره لمصلحة الطبقة العاملة السورية التي كانت أكثر المتضررين منها وما يثبت ذلك الآلاف التي طردت وسرحت من عملها دون وجه حق تحت حجة القانون هذا. 

نسف السياسات الليبرالية السابقة

إن إلغاء المادة الثامنة من الدستور، وتصحيح مسار الاقتصاد السوري بما يطابق الحالة السورية يتطلب   إعادة النظر بالسياسات الليبرالية التي طبقت بفعل القانون /17/ ونسفها من الحياة الاقتصادية، وإعادة تدقيق المواد ذات الصلة بحقوق ومكتسبات العمال، وإيجاد الحماية القانونية للعامل للتمتع بالحق والاستفادة منها، ومن ذلك إعادة النظر بالمواد /64 و 65/ من القانون، وإعادة صياغتها مع الأخذ بعين الاعتبار مهام المحكمة العمالية المحدثة بموجب المادة /205/ من القانون التي بحث بها مطولاً، وأيضاً إعادة النظر بموضوع «فصل نزاعات العمل الفردية»، وإعادة تضمينه أحكام المرسوم /49/ لعام /1962/ من حيث الجوهر أي من حيث تشكيل لجان ووضع جداول توقف عن العمل، وإقرار حق القاضي بإلزام رب العمل بإعادة العامل لعمله إن كان تسريحه غير مبرر وأن يكون العامل مخيراً ما بين العودة والتعويض، وضرورة إعادة صياغة أحكام الباب العاشر حول توقف المنشأة والإغلاق الجزئي والكلي باتجاه، وتشميل العمال الزراعيين بأحكام قانون العمل حسب التعديل الجديد.

أخيرا لا بد من التأكيد أن أي تعديل إن لم يكن لمصلحة العمال فسيكون غير عادل ويرجعنا لنقطة الصفر لذلك المطلوب تعديلات جوهرية وقانون واضح في مواده لا قانون يقبل العديد من التأويلات في المادة الواحدة مما يضيع نقاط الارتكاز التي يدافع بها العامل عن حقوقه.