التقرير الاقتصادي النقابي: إجراءات المصرف المركزي منفعلة وغير مستقرة (2–2)
في الجزء الثاني والأخير من التقرير الاقتصادي المقدم لاجتماع المجلس العام تناول أهم القضايا المرتبطة بالسياسة المالية، وأكد على تراجع الناتج المحلي في القطاعين العام والخاص بشكل حاد وصلت نسبته إلى 76%، وأن لهذا التراجع العديد من الأسباب، بدءاً من الآثار السلبية للحصار والعقوبات الاقتصادية والمالية، ومروراً بالمخاطر الأمنية، وصعوبة النقل والتنقل في المناطق الساخنة، خاصة وأن أهم وأغلب المدن والمناطق والمنشآت والأنشطة الصناعية تقع في مثل هذه المناطق.
أما في تعثر السياسة النقدية وانخفاض قيمة العملة الوطنية فقد أشار التقرير إلى تقلص الكتلة السلعية والخدمية المحلية من جهة، وتراجع الدخل الوطني العام والخاص من القطع الأجنبي من جهة ثانية، وزيادة الطلب على القطع الأجنبي لمختلف الأسباب من الجهة الثالثة، وسياسة التمويل بالعجز من جهة رابعة، واتساع أنشطة المضاربات على القطع في السوق السوداء من جهة خامسة، والإجراءات المترددة أو «الخاطئة» أو المتأخرة التي وسمت خطوات التدخل الإيجابي لمصرف سورية المركزي من جهة سادسة، كل ذلك بل، وإضافة إلى عاملي الخوف وعدم الثقة، تسبب في الضغط على قيمة الليرة السورية وأدى إلى انخفاض قيمتها.
وفيما يتعلق بدور المصرف المركزي، نوه أنه لا يمكن تسمية ما اتبعه خلال الأزمة بالسياسة النقدية، بقدر ما كان إجراءات متفرقة منفعلة غير مستقرة، لذلك لم تفلح هذه الإجراءات في لجم تدني قيمة العملة المحلية التي تراجعت قيمتها السوقية مقابل الدولار من /50/ل.س إلى /120/ل.س كما تراجعت قيمتها بالسعر الرسمي بالنسبة نفسها تقريباً، ليفوق سعر الدولار لدى المركزي.
وعن عجز الميزان التجاري وميزان المدفوعات، وانخفاض الاحتياطيات الأجنبية أوضح أن هذا التقلص بالإيرادات أدى إلى عجز ميزان المدفوعات بمبلغ يقدّر حوالي (5.1% مليار دولار) وارتفع إلى (10.9 مليار دولار) عام 2012، أي ما يعادل /27.6%/ من الناتج المحلي الإجمالي.
أما في البحث عن الأسعار والواقع المعيشي فقد ارتفعت الأسعار بشكل يوازي على الأقل مستوى انخفاض قيمة الليرة السورية، حيث ارتفعت (حتى أواخر عام 2012) بمعدل (50%) على الأقل، وإذا أشرنا (حسب التقديرات الاستقرائية) إلى خسارة أكثر من (1.5 مليون) مشتغل لعمله، وبالتالي إلى ارتفاع معدل الفقر بالنسبة نفسها على الأقل، علماً أن تفاقم البطالة طال على وجه الخصوص قطاعات السياحة والزراعة والنقل والبناء والصناعة وبالمحصلة (واستناداً إلى معدل الإعالة)، يمكن القول إن خسارة فرص العمل هذه أثرت بشكل مؤكد في تدهور مستوى معيشة أكثر من ستة ملايين مواطن سوري، عدا عن أعداد كبيرة أخرى من المهنيين والحرفيين العاملين لحسابهم والعمال المياومين، الذين تقلصت أو انعدمت مصادر دخلهم.
التقرير في نهايته أطلق مجموعة من التوصيات الهامة مؤكداً أن ظروف الأزمة تتطلب خلية أزمة قادرة على اتخاذ قرارات استثنائية، وجريئة في مختلف الوزارات والإدارات والمؤسسات الاقتصادية والخدمية، للتمكن من تخفيف الآثار السلبية المادية والاجتماعية لهذه الأزمة، وخاصة العاجلة منها في مجال:
العمل على استقرار قيمة العملة الوطنية، التي تتطلب من المصرف المركزي التدخل الإيجابي بشكل أكثر فعالية من خلال خطة نقدية شاملة.
التشديد الحكومي في الرقابة على الأسواق والمؤسسات، ولجم ممارسات الفساد بعد اتساعها.
الدعم العاجل والفوري للمؤسسات العامة، وخاصة الصناعية والإنتاجية.
زيادة المعونات العاجلة للأسر المتضررة والفقيرة.
توفير مستلزمات الإنتاج السلعي.
عدم مقاربة سياسة الدعم للمواد الأساسية التي سيكون لها منعكس سلبي على الشرائح الفقيرة، وبالتالي على الحالة المجتمعية بالكامل.