نور أبو فرّاج

نور أبو فرّاج

email عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

لعنات وأدعية سورية

لعنة المسافر

ستحمل بلادك على ظهرك كحقيبةٍ لا يمكن خلعها، ستبحث عن بلادك أبداً في المكان الذي تركتها فيه آخر مرة ولن تجدها. ذلك أن البلاد تفتتت وكل مهاجرٍ حمل معه قطعةً صغيرةً منها، مقطعاً تضريسياً متناهٍ في صغره من صحاريها وأنهارها وجبالها. 

وأنتِ، ستزرعين على شرفة شقتك الضيّقة شجرة نارنجٍ صغيرة، وشتلة ياسمين، وأوراق نعنعٍ، ومليسة، كما لو أنك ملعونةٌ أبداً بأن تغرسي أينما حلّلتِ خضرة موطنك في شرفاتٍ مغلقة، تستبدلين بها أصص والدتك  وشساعة سطح منزلك. 

هي  لعنة التوق إلى أماكن لم تعد موجودة كما حُفظت في ثنايا الخيال، لعنة حَمْل أجمل ما في البلاد وغرسه في أراضٍ قصيّةٍ أخرى.

 

«كنتاكي»..«كيت كات»..«زارا»

عندما كنا صغاراً، كنا ننتظر بفارغ الصبر الرحلة الساحرة إلى لبنان، لا من أجل المناظر الخلابة والشوارع والقرى الجميلة فقط، ولا لمجرد الطمع بزيارة الأقارب واللعب مع أطفال جدد يتحدثون بلهجة غريبة، وإنما أيضاً بسبب حالة ترقب وانتظار الوصول إلى منطقة المصنع في رحلة العودة، هناك كنا ننزل من الباص ونعيث فساداً في المحلات وبين رفوف المنتجات، نملأ جيوبنا وأكياسنا بمختلف أنواع البسكويت والشوكولا التي لم تكن متوفرة في سورية حينها، لتكون زوادتنا الصغيرة التي نحملها كغنيمة من زيارتنا تلك... وبعد سنوات تحقق الحلم المنتظر، وامتلأت المحلات والأسواق في سورية بكل تلك الأنواع، إلا أنني لم أشتر أيٍ منها، فأنا كبرت، وطعمها لم يعد لذيذاً كما كان في ذاكرتي، وسعرها كان أغلى من أن تستحق شراءها..

أنا الشعب!!

تطالعنا نشراتُ الأخبارِ ومحطات التلفاز كلَّ يومٍ بمحللين أو نشطاء سياسيين، يعلنون بثقةٍ تامة: «الشعب قال كلمته»  أو «هذا خيار الشعب» «الشعب يرفض» «وعي الشعب السوري أسقط المؤامرة».. مستغلين بذلك الكم الكبيرمن الأشخاص الذين ُيعبر عنهم بهذه المفردة، وصعوبة الملاحقة والتتبع الجنائي للتأكد تماماً عن أي شعبٍ هم تماماً يتحدثون. ليتم بذلك إلصاق ما هب ودب من الأحكام والقيم والقرارات والتصريحات بهذا الشخص المدعو «شعب»، ويزور توقيعه أسفل العديد من البيانات والبلاغات. ومن المنطلق نفسه يسهل على البعض اتهام من يحمل رأياً مخالفاً بأنه «خان إرادة الشعب»، هم يتحدثون باسم الشعب كما لو أن هذا الأخير أفضى لهم بسرٍ وخوّلهم أن يعلنوه على الملأ.

العوم في الهواء

تخيّل أن تكون معلّقاً في الهواء، لا أرض تحتك تثبت أقدامك عليها، ولا حبال تتدلى من السماء كي تتسلقها نحو الأعلى.. أنت هناك في الفراغ: لا تستطيع التحكم بجسدك أو تقدير ثقله، لا مجال للشعور بالتعب أو الرغبة في التوقف عن الطوفان لأن في السكون سقوطك في حفرةٍ لاقاع لها..

مقدمةٌ في الانتظار

في الانتظار رفضٌ للحظة الآنية، استهزاء بها، كما لو أنها مجرد معبرٍ للحظة أخرى لما تأت بعد.. والوقوع في فخ الإنتظار يعني الشعور بأن لاشيئ كافٍ بذاته أو مكتمل، وإن الاكتمال فراغٌ جديد يستوجب الإملاء .. 

أليس في «بلاد الحواجز»

الحاجز رقم (1)

 

بوابةٌ حديديةٌ ضخمة سدت مدخل المبنى الرحب، ليزيد بذلك عدد الحواجز التي نعبرها كل يوم. تحتجز البوابة من الداخل سكان المبنى الخائفين، المحتجزين بدورهم خلف أبواب شققهم، وتحتجز في الخارج الأفق الطلق، أعمدة الإنارة وأطفال الحارة.

فن صناعة الضحية

هل يفيد الضحية أن يكرر على مسامعها دوماً بأنها ضحية؟ هل يساعدها أن ُتذكر دوماً بحجم الألم والظلم الذي تعرضت له وبلحظات الضعف التي حولتها ضحيةً؟ أم أن ذك يجعلها حبيسة دائرة لا تنتهي من مشاعر الرثاء للذات والوهن؟

ثورات العالم الواقعي

ظهر ميل الشباب العربي نحو الإنترنت كوسيلة اتصال تعبيراً عن الرفض لقسر مستمر أمطرهم بوابل من القيود الاجتماعية والاقتصادية والفكرية والسياسية التي كبّلت أحلامهم وأفكارهم وسلوكهم.

درس المهن

يقف الأستاذ أمام طلبته متلعثماً، يقلب صفحات الكتاب أمامه دون أن يدري من أين يبدأ. في السابق كان درس "المهن" من أسهل الموضوعات وأكثرها متعة، إلا أنه يشعر اليوم أنه في ورطةٍ حقيقية، فالصمت طال والأطفال بدؤوا التململ في مقاعدهم.

دمى الخيال والأسطورة

تحجز كرسياً في المطعم، أو مقعداً في الطائرة، حيث يقدم لها المُضيفون على الخطوط التايلندية شوكولا «سنكيرز» وبعض المرطبات. هي ليست طفلةً عادية، بل في الحقيقة ليست طفلاً على الإطلاق. مجرد دمية مُتقنة الصنع، تسمى في تايلند دمية «روح الطفل» أو « لوك ثيب» (Luk Thep).